تدريب محترفي الرعاية الصحية بالشرق الأوسط في المستقبل

تدريب محترفي الرعاية الصحية بالشرق الأوسط في المستقبل

منذ 7 سنوات

تدريب محترفي الرعاية الصحية بالشرق الأوسط في المستقبل

وتخطئ دول مجلس التعاون الخليجي الغنية إذا افترضت أنها مستثناة من مشاكل الصحة العامة في الدول المجاورة لها، ففي حين أدخلت دول مجلس التعاون الخليجي تحسينات كبرى على مجال الصحة الشخصية وصحة الأم والطفل، فإنها تعد المركز العالمي للأمراض المزمنة غير المعدية مثل السمنة وأمراض القلب، وعلى نحو متزايد السرطان، والناجمة عن نمط الحياة والنظام الغذائي.\nوما يزيد الطين بلة أن أجهزة الصحة الوطنية في دول مجلس التعاون الخليجي تعاني نقص الأطباء السريريين والمهنيين المدربين العاملين في خدمات الصحة العامة المحلية، ويفضي هذا إلى ارتفاع إجمالي حركة العاملين نظرا للعمل الإضافي الشاق، والاحتياج المتزايد إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية من الأجانب لشغل الوظائف التي تشتد الحاجة إليها.\nكان صناع السياسات في مجلس التعاون الخليجي محقين في التركيز على زيادة القدرة على الوصول إلى إعانات الدعم للرعاية الصحية المتميزة، ولكن التوزيع العادل لخدمات الرعاية الصحية على السكان من المواطنين والمهاجرين يشكل غالبا قضية سياسية شائكة، والآن يتعين على صناع السياسات أيضا تكريس مزيد من الاهتمام لقوة العمل في مجال الرعاية الصحية ذاتها، لضمان تعليمهم وتدريبهم على النحو اللائق للتصدي للتحديات التي تنتظر المنطقة.\nالواقع أن برامج التدريب في أنظمة الرعاية الصحية الوطنية في دول مجلس التعاون الخليجي لا تركز بالقدر الكافي على الإبداع أو الأنظمة عندما تفكر في تحسين الكفاءة والفعالية، وإذا لم يحصل الأطباء السريريون والعاملون في مجال الرعاية الصحية على التدريب المتعدد التخصصات، فإنهم بهذا يصبحون غير مجهزين للتعرف على احتياجات الصحة العامة المحلية في المنطقة وتلبيتها.\nوعلى وجه التحديد، يتطلب تحسين عملية تقديم الخدمات والرعاية أن تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على وضع إطار سياسي جديد يغطي قطاعي التعليم والصحة العامة.\nلقد توسع التعليم العالي بسرعة في الشرق الأوسط على مدار العقد الماضي، فقد أنشأت الحكومات "مناطق للتجارة الحرة التعليمية" -مثل "قرى المعرفة" في الإمارات العربية المتحدة، و"مدن التعليم" في قطر- واستثمرت مليارات الدولارات في جامعات جديدة والجامعات القائمة، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، ونتيجة لهذا، اجتذبت الجامعات والمؤسسات البحثية والبرامج التعليمية الجديدة الباحثين وغيرهم من المهنيين إلى المنطقة.\nمع هذا، يسعى عدد ضئيل للغاية من الطلاب المحليين وعدد ضئيل للغاية من الشباب إلى الاشتغال بمهنة الصحة العامة. وفي حين يتزايد العدد الإجمالي للطلاب الذين يدرسون الصحة العامة، فإن أغلبهم يأتون من خارج المنطقة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم فرط الاعتماد على العمال الأجانب في دول مجلس التعاون الخليجي حاليا.\nلقد أولت كثير من الجامعات في المنطقة اهتماما خاصا للإبداع، وهو ما يبشر بالخير عندما يتعلق الأمر بتحسين خدمات الرعاية الصحية. ولكن برغم أن الصحة العامة تشكل تحديا إقليميا رئيسيا، كانت الجامعات حتى الآن تركز بشكل أكبر على مواضيع في المجالات الهندسية والتكنولوجية.\nفي إطار تعليم الرعاية الصحية ذاته، وفقا لتحليلاتي الخاصة للمؤسسات المحلية، يتعلم الطلاب علاج حالات طبية فردية، ولكنهم لا يتعلمون ما يكفي عن القضايا الكبرى الصحة العامة، ولا تعرض المناهج الحالية الطلاب للقضايا التي تؤثر على اللاجئين أو المهاجرين أو السكان في عموم الأمر.\nورغم أن مؤسسات مثل وايل كورنيل-قطر وجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا في الكويت أطلقت برامج البحث والتدريب الإبداعية التي تركز على هذه الأنماط من التحديات الصحية، فإن الحاجة تظل قائمة إلى أكثر من هذا.\nوتتمثل مشكلة أخرى في حقيقة مفادها أن برامج التعليم والتدريب في المنطقة لا تشجع التفكير المنهجي بالقدر الكافي، وفي مختلف أنحاء العالم، تتحرك سياسة الصحة العامة نحو مزيد من التكامل المتعدد التخصصات بين الهندسة والطب والعلوم الاجتماعية والإدارية والدراسات الإنسانية. ومن خلال عدم تبني نهج متكامل حتى الآن، تخاطر مؤسسات مجلس التعاون الخليجي بالتخلف عن المعيار العالمي.\nلا شك أن التكنولوجيا والأساليب الجديدة في التعامل مع الصحة العامة مهمة، ولكنها لن تكون فعالة إذا لم تصمم لتلبية الاحتياجات الحقيقية للسكان لمحليين. ولهذا السبب ينبغي لدول مجلس التعاون الخليجي أن تعمل على تشجيع الاستثمار في التطوير التكنولوجي على المستوى المحلي، وخلق الحيز اللازم لتسهيل عمل المهندسين مع العاملين في مهنة الصحة العامة.\nفمثل هذه الشراكات ضرورية للتصدي للأمراض المعدية والمزمنة التي تهدد المجتمعات في مختلف أنحاء المنطقة، وهي تنطوي على فائدة إضافية تتمثل في توفير فرص ريادة الأعمال للشباب في المنطقة.\nتحتاج دول الشرق الأوسط إلى أطر متكاملة تعتمد على الإبداع لتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية، حتى يتسنى لها مواجهة تحديات الصحة العامة الحالية والاستعداد للتعامل مع تحديات جديدة غير متوقعة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس" وإيبولا، وغير ذلك من الأمراض المعدية التي قد تظهر دون سابق إنذار.\nسوف يستمر النمو السكاني في الشرق الأوسط، ولكن نمو الأهمية العالمية للمنطقة أيضا كمركز للتجارة والتنمية الاقتصادية سوف يعتمد جزئيا على قدرة حكوماتها على إصلاح برامج تعليم وممارسة الصحة العامة.\n* أستاذ هندسة الطب الحيوي في جامعة بوسطن.

الخبر من المصدر