عندما تنتحر الإنسانية | المصري اليوم

عندما تنتحر الإنسانية | المصري اليوم

منذ 7 سنوات

عندما تنتحر الإنسانية | المصري اليوم

كم هي جميلة الأسرة والحنان، فالمال والبنون هم زينة الحياة الدنيا، أقسى أنواع الحرمان هو أن تُحرم من كلمة بابا أو ماما، تبذل كل شيء من مال وألم ومعاناة للحصول على أظفر طفل يكون مددا لك وعونا في كبرك، يحمل اسمك، تراه في كل مراحله منذ الصرخات الأولى إلى هذا العالم، إلى أن تراه رجلاً أو تراها فتاة شابة.\nكم من أب لهث في هذه الحياة من أجل قوت أولاده، وكم من أم سهرت ليالي طويلة إلى جانب أبنائها ترعاهم، إذا مرض طفلك كيف هي حرقة قلبك عليه، وإذا تألم كيف هو حال ألمك النفسي، إذا نام كيف تهرع إلى تغطيته بلحمك وجلدك إذا اضطررت لذلك، أحلامك في الحياة أن تراه مهندسا أو محاميا أو طبيبا أو عضوا فاعلا في مجتمعه يخدم هذا الوطن وتتباهى به بين العائلة.\nأغمض عينيك لدقيقة وتخيل أنك في عالم افتراضي هذا هو ابنك فلذة كبدك وقطعة منك ولكن أنت ميت وهو في الشارع بلا مؤى ولا سكن ولا أب ولا أم ولا ملابس ولا غطاء ولا طعام ولا دواء ولا تعليم، تخيلها ولو للحظة أن تنقلب الأحوال ويصبح (ضناك).\nطفل شوارع أو في ملجأ للأيتام..\nحدثني عن درجة احتمالك لهذه اللحظة أحدثك عمن تراهم كل يوم وأكثر من مرة في اليوم الواحد أطفال مقطعة ملابسهم بلا حذاء ومتسخين لدرجة أن نفسك تعف عن مصافحتهم من فرط قذارتهم.\nاعتدنا هذه المشاهد للأسف، وإذا اعتادتها العين غضت الطرف عنها كأنها عدم.. هؤلاء الأطفال في العراء الأرض بالنسبة لهم أحن من قلوب بعض البشر الذين لا يكترثون لحالهم، إحصائيات أعدادهم مخيفة، يتعرضون لأقسى أنواع العذاب فهم يبحثون في القمامة مع حيوانات الطرق عن فضلات موائدنا وبقايا ملابسنا وقصاصات أقمشتنا ليستروا عوراتهم من عري وجوع.\nتغتال طفولتهم البائسة في الأزقة ويمتهنون التسول والسرقة والاتجار في المخدرات لا ويتعاطونها. يُغتصبون وتؤخذ أعضاؤهم للإتجار ويُنجبون أطفال شوارع مثلهم مجهولي النسب ولا نعلم من آباؤهم.\nوئدت طفولتهم وشردوا وباعوا أحلامهم لا لذنب ارتكبوه أو خطأ بل دفعوا ثمن غياب الضمائر والخرس الإنساني.\nضع فوقهم أيتاما في ملاجئ يعانون أقصى أنواع العذاب والإرهاب ويستغلون في ابتزاز المجتمع تحت مسمى (اكفل يتيم) ولكن المسمى الحقيقي في بعض الملاجئ (اقهر يتيم).\nحدثني عن عمالة أطفال في ورش الحدادة والخراطة والسيارات وقل لي بعدها أين الطفولة؟\nماذا سينمو في قلوبهم هل هو الحب لهذه الأرض أم الحقد والضغينة والكراهية لمجتمع أغمض عن عذاباتهم وويلاتهم، ليتحولوا من نواة لهذا المجتمع إلى كارثة تعج بهم الإصلاحيات التي تعفنت من تفاقم إجرام من كانوا أطفال شوارع أو ملاجئ.. لو حقا يهمنا أمرهم لابد أن نتحرك لأجلهم.\nندفع العديد من الأموال في الشوارع وصناديق التبرعات لأجلهم ولم تحل مشاكلهم لأن التبرعات تذهب لغيرهم، أعجبت بفكرة المدن الجديدة التي تبنى للقضاء على العشوائيات في مصر، فكرة رائدة وفيها ما نص عليه الدين من تكافل مجتمعي، ولكن هؤلاء الأطفال لهم كل الحق أن نبني لهم مدينة خاصة بهم فقد ينتشلون فيها من الضياع. نسميها (مدينة طيبة).\nمدينة طيبة نضع فيها كل أطفالنا لحمايتهم، نوفر فيها الحياة الكريمة، فبدل من دور أيتام تصبح هي مدينة متكاملة فيها المدرسة والنادي الرياضي والمسرح والمكتبة وكل احتياجات الأطفال، نعلمهم كل أنواع الحرف من زراعة وصناعة ونبحث عن النوابغ فيهم لننمي مهاراتهم، نجعل من في قلوبهم رحمة يتكفلون بهم تحت إشراف صارم، ونجعل لهم صندوقا موحدا لجمع التبرعات بدلا من إهدار أموال التبرعات لغير مستحقيها.\nمدينة طيبة لكل طفل على أرض هذا الوطن يبحث عن الأمان والرعاية فلا يجوع ولا يمرض ولا يتألم ويصبح لبنة في بناء مصر القادمة.. أطفالنا أطفال الشوارع كارثة ولكن لها حل.

الخبر من المصدر