الجونة.. المكاني المثالي لـ«الكابلز» وتأملات ما بعد الخمسين

الجونة.. المكاني المثالي لـ«الكابلز» وتأملات ما بعد الخمسين

منذ 7 سنوات

الجونة.. المكاني المثالي لـ«الكابلز» وتأملات ما بعد الخمسين

- من النسخة الورقية لجريدة اليوم الجديد الأسبوعية\nالمكان المثالى لقضاء إجازة الصيف  لـ«الكابلز» والاستمتاع بشهر العسل.. ولتأملات ما بعد الخمسين\nمعظم سكان المنتجع من الأجانب وأسعار العقارات بالدولار.. والشاليه المتوسط بـ2.5 مليون جنيه\nسكان الجونة من الإنجليز والروس يتحايلون على قرار حظر السفر إلى مصر بالذهاب ترانزيت إلى تركيا\n«الفسبا والتوك توك» المواصلات الرئيسية.. والبارات تنافس محلات الفول والطعمية\n الطريق إلى الجونة الذى يصل إلى نحو 450 كيلو مترا من القاهرة، يغريك بأن هناك سحرًا ينتظرك فى نهاية المشوار. نصف الرحلة تقريبا يقطعها المرء بسيارته، وإلى يساره مباشرة البحر الأحمر بألوان تمزج بين الأزرق الصافى والأزرق الشفاف. وعلى اليمين تحفُّك الجبال الشاهقة الأخّاذة أو المنتجعات السياحية المتناثرة فى أحضان العين السخنة، حتى تختفى عن الأعين، لتستولى الصحراء الغامضة على العيون مرورا بالزعفرانة ورأس غارب قبل أن تظهر بشائر الجونة، قبيل الغردقة، المدينة الأم، بنحو ثلاثين كيلو مترا فقط.\nثمة خصوصية يستشعرها الزائر فور أن يتخطى الحواجز الأمنية المدققة على بوابات المدينة الشاطئية التى خلقت على ساحل البحر الأحمر وضربت فى الصخور حياة.\nالطراز المعمارى النوبى الذى يميز غالبية البيوت والمنازل الخاصة، والشوارع المنسقة على الطراز الأوروبى، وبعض ملامح الحياة الريفية التى تقابلك على الأطراف، تعطيك إحساسا بأنك تزور مدينة عجيبة تمزج بين كل أنماط المعيشة الثلاثة هذه. يعزز هذا الشعور أسماء الأحياء التى تظهر على اللوحات الإرشادية فى الطرق الداخلية «كفر الجونة»، «مارينا أبو تيج»، لتتأكد حينها أن الموضوع مقصود وليس صدفة بأى حال من الأحوال.\nفى هذا التوقيت الذى زرت فيه الجونة، منتصف شهر أغسطس الماضى، كان الموسم السياحى فى ذروته نظريا، لكن الجونة مثل باقى المنتجعات السياحية المصرية، تلقت بدورها ضربات قوية تتعلق بتراجع السياح الأجانب، ومع هذا فإن الجونة ربما تكون الأقل تأثرا، ذلك لأن أغلب الأجانب فى الجونة لا يحملون لقب سائح، وإنما لقب مواطن الجونة. إذ إن معظمهم يمتلكون شاليهات وعقارات ويخوتا ومطاعم ومحلات، وتحولت الجونة بالنسبة لهم من مكان للفسحة إلى وطن يعيشون فيه طوال السنة، ولذلك كان طبيعيا جدا أن تكون أسعار العقارات فى الجونة بالدولار واليورو وليس بالجنيه المصرى. وتبدو الأسعار فى الجونة «أوروبية» بشدة، إذ إن الشاليه الذى تصل مساحته إلى 94 مترا على سبيل المثال فى منطقة مارينا أبو تيج، الراقية، يصل سعره إلى 208 آلاف دولار أى نحو 2.5 مليون جنيه مصرى «بحسابات السوق السوداء طبعا». وهو ما يعنى أن المتر العقارى بالجونة يصل تقريبا إلى 27 ألف جنيه.\nهكذا فإن نحو 80% تقريبا يمكن أن تقابلهم فى الجونة هم من الأجانب، معظمهم من الإنجليز والروس. ورغم أن هذين البلدين تحديدا يفرضان حظرا على السفر السياحى إلى مصر منذ حادثة الطائرة الروسية  قبل 10 أشهر، فإن سكان الجونة الأصليين من الروس والإنجليز، يلتفون على قرارات بلادهم، بالسفر ترانزيت إلى تركيا، ومنها مباشرة إلى الجونة عبر مطارها الخاص أو عبر مطار الغردقة المجاور، كما يقول وليد شرموخ، صاحب أحد البازارات بكفر الجونة.\nوليد لا يخفى تأثر الجونة بتراجع السياحة إجمالا فى مصر، لكنه يستدرك بأن الحال تحسن نسبيا فى الآونة الأخيرة، موضحا أنه وباقى زملائه من أصحاب البازارات فى كفر الجونة -التى تعد بمثابة السوق القديمة للمنتجع- عادوا لدفع الإيجارات من جديد إلى الشركة المالكة «أوراسكوم للتنمية السياحية» قبل شهرين فقط، بعدما أعفاهم «مستر سميح ساويرس» -كما يتردد اسمه فى الجونة طوال الوقت- من دفع إيجاراتهم لنحو ستة أشهر كاملة عقب حادثة الطائرة الروسية، عندما كانت الجونة مدينة شبه مهجورة حينها.\nفى كل الأحوال، رغم أن هدوءًا يلف الجونة صباحا ومساء، فإن هذا الهدوء يبدو مخادعا بدرجة كبيرة، ولا يعكس درجة الصخب والجنون الذى يدب فى شوارع وشاليهات وشواطئ الجونة.\nتستيقط الجونة مبكرا. ويذهب سكانها «القادمون للاستجمام» إلى الشواطئ التى تحتضن، حرفيا، البحر، إذ إن الجونة تشتق اسمها من لفظة «اللاجون»، ويقصد بها الشواطئ والممرات المائية الاصطناعية التى تم حفرها وتسويتها بما يسمح لمياه البحر بالتسلل إليها قادما من منبعها الأصلى، هكذا تطل كل شواطئ الجونة على البحر الأحمر، لكن ليس جميعها يطل مباشرة على البحر الأحمر الأم، إذا جاز التعبير. ولهذا فإن أغلب شواطئ الجونة هادئة وناعمة وبلا موج أساسا، مما يجعل رحلة التجول بالمركب أو باليخت شديدة الإمتاع. لكن هذا لا يمنع محبى ركوب الأمواج، من الذهاب إلى شاطئ الزيتونة لممارسة هوايتهم البحرية المفضلة.\nفى المساء، يدب النشاط فى المحلات والمطاعم والبارات الغافية فى النهار، وتتألق بألوان زاهية وموسيقى راقصة أو هادئة، لتتحول المدينة فى الليل إلى منتجع أوروبى بامتياز. يستبدل الجميع بملابس البحر ملابس السهرة. ويبدؤون فى التوزع سيرًا على الأقدام أو عبر سياراتهم الخاصة، أو باستخدام «الفسبا» المنتشرة بكثرة، أو عبر اللجوء إلى «التوك توك أوبر»، الذى ينقل الفرد إلى أى مكان مقابل عشرة جنيهات.\nواجهات الليل فى الجونة معروفة. كفر الجونة ووسط المدينة الجديد، لمن يريد التسوق فى البارازات، أو تناول العشاء فى أجواء بعيدة عن الشاطئ، أو احتساء الشراب فى البارات، أو بالذهاب إلى مارينا أبو تيج، حيث تسكن اليخوت الضخمة بعد رحلات الصباح فى عمق البحر الأحمر، إلى جوار رزمة من المطاعم والكافيهات والبارات التى تقدم كوكتيلا من وجبات العالم كله.\nلا تنزعج كثيرا من تكرار كلمة البارات فى كل ما سبق. البارات فى الجونة أكثر من محلات الفول والطعمية فى أحياء القاهرة. وهذا أمر يبدو منسجما مع طبيعة سكان الجونة الذين يمثل لهم الشراب طقسا تلقائيا يقومون بها على مدار اليوم. وبحسب دليل مجلة الجونة التى تصدر شهريا باللغتين الإنجليزية والألمانية وتوزع مجانا فإن هناك 18 بارًا ومكان سهر ليلى بالجونة، وحتى عام 2009، كان هناك كازينو واحد للقمار، قبل أن يتم إغلاقه بسبب الأزمة الاقتصادية فى هذا الوقت.\nولهذا تبدو الجونة مثالية للعشاق والمتزوجين حديثا، إذ إنهم سيقضون أوقاتا يتمتعون فيها بالحرية والخصوصية فى آن واحد، بالإضافة إلى أنهم يمتلكون متعة تجربة مغامرة كل يوم، بدءًا من زيارة جزيرة الجفتون الساحرة التى تبعد عن الجونة مسيرة نصف ساعة بحرية، وهى واحد من أهم المحميات فى مصر، وتضم تقريبا نصف عدد طائر النورس الموجود فى العالم، مرورا برحلات الغطس واكتشاف الشعب المرجانية، ورحلات اليخوت الخاصة والجماعية، والتجول فى أسواق هادئة ومنظمة، بل وخوض رحلة «الفصال» التقليدية مع أصحاب البازارات الذين يتعاملون أحيانا مع المصريين بوصفهم سياحا. ومع هذا تبقى أسعار الإقامة فى الجونة معقولة للمصريين، ويمكن بأقل من ثلاثة آلاف جنيه قضاء أربعة أيام لزوجين فى فندق ثلاثة نجوم شاملة الإفطار والعشاء.\nهى أسعار أغلى بالطبع من الإقامة فى شرم الشيخ مثلا، لكنك هناك فى الجونة تظفر بخصوصية استثنائية تستحق. على أن الجونة على طابعها السياحى اللافت، هى فى ذات الوقت مدينة سكنية بامتياز. فهى رغم أنها تخلو من أى وجود للشرطة الرسمية مكتفية بأمن إدارى، فإنها آمنة بشكل واضح، ولم يسجل فيها منذ سنوات بعيدة أى واقعة سرقة أو تحرش أو قتل، وهى على اتساعها والتباعد بين أحيائها النسبى، وإضاءة شوارعها الليلية الخافتة، لأسباب بيئية واقتصادية واضحة، فإن الأطفال والمراهقين يتجولون فيها بأمان لافت. كما أنها تتخذ شكل المدينة المتنوعة فى كونها تضم أربع مدارس متنوعة المستوى من بينها واحدة ألمانية وأخرى دولية وثالثة لغات خاصة، ورابعة تجريبية حكومية.  وفى كل سوبر ماركت تباع كل السلع التقليدية بأسعارها الطبيعية. ولكل ما سبق فإن الجونة ليست جنة العشاق فحسب، وإنما حلم المتقاعدين، الذين يريدون أن يقضوا سنواتهم الباقية فى هدوء وراحة وتأمل لجمال الطبيعة، وسرحان فى ملكوت الله،  وفى أحوال البشر وتبدلاتهم، واسترجاع مغامرات الشباب حينما كانوا عشاقا.

الخبر من المصدر