من قال إن تعاطي المخدرات جريمة؟

من قال إن تعاطي المخدرات جريمة؟

منذ 7 سنوات

من قال إن تعاطي المخدرات جريمة؟

قبل 50 عاماً، بدأت الحرب على المخدرات. عند إطلاقها كان الهدف منها الوصول إلى "عالم خالٍ من الاستخدام غير المشروع للمخدرات"، ومع ذلك ما زال هذا العالم بعيداً عن بلوغ مناله. وعلى الرغم من ملايين الدولارات التي أُنفقت لهذه الغاية، تُستخدم المخدرات اليوم أكثر من أي يوم مضى، فيما وصلت "البضاعة" إلى أرخص أثمانها.\nولكن المشكلة الأكبر هي "النتائج الكارثية" التي خلفتها الحرب على المخدرات. هذا ما أضاء عليه تقرير "هيومن رايتس ووتش" الأخير، بعدما اعتبرت المنظمة في وقت سابق أن "المقاربة الخاصة للمخدرات لا تحتمل التأجيل أكثر". وعليه، اعتبرت "هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الجديد، الذي صدر بالتعاون مع "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية”، أن تطبيق القوانين التي تجرّم تعاطي وحيازة المخدرات على نطاق واسع في الولايات المتحدة يسبب ضرراً مدمّراً.\nتتسبّب هذه القوانين في "تدمير حياة الأفراد والعائلات، والتمييز ضد غير البيض، وتقويض الصحة العامة". وعلى خلفية هذه الخلاصة، طالبت المنظمة السلطات الاتحادية والمحلية إلغاء تجريم استخدام وحيازة المخدرات الشخصية. في التقرير الذي يحمل عنوان "كل 25 ثانية: الحصيلة البشرية لتجريم تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة”، اعتبرت "هيومن رايتس ووتش" أن تطبيق قوانين حيازة المخدرات يسبّب ضرراً واسع النطاق وغير مبرّر للأفراد والمجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد. وبناء على المقابلات الموسعة التي أُجريت، توصل التحقيق إلى أن “عواقب حيازة المخدرات طويلة الأجل في فصل العائلات وحرمان الناس من فرص العمل والمساعدات الاجتماعية والإسكان العام والتصويت، ويعرّضهم للتمييز والوصم بالعار مدى الحياة". ويضيف التقرير مستطرداً أن "عدد الأشخاص الذين يُقبض عليهم بسبب حيازة بعض المخدرات يتجاوز عدد الذين يُقبض عليهم بسبب أي جريمة أخرى في الولايات المتحدة، وقلما تتركّز المناقشات المتعلقة بإصلاح العدالة الجنائية على ضرورة تجريم تعاطي المخدرات".\nشارك غردهيومن رايتس واتش: توقّفوا عن تجريم حيازة المخدرات وتعاطيها!\nقابلت المنظمتان حوالي 150 شخصاً حوكموا بسبب تعاطي المخدرات في لويزيانا وتكساس وفلوريدا ونيويورك، بينهم 64 يمضون حكمهم في السجن، بالإضافة إلى 217 آخرين، منهم أقارب لأشخاص تعرضوا للمحاكمة ومسؤولون حكوميون حاليون وسابقون ومحامون ومقدمي خدمات وناشطون. كما أجرت المنظمتان تحليلاً جديداً واسعاً للبيانات التي تمّ الحصول عليها من تكساس وفلوريدا ونيويورك و"مكتب التحقيقات الفيدرالي".\nبين من قابلتهم المنظمة الدولية كان نيل (اسم مستعار)، الذي يعاني من مرض مناعة ذاتية نادر ويقضي 5 سنوات في سجن لويزيانا لحيازته أقل من 0.2 غرام من الكوكايين. قال إنه بكى يوم اعترف بذنبه لعلمه أنه قد لا يبقى على قيد الحياة حتى انتهاء مدة عقوبته. وكوري أيضاً، الذي يمضي 17 عاماً في السجن في لويزيانا، لحيازته أقل من 15 غراماً من الماريجوانا. أما نيكول، ففُصلت عن أطفالها الصغار الثلاثة بعد احتجازها قبل المحاكمة لعدة أشهر في سجن هيوستن، ثم أقرّت أنها مذنبة في أول جناية لها. وستؤدي محاكمتها بسبب حيازة بقايا هيروين في كيس فارغ إلى خسارتها للمساعدة المالية الطلابية وفرص العمل والمساعدات الغذائية التي كانت تعتمد عليها لإطعام أطفالها. في المقابل، اختصر ماثيو من سجن مقاطعة هود في تكساس الواقع بقوله "هل يدركون ما يفعلونه بحياة الناس هنا؟ هم يعاقبونني لإدماني المخدرات... لم يقدموا لي أي مساعدة. دخلت السجن 5 مرات، ودمّرني هذا". يُذكر أنه قد حُكم على ماثيو بالسجن 15 عاماً لحيازته كمية لا تُذكر من مادة "ميثامفيتامين"، ولم يستطع حتى المختبر وزنها. أفادت نتيجة المختبر أنها مجرّد "بقايا".\nيعترف الجميع بأن المخدرات خطر حقيقي على المجتمع، وينبغي اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الضرر المحتمل عن تعاطيها، لكن في المقابل لا يرون في تجريمها حلاً. إن الأسلوب الذي تعتمده الحكومات في حبس الأشخاص يؤذيهم ويؤذي محيطهم، بينما لا يفعل شيئاً لمساعدة من يحتاجون العلاج ويريدونه".\nونتيجة لهذا التجريم، يتوارى متعاطو المخدرات عن الأنظار، ما يقلّل من حظوظهم في الحصول على الرعاية ويجعلهم عرضة لممارسات غير آمنة تعرّضهم للمرض والجرعات الزائدة، في ظلّ ارتفاع معدلات استهلاك المخدرات بشكل ملحوظ، وذلك بعد أكثر من أربعة عقود على إعلان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون "الحرب على المخدرات".\n1.25 مليون شخص يتم اعتقالهم لحيازة المخدرات كل عام، أي 1 من كل 9 اعتقالات على الصعيد الوطني. وعلى الرغم من ادعاءات المسؤولين أن قوانين المخدرات تُستخدم لمكافحة الترويج، إلا أن عدد الذين يُعتقلون بسبب الاستهلاك يقدّر بأربعة أضعاف الذين يُعتقلون بسبب الترويج. وبشأن "تمييز غير البيض"، توضح المنظمة أن السود البالغين يستهلكون المخدرات بمعدلات مماثلة أو أقل من البيض البالغين، في حين أن البيانات تظهر أن السود البالغين أكثر عرضة للاعتقال بمرتين ونصف بتهمة حيازة المخدرات، وأكثر عرضة للاعتقال بنحو 4 مرات بتهمة حيازة الماريجوانا. وعليه يمكن اعتبار أن تطبيق القانون المتباين عرقياً يرقى إلى التمييز العنصري بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، بحسب المنظمة.\nبينما دعت المنظمتان المجالس التشريعية للولايات والكونغرس الأميركي إلى إلغاء تجريم الاستخدام والحيازة الشخصية لجميع المخدرات وتخصيص موارد أكبر لبرامج تقليص المخاطر المرتبطة باستخدام المخدرات، ما زال العالم العربي في مكان آخر.\nفي هذا العام، أظهر "تقرير المخدرات العالمي" الذي أصدره "البرنامج العالمي لمكافحة المخدرات والجريمة" التابع للأمم المتحدة، أن نحو 250 مليون شخص في العالم، أي نحو 5 في المئة تعاطوا المخدرات غير المشروعة، بمختلف أنواعها. ومن بين هؤلاء 144 مليوناً يتعاطون البانغو و29 مليوناً يتعاطون منشطات وحبوب "أكستسي" و14 مليوناً يتعاطون الكوكايين و13.5 مليوناً يتعاطون الأفيون و9 ملايين يتعاطون الهيرويين. ولكن ماذا عن العقوبات؟ تُجرّم البلاد العربية كافة أنواع المخدرات بينما يُلاحق المدمنون أمام القضاء وتجري محاكمتهم كمجرمين. العام الماضي، دانت منظمة العفو الدولية عقوبة الإعدام التي تلحق بمدمني المخدرات في بعض دول الشرق الأوسط. في المقابل، بُذلت جهود كبيرة في دول كلبنان والأردن لاعتبار المدمن ضحية وليس مجرماً، وترافق ذلك مع حملات إعلانية موسعة. مع ذلك تبقى المنطقة بأكملها أسيرة تلك الصورة التقليدية التي تجرّم تعاطي المخدرات، وتجارتها بطبيعة الحال، وتؤدي آليات التعاطي معها إلى نتائج كارثية من دون أن يكون ذلك على رأس أولويات أي سلطة مسؤولة.\nرصيف22 منبر إعلامي يخاطب 360 مليون عربي من خلال مقاربة مبتكرة للحياة اليومية. تشكّل المبادئ الديمقراطية عصب خطّه التحريري الذي يشرف عليه فريق مستقل، ناقد ولكن بشكل بنّاء، له مواقفه من شؤون المنطقة، ولكن بعيد عن التجاذبات السياسية القائمة.

الخبر من المصدر