كيف نريد أن يعاملنا أطفالنا عندما نكبر؟

كيف نريد أن يعاملنا أطفالنا عندما نكبر؟

منذ 7 سنوات

كيف نريد أن يعاملنا أطفالنا عندما نكبر؟

يطلقون عليهم لقب "البركة". ربما تسمع تلك الكلمة عندما تصادف جلسة مع كبار السن فتجد مَن يقول "أنت بركتنا يا حاج"، ولكن واقع حياة كثيرين منهم لا يعكس أن هنالك احتراماً وتقديراً لهم.\nحال كبار السن في مجتمعاتنا العربية لا تنطبق عليه مطلقاً "مقولة الحياة تبدأ بعد الستين". فعندما يبلغ الشخص سن الستين وهي السن القانونية للتقاعد في معظم الدول العربية، رجلاً كان أو أنثى، يظن أن الحياة انتهت وأن ما بقي من العمر قليل ولا يتصور أن الحياة يمكن أن تبدأ من جديد.\nفي الأول من أكتوبر من كل عام يحتفل العالم "باليوم العالمي للمسنين" في خطوة لدمج المسن في المجتمع وتقديم الخدمات المختلفة التي تساعده على الرجوع إلى الحياة، ولكن ما هو حال المسن في بلداننا العربية؟ وسط غياب الدعم الحكومي والاكتفاء فقط بتقديم "المعاش" الذي يكاد لا يسمن ولا يغني من جوع، وهذا فقط ما يتوفّر لقلّة محظوظة، نستعرض خمس مبادرات تطوعية رائدة من خمس دول عربية تحاول المساهمة في تقديم الدعم النفسي والمادي للمسنين.\nيوجد في قطر عدد من المؤسسات الخاصة التي تهتم برعاية كبار السن وتقديم الخدمات لهم. ويعد مركز "إحسان لرعاية كبار السن" المؤسسة الأشهر في هذا المجال. أما على صعيد المبادرات التطوعية البحتة، فقد دشن عدد من الشباب القطريين مبادرة خاصة لرعاية المسنين في دولة قطر تحت اسم "ريحة هلي"، منتصف العام الجاري، ولاقت دعماً اجتماعياً وإعلامياً كبيراً. تعمل هذه المبادرة على خلق حلقة وصل بين كبار السن والشباب لتحسين معنويات كبار السن ليشعروا أنهم جزء من المجتمع وليسوا منعزلين عنه، كما تهدف المبادرة إلى إكساب الشباب الخبرة من كبار السن خاصة في ما يخص التراث القطري.\nوقال مسؤول العلاقات العامة في المبادرة زكريا السوادي لرصيف22: "حان الوقت لرد الجميل لكبار السن الذين ساعدوا في بناء دولة قطر"، مضيفاً أن المبادرة تسعى إلى إنشاء بيت تراثي خاص بكبار السن يتم فيه عرض أعمالهم اليدوية، ويكون ملتقى ثقافياً واجتماعياً لكل شباب الدوحة وليس لكبار السن فقط. وأشار إلى أن المسنين ما زالوا بحاجة للدعم المعنوي من الأهالي وليس المادي فحسب، لأن الدعم النفسي يحقق الراحة والسعادة لكبار السن ويشعرهم أن هناك مَن يحنو عليهم ويقدرهم مما يساهم في تعزيز تقديرهم لأنفسهم".\nبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، بلغ عدد المسنين في مصر ستة ملايين شخص، العام 2014، أي ما نسبته 6.9% من إجمالي السكان. وتوقّع أن ترتفع هذه النسبة إلى 11.5% في العام 2031. وقد بلغت مؤسسات رعاية المسنين 171 مؤسسة في العام 2014، مقابل 121 مؤسسة العام 2011 بنسبة زيادة تفوق الثلث.\nدور الرعاية تلك تتطلّب مبالغ طائلة وإن كان يقدم لها بعض الدعم الحكومي. لكن ماذا عن المسنين الذين ينتشرون في الشوارع ويتخذون الأرصفة والجسور بيوتاً لهم؟ هؤلاء هم هدف مبادرة "معانا" الرائدة التي ربما تكون الوحيدة في الشرق الأوسط والعاملة على إيواء كبار السن المشردين في الشوارع. المبادرة أطلقها محمود وحيد وهو مهندس شاب لفت نظره وجودمسن" يفترش الرصيف في أحد شوارع القاهرة، فقرر أن يساعده. فأخذه وطلب له الإسعاف لأنه كان مصاباً بجروح متقيحة. ولم يتوقّف عمل محمود عند هذا الحد، ففكر في الأمر قليلاً ليجد أن هناك عدداً كبيراً من "المسنين المشردين" في الشوارع، سقطوا من ذاكرة الدولة كما سقطوا من ذاكرة أبنائهم.\nوقال محمود لرصيف22: "في البداية قمت بإنشاء صفحة على فيسبوك للإبلاغ عن هؤلاء وكان هناك فريق من المتطوعين ينزل إلى الشارع ويقدم الدعم لهم، إلى أن تم جمع تبرعات من الأصدقاء والمعارف ونجحنا في إنشاء بيت لكبار السن المشردين، وعلاجهم. وحتى الآن، وعلى الرغم من وعد الدولة متمثلة في وزارة التضامن الاجتماعي بتقديم الدعم المادي لنا، فإن هذا لم يحدث، لكن بمساعدة أهل الخير تم إنشاء بيتين للإيواء". وأضاف مؤسس مبادرة "معانا لإنقاذ إنسان" أن "معظم هؤلاء مرضى نفسيون أو مرضى ألزهايمر وقد تظهر على بعضهم أمارات الغنى، حتى أن منهم مَن يتحدث أكثر من لغة، لكنهم لا يعرفون مَن هم ولا يتعرف عليهم أحد أيضاً ولا نعرف ما هي الظروف التي أودت بهم إلى الشارع".\nشارك غردخمس جمعيات عربية تعنى بالمسنين الذين لا يرعاهم أحد... فهل تكفي جهودها؟\nشارك غرديغيب اهتمام الدولة بالمسنين في معظم البلدان العربية وبالنسبة لكثيرين لم يعد المسنّ "بركة البيت"\nاحتل الأردن وفقاً لتقرير دولي المركز العاشر عالمياً كأسوأ الدول في رعاية المسنين سواء من حيث الرعاية الطبية أو النظام التقاعدي أو توفير بيئة مناسبة للعيش. وأكد المركز الوطني الأردني لحقوق الإنسان عدم توافر بيانات كافية تسمح بإحصاء أعداد المسنين وحالتهم الاجتماعية كما تغيب الرعاية الصحية المخصصة لهم، إضافة إلى الاستغلال المادي الذي يتعرضون له من جانب أبنائهم وأقاربهم.\nوأشار المركز إلى تعرض كبار السن في دور المسنين للعنف النفسي والجسدي وغياب التواصل بينهم وبين ذويهم، وكذلك نقص الخدمات التي تقدم لهم داخل تلك الدور ناهيك بالإهمال الشديد الذي يتعرضون له داخلها.\nويعاني الأردن من غياب المبادرات الأهلية أو الحكومية المهتمة بتلك الفئة. وقال محمد الأعرج مؤسس مبادرة "بسمة أمل" وهي إحدى المبادرات المتخصصة في رعاية المحتاجين من كبار السن والمعوقين لرصيف22 إن "غياب الدعم المالي والحكومي هو من المشاكل الكبيرة التي تواجهنا، ونحن نعتمد على مصادر ذاتية صرفة في مساعدتنا لهؤلاء، لكن نظراً لقلة الدعم "نجمع من مالنا الخاص لمساعدتهم"، لافتاً إلى أن "ما نستطيع تقديمه لهم قليل جداً مقارنة بما يحتاجونه فعلياً".\nوناشد الأعرج من خلال رصيف22 الجهات الحكومية محاولة مساندة كبار السن وتقديم معاش تقاعدي يستطيع أن يلبي احتياجاتهم، وتقديم الدعم الصحي والمعنوي لهم، وهذا هو الأهم برأيه.\nربما لا توجد أزمات كبيرة لكبار السن في دولة الإمارات لأن الدولة توليهم رعاية خاصة، لكن هذا لم يمنع من وجود مبادرات تطوعية لمساعدتهم وتلبية احتياجاتهم وتقديم الدعم النفسي لهم، مثل مبادرة "طيب خاطرهم" وهي المبادرة التي أطلقها السفير أحمد المسقطي سفير الأمم المتحدة في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.\nالمبادرة تم تدشينها مطلع هذا العام وقدمت مساعدات للمسنين في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية وسيتم تفعيلها قريباً في عدد كبير من الدول العربية.\nوتهدف المبادرة حسبما قال مؤسسها لا إلى المحلية فحسب وإنما "هي ذات فكر عروبي في الأساس صنعت من أجل كبار السن وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم ثم انطلقت لمساعدة الأسر المتعففة"، مضيفاً أنه تم تفعيل المبادرة في الكويت، وجدة، والرياض أيضاً وتقوم على الدعم الذاتي.\nوقال المسقطي لجريدة البيان "مع تواصل النمو السكاني في العالم، وارتفاع متوسط الأعمار، بات لزاماً على المجتمعات إدراك واجب الرعاية اللازمة للعناية بكبار السن. ويجب أن ندرك تماماً الاحتياجات اللازمة لضمان عدم إهمال كبار السن أو التخلي عنهم وهم بحاجة للرعاية الاجتماعية".\nتزايدت أعداد المرضى النفسيين وسط كبار السن في السودان، وهناك إهمال شديد من الدولة لمساعدتهم. وقد أدت الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية إلى موجات من النزوح وفقدان المأوى وسبل كسب العيش، وقد تأثر المسنون بشكل مباشر بهذه التغيرات، مما أدي إلى تشردهم بعد نزوحهم من قراهم ومناطقهم الإنتاجية إلى المدن الكبرى، كذلك أدى كل ذلك إلى فقدانهم لوسائل معيشتهم ولمكانتهم ولوضعهم الاجتماعي وسط غياب كامل من الدولة.\nالجمعية السودانية لرعاية المسنين "جسر" هي جمعية تطوعية خيرية غير ربحية أنشئت العام 1994، وتعتبر أول جمعية تهتم برعاية مصالح كبار السن وتعمل معهم لتوفير احتياجاتهم والدفاع عن حقوقهم وتمكينهم من تحقيق ذاتهم وتقوم على التطوع البحت من الأعضاء.\nوقال محمد الفاتح العالم المدير التنفيذي للمبادرة لرصيف22: "بدأنا في العام 1994 كمبادرة تخصصت في تقديم العون لكبار السن والخدمات العلاجية لهم خاصة لدى حدوث الكوارث الطبيعية مع عدم وجود أي اهتمام حكومي بتلك الفئة، وانضممنا إلى منظمة العون الإنساني ونعمل تحت رايتها. ومع تفاقم المشكلة تحولنا إلى جمعية تهدف لحماية هؤلاء، خاصة المشردين منهم، ونحاول تقديم الدعم المالي والمعنوي والغذائي لكبار السن، إلى جانب بعض الأنشطة الترفيهية".\nوعن رؤيته لكيفية مساعدة كبار السن يقول الفاتح: "تنتج أغلب مشاكل رعاية المسنين في العالم العربي كنتيجة لتفكك نمط الأسرة الممتدة، ومن الصعب إعادة إنتاج الأسرة الممتدة كراعٍ للمسنين، ولكن يمكن إعادة صياغة التفكير وطرق تربية الأجيال الشابة على واقع نظرة الأسر الممتدة للدور المقدر للمسنين، وذلك عبر وضع رعاية المسنين كسياسات ذات أولوية في سياسات الدولة وتوفير الدعم المالي والقانوني وتكثيف العمل الدعائي والإعلامي، وإدخال رعاية المسنين في المناهج المدرسية والتربوية، وتوسيع دائرة المنظمات والجمعيات العاملة على رعاية المسنين وبذلك يمكن حل المشكلة على المدى البعيد"".

الخبر من المصدر