لماذا تنحاز الولايات المتحدة ضد العرب؟

لماذا تنحاز الولايات المتحدة ضد العرب؟

منذ ما يقرب من 8 سنوات

لماذا تنحاز الولايات المتحدة ضد العرب؟

يشتكي العرب من الولايات المتحدة ويتهمونها بالعداء السافر لهم ولقضاياهم، وبالانحياز لإسرائيل ملقين باللوم في ذلك على اللوبي الصهيوني الذي يعتقد الكثيرون أنه سيد القرار في واشنطن.\nأن تكون أمريكيا فلن يضيرك سقوط العصا! ماذا سيجني العرب من ربيعهم؟\nويدفع أصحاب هذا الرأي، الذي يمكن وصفه بالكلاسيكي والراسخ، بأن الولايات المتحدة منذ عقود طويلة تقف ضد الحقوق العربية المشروعة، وهي تحمي إسرائيل بكافة السبل سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وتنفق من ميزانياتها المليارات في كل عام على هذا الهدف، وتتجاهل مصالحها الاقتصادية الكبيرة في العالم العربي، وتنحاز إلى إسرائيل على طول الخط.\nويعبر أصحاب هذا الموقف، وهم كثر، عن يقينهم بأن "الصهاينة" يستلبون الإرادة الأمريكية ويسخرون مؤسسات الدولة لخدمة مصالحهم.\nوالبعض يرى أن غزو العراق عام 2003 والتبعات المأساوية اللاحقة له، والمساهمة الفعالة في الإطاحة بالعقيد القذافي في ليبيا يأتي في مجمله انعكاسا لذلك ولما يوصف بالعداء الأمريكي التاريخي للطموحات العربية.\nوظهر لاحقا انطباع لدى شرائح من العرب بأن الولايات المتحدة لا تنحاز إلى إسرائيل فقط ضد العرب، بل تنحاز إلى جميع خصوم العرب بما في ذلك الأكراد والفرس والأتراك!\nوبطبيعة الحال لا يمكن الجدل في انحياز الولايات المتحدة التاريخي إلى إسرائيل، إلا أن اتهام اللوبي الإسرائيلي بأنه وراء ذلك، والتأكيد على أن واشنطن مجبرة على هذا النهج على النقيض من مصالحها الحقيقية لا يعدو أن يكون توصيفا سطحيا لعلاقة تاريخية بأبعاد ثقافية عميقة.\nويمكن الإشارة على سبيل المثال في هذا الصدد إلى أنه يمكن لأي دولة أن تؤسس لوبي داخل الولايات المتحدة لخدمة مصالحها، وقد لجأت دول عربية غنية بالنفط والغاز إلى ذلك خاصة السعودية والعراق في فترة من عهد صدام حسين، إلا أن مردود "اللوبيات" العربية لم يكن في مستوى الطموح لأسباب ذاتية.\nونعتقد لهذا السبب أن الإجابة عن التساؤل عن أسباب عدم انحياز الولايات المتحدة إلى العرب كفيلة بمعرفة الأسباب الجوهرية لهذا الموقف "التاريخي" النقيض.\nونتبدأ بالإشارة إلى أن ارتباط معظم الأنظمة العربية بالولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، أكبر بكثير من ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة العربية وبثرواتها لسبب بسيط يتمثل في أن النفط والغاز والثروات الطبيعية الأخرى اكتشفتها الشركات الأمريكية وهي من يقوم بالدور الأساس في استخراجها وتكريرها وتسويقها.\nعلاوة على ذلك تحمي الولايات المتحدة حلفاءها العرب من خصومهم العرب والأجانب، وتصدر إليهم ما يحتاجونه من مأكل وملبس ومشرب ومركوب وطبابة وتقنيات لمختلف الاحتياجات.\nوسيقول قائل إن لدى الدول العربية النفطية ما يكفي ويزيد من الأموال، وبإمكانها أن تجد منتجين آخرين للسلع التي تستوردها من الولايات المتحدة، إلا أن ارتباط هذه الدول الكبير أمنيا ودفاعيا بالولايات المتحدة لا يتيح لها هامشا كبيرا لمناورة جادة من هذا النوع.\nوفي كل الأحوال لا يبدو موقف العرب الموزعين بين دول متنافسة متخاصمة شرقا وغربا قادرا على إقناع الولايات المتحدة بأهليته لأن يكون أصحابه حليفا استراتيجيا بديلا عن أي أحد، لسبب بسيط يتمثل في افتقارهم إلى أي أدوات قوية سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا ولأنهم لا يمثلون موقفا واحدا بل مواقف يصل تناقض بعضها إلى درجة نادرة من العداء السافر.\nوكان عدد من المثقفين العرب تفاءل بأن يؤدي احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003 إلى أن "تكتشف" واشنطن مصلحتها الحقيقية و"تعود إلى رشدها"، معبرين عن ثقتهم بأن سقوط الدكتاتوريات العنيفة سيعيد العرب إلى الصدارة وستظهر فضائلهم وتعزز مكانتهم الدولية!\nولتوضح الفكرة أكثر يمكن استحضار تجربتي الصين الشعبية وفيتنام مع الولايات المتحدة، فقد أجبرت بكين واشنطن والغرب على الاعتراف بها وبأحقيتها على تمثيل الصينيين، إلى أن جلست عام 1971 على مقعدها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والذي كانت تشغره تايوان.\nتمكنت الصين من ذلك حتى قبل أن تصبح عملاقا اقتصاديا وعسكريا يحسب له ألف حساب، معتمدة على وحدتها وتماسكها واستقرارها بأيادي عاملة نشطة لا بأفواهه مستهلكة وأبدان خاملة.\nوبالمثل، أجبرت فيتنام الشمالية الولايات المتحدة بعد حرب ضروس على التخلي عن فيتنام الجنوبية والتودد إليها في النهاية، ودفعت مقابل هذا الهدف أثمانا باهظة على كافة الصعد، لكن إرادة شعبها الصلبة انتصرت، وبقيت هانوي على الخارطة قوية مستقرة وبازدهار مشهود، وطوى النسيان سايغون الى الأبد.

الخبر من المصدر