هل المصالحة مع نظام الأسد ولو بدون الأسد تحقق مطالب الثورة السورية؟!

كتبنا في آخر مقالة لنا بعنوان (الإعلان بالصدمة).. أن السياسيين يعمدون إلى استخدام الإعلان الصادم، الذي يهز المجتمع هزاً، ويزلزل أركانه، ويصدع بنيانه، لتمرير فكرة مرفوضة من المجتمع.\nولم يمضِ على نشرها إلا أيام قليلة، حتى أخذت الإعلانات بالصدمة المتناهية في القوة والحجم والتتابع والتركيز تزداد وتيرتها بشكل مميز وبعبارات مختلفة وبطرائق منوعة.\nعلى سبيل المثال: (من الممكن التحاور مع الأسد خلال المرحلة الانتقالية لسوريا)، و(أنقرة تعتبر الأسد أحد الفاعلين في النزاع السوري، لكنها تستبعد محاورته)، و(تركيا تغازل الأسد من جديد: يمكن التحاور معه لحل الأزمة)، و(يمكن قبول بشار في المرحلة الانتقالية)، (يلدريم: لا يمكن للأسد أن يكون جزءاً من مستقبل سوريا)، و(نائب رئيس الوزراء التركي: سنطور علاقاتنا التجارية مع الدولة السورية).\nبالرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على انطلاق الثورة..\nوبالرغم من انكشاف كثير من الحقائق، كانت سابقاً مخفية، ومحجوبة عن أعين الناس، وبالرغم من فضح كثير من الأمور التي كان عوام الناس يجهلونها، بسبب الران الذي كان يغطي على قلوبهم، ويعمي بصيرتهم، ومن هذا العَمَه اعتقاد بعضهم أن: رحيل الأسد عن السلطة.. يحقق مطالب الثورة!!\nوالآن استجد على الساحة أمر آخر هو: موضوع التصالح مع النظام سواء ببقاء بشار لفترة انتقالية ثم إبعاده، أو بقائه لأمد غير محدود.. يظن بعضهم أنه إذا أُجبر (بضم الهمزة) على الرحيل.. ستنتصر الثورة، وتنعم البلاد بالحرية، ويعيش الناس أحراراً، بأمان وسلام!!\nإنها فكرة ماكرة شيطانية، تروج لها بعض وسائل الإعلام.. وتسوقها وتزينها للدهماء على أنها هي الحل لإيقاف نزيف الدم !!!\nأريد في هذه الرسالة أن أبين ما يلي:\n1- أن الصبي بشار منذ أن وُضع على سدة الحكم ملكاً على سوريا خلفاً لأبيه الهالك حافظ منذ 16 سنة، ما كان إلا عبارةً عن دمية، ودريئة للعصابة الحاكمة الفعلية، كي تبقى مرتبطة به، وتديره في الجهة التي تريد.\n2- أعدوا لهذا الصبي الأبله -الذي يحب الانتفاخ، والانتفاش، والتظاهر بالعنتريات- قسماً يحلفه أمام الناس حين تنصيبه على العرش فيه تعهد ووعد بتغيير الوضع وإطلاق الحريات والعمل على إصلاح الفساد.\n3- بسبب القهر الشديد، والاستبداد الفظيع، والضغط الكبير الذي كان يمارسه أبوه على الناس، فقد صدقوا هذا الغلام، واستبشروا به خيراً على اعتبار أنه شاب، يمكن أن يختلف عن أبيه، وعلى مبدأ (الغريق يتعلق بقشة).. وانطلقوا بكل سذاجة وسطحية يتكلمون بحرية، وبدأ ما يسمى (ربيع دمشق)، الذي تحول سريعاً إلى زمهرير وصقيع، وملأ السجون بالأحرار.\n4- وبعد انطلاق الثورة تأكدت هذه المعلومات، وخاصة بعد لقاءاته المتكررة مع ممثلي المحافظات الذين صرحوا وعلى العلن بأن تصرفاته معهم كانت صبيانية، حتى إن النساء العجائز من أقربائه، مثل أمه وخالته، كن يسيطرن عليه، ويأمرنه بأن يعمل حسب مزاجهن وهواهن.\n5- ومرت الأيام، وبدأت تتكشف حقيقة سيطرة النظام الإيراني، والميليشيات الشيعية على بشار، إضافة إلى أجهزة مخابراته، بل أصبح النظام الإيراني هو المتحكم الفعلي بقرارات النظام الأسدي، وظهر ذلك جلياً واضحاً من خلال تواصله مع الثوار، وإجراء صفقات إطلاق سجناء إيرانيين، أو شيعة دون الاهتمام، أو المبالاة بالسجناء النصيريين، أو الموالين للنظام، وكذلك إجراء اتفاقيات الهدن معهم.\n6- وأخيراً أصبح الروس هم المسيطرين، والمتحكمين فعلياً ببشار، وبالنظام الإيراني والميليشيات الشيعية، وأصبح بشار يسمى (ذيل الكلب).\nإذا كانت هذه هي الحقائق والوقائع على الأرض والتي أصبحت مكشوفة ومعروفة للجميع، إذن ما هي قيمة وفائدة التصالح مع النظام بوجود بشار أو بدونه؟!\nإن بقاء بشار في السلطة أو ترحيله سيان، فهو أصلاً ليس له قيمة ولا تأثير، هو عبارة عن رمز أو أراجوز!!\nبل حتى أكثر من ذلك لو أنه طُلب (بضم الطاء) من المعارضة المهترئة تشكيل حكومة من أعضائها فقط، وليست مشاركة مع النظام -كما يطلب الصليبي مستورا- وتم تعيين رئيس جمهورية من المعارضة بدلاً من بشار، وأُعطيت (بضم الهمزة) لهم صلاحيات بشار، وبقيت المخابرات كما هي، فلن يتغير في الأمر شيء، ولن يجرؤ وزير أو رئيس الجمهورية على إصدار أي أمر، وإذا أصدر فلن يُنفذ، وعسكري ذو مرتبة متدنية عريف أو أقل يستطيع أن يأمر وزيراً أو يعترض على أمره، وأكبر شاهد ودليل على ذلك، ويدركه كل من عاصر الانقلاب الأسود في 8/3/1963 يعرف أن: أمين الحافظ كان رئيس الجمهورية حتى الانقلاب الثاني في فبراير/شباط 1966.. وما كان يستطيع أن يمون حتى على نفسه، وأن الذي كان يحكم البلد من وراء ستار هو حافظ الأسد وصلاح جديد.\nوبعد انقلاب فبراير 1966 جاءوا بنور الدين أتاسي، وهو من ذراري المسلمين أيضاً ونصبوه رئيس جمهورية، ولكنه ما كان إلا دمية وصورة لا يحل ولا يربط.\nوأخيراً بعد أن اطمأن وتأكد الماكر الخبيث حافظ من هيمنته وسيطرته على كل مفاصل البلد، قام بانقلابه الأسود في نوفمبر/تشرين الثاني 1970، وتنكر حتى لأعز رفاقه، ومنهم صلاح جديد، ورماهم في السجن، وحكم البلد بالحديد والنار.\nوهو الذي شكل وكون أجهزة المخابرات، وأعطاها الصلاحيات الواسعة والمطلقة في خنق الشعب، والضرب بكل وحشية، على أي شخص يحاول التمرد أو الخروج عن الطاعة.\nوهذا الذي حصل من بداية الثورة، ولا يزال يحصل، وسيستمر يحصل، سواء كان بشار موجوداً أو غير موجود.\nفالذي يحكم البلد هو: المخابرات وليس بشار.. والذين يقبلون بتشكيل حكومة مشتركة مع النظام أو من المعارضة كاملاً، ومعها كل صلاحيات بشار، ويقبلون ببقاء المخابرات والجيش أو تطعيمهما، كأن الثورة لم تقم، وهم خونة لآلاف الشهداء وآلاف المعتقلين، وآلاف الجرحى، وملايين المهجرين.\nالتدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.