التعاون الروسي الإيراني على المحك السوري

التعاون الروسي الإيراني على المحك السوري

منذ 7 سنوات

التعاون الروسي الإيراني على المحك السوري

أواخر شهر أغسطس، اتخذت إيران خطوة مفاجئة، عندما سمحت لسلاح الجو الروسي باستخدام القاعدة الجوية "الشهيد نوزه" وسط ايران، لقصف الأراضي السورية التي تدعي موسكو وطهران أنها تحت سيطرة الإرهابيين. \nلم يكن هذا القرار بسيطا، فهو يتعارض مع المبدأ الأساسي للسياسة الخارجية الثورية الإيرانية، حيث تحافظ إيران على سيادتها منذ ١٩٧٩ من خلال مبدأ "لا شرق ولا غرب"، الشعار الشائع المحفور على البلاط الملون في مدخل مبنى وزارة الخارجية بطهران. ووفقا لذلك، لم تسمح إيران لمدة 37 عاما، بوصول قوة خارجية لقواعدها العسكرية. فلماذا الآن؟\nويوضح محسن ميلاني في مقال نشرته مجلة" فورين أفيرز" أن القرار يرمز إلى تعميق العلاقات السياسية والعسكرية بين ايران وروسيا، ويعتبر التعاون بين البلدين في سوريا هو في الحقيقة التدخل العسكري الإيراني الأكثر أهمية مع أي بلد أجنبي منذ عام 1979، ويمكن أن يؤدي إلى تعقيد التقارب الايراني مع الغرب.\nويؤكد أن هذا لا يعني عدم وجود توترات في العلاقات الروسية الإيرانية؛ فهناك قدر كبير من انعدام الثقة على الجانبين، وعلى سبيل المثال، بعد إعلان روسيا سماح بدخولها الشهيد نوزه، ندد عدد قليل من نواب مجلس الشوري الاسلامي الايراني بالقرار باعتباره انتهاك للدستور الذي يحظر إنشاء قواعد عسكرية أجنبية داخل إيران.\nوسرعان ما حاول العديد من مسئولي النظام السيطرة على الوضع، وأكدوا أن القرار كان دستوريا لأن روسيا تستخدم القاعدة، مؤقتا بغرض التزود بالوقود فقط، والقاعدة مازالت في أيدي الإيرانيين، وأصروا على أن المجلس الاعلى للأمن القومي، أعلى سلطة في البلاد للشئون الخارجية، صدق على القرار،\nوأعلن وزير دفاع إيران، حسين دهقان، الذي كان سافر إلى موسكو خمس مرات في العامين ونصف العام الماضية، أن إيران لا تنوي السماح باستخدام الروس مزيدا من القواعد، لكنه أضاف أنه "إذا طلبت روسيا، سوف تنظر إيران في الطلب."\nويوجد حاليا تعاون استراتيجي بين البلدين، ويشير الخطاب الرسمي إلى أن ذلك يهدف إلى إنقاذ سوريا من الإرهابيين الذين يهددون أيضا أراضي كل من الدولتين. ولكن الحقيقة أكثر تعقيدا بكثير.\nيحمل الإيرانيون مشاعر انعدام الثقة عميقة الجذور تجاه روسيا، التي انتزعت بالقوة في القرون الأخيرة أراض إيرانية أكثر مما فعلت أي دولة أخرى، وبعد الحرب العالمية الثانية، رفض الجيش الأحمر ـ على عكس القوات البريطانية والأمريكية ـ مغادرة إيران، وأنشأ جمهوريتين لم يدم عمرهما طويلا في أذربيجان وكردستان.\nولولا الضغط الدبلوماسي الأمريكي بين 1846 و 1847 لما غادر الجيش الروسي المحتل الأراضي الإيرانية، واستمر عدم الثقة تجاه روسيا حتى بعد ثورة 1979 عندما أنهت إيران تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهو ما أثار ارتياح روسيا، وفي ثمانينات القرن الماضي، وجهت إيران انتقادات لاذعة للاتحاد السوفييتي بسبب غزو أفغانستان ودعم العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية.\nومع ذلك، وتبنت إيران موسكو كقوة معارضة للولايات المتحدة، التي اعتبرتها طهران خطرا أكبر، وفي يناير 1989، كتب آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، رسالة مفتوحة إلى ميخائيل جورباتشوف أعلن فيها أن إيران سوف تكون جارا طيبا للاتحاد السوفياتي، وحذر من أن الشيوعية سوف تنهار. وبعد بضعة أشهر، وقعت الدولتان عددا من الاتفاقيات لزيادة التعاون التجاري والثقافي، والفني. ولم يكد يجف حبر تلك الاتفاقات حتى انهار الاتحاد السوفياتي، ولكن العلاقات الثنائية استمرت طيبة.\nوبعد 1991، وضع الغرب استراتيجيات مختلفة، بما في ذلك توسيع حلف شمال الأطلسي، لاحتواء روسيا. وفي الوقت نفسه، لم يتوقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن محاولة إعادة روسيا إلى مصاف قوة عالمية.\nوكانت إعادة روسيا إلى الشرق الأوسط، خطوة ضرورية، ولكن خيارات موسكو محدودة: فسوريا بلد صديق، ولكن الرئيس السوري بشار الأسد محاصر في حرب أهلية مدمرة، وغيرها من دول المنطقة، إما تعاني من المتاعب الداخلية (مصر، العراق، ليبيا، واليمن)، أو وثيقة الصلة بواشنطن (إسرائيل والمملكة العربية السعودية).\nغير أن إيران تختلف عن الفريقين. وعلى غرار بطرس الأكبر الذي كان يحلم باستخدام أراضيها للوصول إلى المياه الدافئة في الخليج الفارسي وخارجه، يعتبرها خلفاؤه الآن جسرا آمنا للعودة إلى الشرق الأوسط.\nوتدرك طهران، بطبيعة الحال، نوايا موسكو، ولكن لديها أسبابها الخاصة للتحالف معها. فمازالت طهران مناهضة للولايات المتحدة وترغب، مثلها مثل موسكو، في عالم متعدد الأقطاب لا يكون لواشنطن الكلمة العليا فيه. ويمكن أن توفر موسكو أيضا الأسلحة التقليدية لإيران، كما انها غير مهتمة بتغيير النظام ولا تضغط من أجل حقوق الإنسان.\nومع ذلك، مازالت إيران تتشكك في روسيا، فعلى الرغم من أن موسكو تشاطر طهران بعض الأهداف المشتركة، غالبا ما تستخدم إيران كورقة مساومة في تعاملها مع الولايات المتحدة. ومازالت ذكريات الصفقة السرية التي وقعها نائب الرئيس الاميركي آل جور مع رئيس الوزراء الروسي فيكتور تشيرنوميردين في عام 1995 ، ماثلة للأذهان: حيث نصت الاتفاقية على وضع حد لبيع روسيا الأسلحة التقليدية إلى إيران بحلول 1999 .\nفي مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم فرض عقوبات على روسيا بموجب القانون الأمريكي الذي يفرض عقوبات ضد من يبيعون الأسلحة إلى إيران. وعلى الرغم من استمرار المبيعات الروسية، زادت سرية الصفقة من شكوك طهران حول امكانية الاعتماد على روسيا.\nكما لا يمكن ان تنسى طهران عدم استخدام روسيا حق الفيتو عندما فرضت الأمم المتحدة، بداية من ٢٠٠٦، عقوبات قاسية على إيران بسبب برنامجها النووي. وفي الآونة الأخيرة، شكت إيران من عدم إرسال روسيا بعض أنظمة الصواريخ أرض جو التي تعهدت بها، إثر ضغوط من واشنطن وإسرائيل ضد شحن الأسلحة.\nوفي وقت لاحق، رفعت إيران دعوى قضائية ضد روسيا في محكمة جنيف للتحكيم. وفي العام الحالي، وافقت روسيا أخيرا على تنفيذ التعهد، بشرط التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، الذي قلص إلى حد كبير إمكانية أي ضربة عسكرية ضد إيران.\nومن جانبها، تدرك روسيا، أن إيران لو خيرت بينها وبين الغرب، سوف تختار الغرب بالتأكيد بسبب عدم الثقة التاريخية ومعرفة أن روسيا لا يمكن أن توفر أيا من التكنولوجيا المتقدمة ولا رأس المال الاستثماري اللذين تحتاجهما إيران بشدة من أجل برامج التحديث. وبالتالي فقد سعت روسيا للحفاظ على التوتر بين واشنطن وطهران بما يكفي لمنع تطبيع العلاقات، ولكن ليس للدرجة التي تؤدي إلى حرب أو مواجهة خطيرة.\nويرى الكاتب أن العلاقات بين البلدين تعقدت اكثر بفعل احتدام الصراع الدائر في إيران بشأن اتجاه سياستها الخارجية فيما بعد الاتفاق النووي: بين العناصر المعتدلة التي تسعى للتقارب مع الغرب، مع إقامة علاقات ودية ولكن ليست واسعة النطاق مع موسكو، ومن ناحية أخرى، المتشددين الذين يعارضون التقارب مع الغرب ويرحبون بالعلاقات الوثيقة المتنامية مع موسكو.\nورغم هذه التوترات الكامنة، يرجح ميلاني استمرار التحالف السياسي بين إيران وروسيا لعدة سنوات قادمة. فبعد فترة وجيزة من الاتفاق النووي التاريخي بين ايران والقوى الست العالمية، اجتمع بوتين مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في طهران، وقدم له نسخة نادرة وقديمة من القرآن الكريم. وتعهد البلدين بتعميق العلاقات الاقتصادية والعسكرية، بعد توقيع الاتفاق النووي، بينما يتم رفع العقوبات المشددة تدريجيا.\nوبلغت كل هذه الاتجاهات ذروتها في سوريا.\nيرى الكاتب أن النظام السياسي الذي أنشأه البريطانيون والفرنسيون في منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، بسبيله للانهيار. وتعتبر إيران المعركة على مستقبل سوريا عاملا حاسما في تشكيل النظام الجديد. واقتناعا منها بأن واشنطن لن تدعم أولوياتها الإقليمية، رأت أن التعاون مع روسيا وسيلة فعالة لتعزيز نفوذها في المنطقة.\nويتمثل الهدف الاستراتيجي الإيراني في سوريا في حماية الأسد، وفي حال ارتفاع تكلفة ذلك، يصبح الهدف حماية النظام؛ بمعنى الأجهزة السياسية العسكرية والاستخباراتية التي أنشأتها عائلة الأسد في سوريا.\nوتعتبر دمشق قناة آمنة بالنسبة لإيران من أجل توصيل الأسلحة والأموال إلى حزب الله في لبنان، أهم رصيد استراتيجي لإيران؛ حيث يتيح الوجود الإيراني في سوريا ولبنان عمقا استراتيجيا لطهران ضد اسرائيل، اذا ما هاجمتها. كما يعتبر منصة انطلاق لتوسيع النفوذ الإيراني في جميع بلدان الشرق الأوسط العربية.\nوتعتبر المعركة على سورية جزءا أساسيا من التنافس الإقليمي مع المملكة العربية السعودية، التي تدعم معارضي الأسد، وتمثل العراق، ولبنان، وسوريا، وإلى حد أقل بكثير، اليمن، ميادين لهذا التنافس. وتعتقد طهران أن سقوط الأسد، من شأنه أن يضعف حزب الله في لبنان والحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في العراق، مما يفقدها الكثير من نفوذها في الشرق الأوسط. وبذلك تصبح المملكة العربية السعودية، بدعم من الولايات المتحدة، قوة إقليمية مهيمنة.\nوهكذا فقد أنفقت إيران الكثير من المال، والدم، والمكانة، لإنقاذ الأسد. وقد ساعدت إيران الحكومة السورية في تنظيم الميليشيات المسلحة، وإرسال المستشارين العسكريين إلى ساحات القتال، وتمويل حشد الآلاف من الشيعة العراقيين والأفغان للقتال في سوريا. وقتل ما لا يقل عن بضع مئات من الإيرانيين في الحرب الأهلية.\nوحاليا، تتفق أجندة روسيا الاستراتيجية مع إيران، حيث تشتركان في هدف دعم الأسد وهزيمة معارضيه. وتصر كلا البلدين على مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق واعتبار تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة، والتي سميت مؤخرا جبهة فتح بلاد الشام ، جماعات إرهابية. وتعتبر الاثنتان معظم معارضي الأسد إرهابيين، بما في ذلك الجماعات المدعومة أمريكيا.\nولا تكاد روسيا تلقي بالا لما يسمى محور المقاومة الإيراني الذي يمتد من إيران إلى العراق، لبنان، وسوريا، ويتألف من القوى الشيعية أساسا. فنظرا لطموح روسيا أن تصبح قوة عظمى في الشرق الأوسط، لا يمكنها التفريط في الدول السنية. كما لا تهدف إلى استعداء اسرائيل.\nوفي الواقع، تعتبر العلاقات بين إسرائيل وروسيا ودية للغاية. ولن تشارك القوات الروسية في سوريا في أي مناورات هجومية ضد إسرائيل وربما، تمنع حزب الله وإيران من القيام بذلك.\nكما أن احتمال توصل روسيا إلى حل وسط مع الولايات المتحدة حول الأسد ومستقبل سوريا، أكبر من احتمال اقدام ايران على ذلك. فعلى سبيل المثال، تبدو روسيا يبدو أكثر استعدادا من إيران لقبول بديل للأسد، تقبله المملكة العربية السعودية، ويراعي الاحتياجات الأمنية لإسرائيل. لكن إيران تبدو مستعدة للمخاطرة مع روسيا: وقد تحسن بالفعل موقف الأسد، منذ هذا التدخل.\nومن ناحية أخرى، قلص التدخل العسكري الروسي من دور إيران في سوريا، إلى حد ما. ويشير تعليق دهقان مؤخرا إلى أن إيران وروسيا اتفقتا على ضرورة حماية النظام السياسي الحالي في سوريا، وكذلك السلامة الإقليمية للبلاد، وأن "الأسد يجب أن يظل صانع القرار." والأهم من ذلك، قوله ان لدى بلاده اتفاقا مع روسيا على "ضرورة إحاطة ايران بأي قرار يخص سوريا". وبعبارة أخرى، تعترف إيران بأن موافقتها غير مطلوبة للتوصل الى تسوية محتملة بين الولايات المتحدة وروسيا.\nوينبه ملاني واشنطن، الى ضرورة الانتباه إلى قرار ايران منح روسيا حق الوصول إلى قاعدتها الجوية؛ باعتباره رسالة واضحة حول إصرار طهران على دعم الأسد، ومراهنتها على تطوير توثيق التعاون العسكري والأمني ​​مع روسيا، مع عدم امتلاكها رؤية واضحة لسياسة الادارة الامريكية المقبلة.\nوفي الوقت الراهن، تتجه السياسة الخارجية الإيرانية بشكل واضح نحو الشرق أكثر من اتجاهها غربا. وعلى الرغم من ان تقارب إيران مع روسيا تكتيكيا، يمكن أن يكون له انعكاسات سلبية عميقة على واشنطن، إذا تحول التقارب الى تحالف استراتيجي. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تشكل إيران وروسيا، كتلة مناهضة للولايات المتحدة في آسيا الوسطى والقوقاز.\nوينصح الكاتب الولايات المتحة ـ إذا أرادت تجنب مثل هذه النتيجة، أن تحاول جعل إيران أقرب إلى الموقف السابق "لا شرق ولا غرب". وللقيام بذلك، يرى أن يسعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى إرساء أساس التنفيذ الكامل لأحكام الاتفاق النووي، وتحسين العلاقات الاقتصادية بين إيران والولايات المتحدة قبل ان يترك منصبه.\nوتوصلت إيران إلى اتفاقيات أولية مع شركتي ايرباص وبوينج لشراء عشرات الطائرات في صفقة تتراوح قيمتها بين 35 و45مليار دولار، في أضخم عملية اقتصادية بين إيران والغرب خلال أكثر من أربعة عقود.\nورغم معارضة الكونجرس لهذه الصفقة، يجب على أوباما اتخاذ التدابير اللازمة لضمان مرورها. وهذا، بدوره ـ وفقا لميلاني ـ يمكن أن يبدأ إعادة إدماج إيران في الاقتصاد العالمي، وتحسين العلاقات الاقتصادية بين إيران والغرب، وتقوية نفوذ العناصر المعتدلة في إيران التي ترغب في سياسة خارجية متوازنة أو على الأقل محايدة. 

الخبر من المصدر