الطفل عمران أقلهم صدمة.. مأوى للأطفال تحت الأرض بطابقين يحمي يتامى حلب من مصير آبائهم

الطفل عمران أقلهم صدمة.. مأوى للأطفال تحت الأرض بطابقين يحمي يتامى حلب من مصير آبائهم

منذ 7 سنوات

الطفل عمران أقلهم صدمة.. مأوى للأطفال تحت الأرض بطابقين يحمي يتامى حلب من مصير آبائهم

على عكس المعتاد، تختفي إحدى المنشآت القائمة بالفعل عن وجه الأرض، بل إنها تقع على بعد طابقين عن سطح أراضي مدينة حلب المنكوبة، لتسمح ليتامى المدينة المحظوظين بالنوم في أمان، ولكنه لا يختلف عن صورة الأمان التي يمكن أن يحظى بها أي شخص يحيا بمدينة مزقتها الحرب.\nوعلى الرغم من ذلك، فإنهم يُجبرون على الاستيقاظ بين الحين والآخر طيلة اليوم جراء الاهتزازات التي يسببها القصف الذي مزق الشوارع الموجودة فوق رؤسهم، حسبما نشرت صحيفة The Guardian البريطانية.\nويحظى الأطفال الذين تؤويهم الدار برعاية أسمر حلبي وزوجه التي تعلم جيداً عن الدمار الذي تتسبب فيه المواد المتفجرة بكل تفاصيلها المريرة؛ إذ إنها لا تزال تحمل آثار الإصابات التي تسببت فيها غارة جوية ضربت إحدى المدارس منذ عامين.\nوقد عادت العناوين الرئيسية مرة أخرى لتصوير المعاناة التي يشهدها أطفال المدينة السورية على مدى سنوات من القصف خلال الأسبوع الماضي، بعد أن انتشرت صور الطفل السوري "عمران دقنيش" صاحب الخمسة أعوام، الذي أُخرج من تحت أنقاض منزله لتغطي الدماء وركام المنزل وجهه وجسده الصغير قبل أن يتلقاه المسعفون ويدخلوه إلى سيارة الإسعاف، ليبدو غير مبالٍ بأي شيء سوى بمسح الدماء التي غطت وجهه والنظر إليها دون أن ينطق ببنت شفة أو يذرف دمعة واحدة، ليمسح الطفل بعد ذلك يده مرة أخرى بالكرسي الذي كان يجلس عليه داخل سيارة الإسعاف.\nوأُخرج أبواه هما الآخران أحياءً من تحت الركام، لتعود العائلة سوياً مرة أخرى بعد ذلك الحادث. لكن الغارات الجوية الروسية والبراميل المتفجرة التي يلقيها النظام يجتاح كلاهما شوارع شرق مدينة حلب التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة شارعاً تلو الآخر، وفي تلك الأحداث يعاني كثير من الأطفال خسارة وصدمة ربما تكون أعظم مما نقلته صورة الطفل عمران دقنيش.\nيبلغ عدد الأطفال الذين يرعاهم حلبي في دار الأيتام التي تحمل اسم "دار أيتام المميزون" 50 طفلاً، وهم من أكثر الأشخاص الذين لا يزالون بالمدينة عوزاً.\nوانتقلت الدار إلى أسفل الأرض بعد أن صار القصف أكثر من اللازم أمام إمكانية ممارسة أنشطة الحياة اليومية بصورة عادية، والآن توفر الدار ملجأً تحت الأرض لهؤلاء الأشخاص في ظل القصف المستمر.\nوتتراوح أعمار الأطفال بين عامين و14 عاماً. فقد قُتل آباؤهم أو صاروا يعانون من مشاكل عقلية أو غُيبوا عن المدينة بطريقة وحشية من جراء الصراع الذي يقترب عمره من 6 سنوات.\nقال حلبي: "لقد اعتادوا تلك الحياة المروعة بشكل استثنائي. فعلى سبيل المثال اعتاد هؤلاء الشعور بالخوف في الماضي عندما كانوا يسمعون صوت الطائرات، إلا أنهم حالياً يرغبون في الخروج خارج البناية لكي يروا الطائرات أو المروحيات التي يسمعون أزيزها فوق رؤوسهم وهي تطوف في جو السماء".\nكثير من هؤلاء صار مشرداً مثل عمر (12 عاماً) وأخته مفيدة (13 عاماً)، اللذين وُجدا نائمين فوق أقمشة مهلهلة على أدراج البناية التي تحتوي على شقة عمهما الذي أجبرهما على المجئ إلى المدينة المنكوبة للتسول من أجل الحصول على الطعام والمال القليل بعد أن قُتل أبوهما وعانت أمهما من انهيار عصبي قبل أن تختفي، وذلك حسب ما يقول حلبي. وعلى الرغم من أن قريبهما منعهم من الدخول إلى شقته، فإن مدخل البناية يبدو أكثر أماناً للطفلين من المكوث بالشوارع.\nبدأت دار الأيتام في فتح أبوابها خلال العام الماضي بعد أن أبدى نشطاء مخاوفهم من تزايد أعداد الصغار المعوزين الذين يكافحون من أجل توفير لقمة العيش وحدهم. كما تمتلك الدار أماكن لمائة طفل آخر، والنزلاء الجدد يصلون إليه بانتظام في صورة مأساوية.\nوقال حلبي الذي كان يعمل تاجراً ولم يُرزق بأطفال: "أجرينا مسحاً لإحصاء عدد الأطفال الذين فقدوا آباءهم معاً أو أحد الأبوين، والمحزن أن العدد كان كبيراً".\nويتكون فريق العمل الذي يصاحب حلبي من 25 شخصاً، تتنوع مهامهم بين أفراد الأمن والمعلمين الذين يعلمون اليتامى كل شيء بدءاً من الحساب واللغة العربية، وحتى الحياكة وتلاوة القرآن. ويعد الأخصائيون النفسيون الذين يتواجدون بشكل دائم، من أهم الأفراد الذين يعملون بالدار، فهم يكرسون وقتهم كي يمدوا الأطفال الذين يرعونهم بالاستشارات النفسية، مثل الطفلة ياسمين البالغ عمرها 8 أعوام.\nيقول حلبي إن الطفلة ياسمين فقدت أبويها قبل أن تصل إلى الدار وكانت تعاني من الخوف من الظلام عندما وجدها المتطوعون وهي تتسول في شوارع المدينة. أما الآن، فإنها تبدو مبتهجة وتتفوق على باقي زملائها في الصف.\nوأضاف حلبي: "بكل أمانة، عندما يصل الطفل إلى الدار فإننا نعاني كثيراً بسبب الأمور التي مروا بها خلال عديد من المواقف، إلا أنهم يتطورون بعد مرور أشهر قليلة".\nكما أوضح قائلاً: "إن هدفنا يكمن في أن نحميهم ونعلمهم كي ينجحوا في المستقبل. فكثير من الأطفال فقدوا كلا الأبوين خلال الحرب الدائرة. وربما تصل نسبة الذين فقدوا أحد الأبوين 5% فقط، لكن الآباء أو الأمهات الأحياء لتلك النسبة، يعانون من مشاكل عقلية كبيرة لا تسمح لهم بمراعاة الأطفال".\nوقضى حلبي وفريقه 6 أشهر خلال العام الماضي لكي يرمم أحد المباني لتمتلك فيما بعد طوابق عديدة ممتلئة بالغرف الدراسية والمهاجع المبهجة، وذلك بعد أن حصلوا على الدعم المالي من بعض الجمعيات الخيرية والمتبرعين بالخارج.\nوكان ذلك الأمر إشارة لاحتمالية وجود أمل بالمدينة التي تُدكّ مبانيها بانتظام لتتحول إلى ركام. بيد أن ذلك الأمر كان قبل انضمام الطائرات الروسية إلى الحرب الجوية ضد مدينة حلب التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. فقد أضافت تلك الطائرات غاراتها الجوية إلى البراميل المتفجرة التي تسقطها طائرات النظام على المدينة من دون أن تميز بين الأطفال والنساء والمدنيين.\nوازدادت شدة وضراوة الغارات الجوية، التي استهدف كثير منها المدنيين بما في ذلك المنازل والأسواق والمستشفيات والمدارس، ما أجبر الدار على اتخاذ قرار بأنه لم يعد الآمن لحياة الأطفال أن نتركهم يعيشون في البناية بالشكل الروتيني المعتاد.\nلذا نقلوا المضاجع إلى أسفل الأرض بالإضافة لكثير من الأنشطة، بدءاً من الصفوف الدراسية للأنشطة الأخرى، ما يسمح للأطفال بأن يناموا ويأكلوا ويستذكروا دروسهم في أمان، وهم على بعد عدة أقدام أسفل سطح الأرض.\nيقول حلبي: "عندما تأتي الطائرات، ننزل إلى الأقبية أسفل الأرض مع الأطفال"، مضيفاً أنهم يفعلون كل الأشياء لكنهم لا يصعدون إلى سطح الأرض. وأوضح قائلاً: "اعتدنا أن نصطحب الأطفال إلى الحدائق ليحظوا بالمتعة. ولكن لسوء الحظ، لم نعد نشعر بالحرية بسبب القصف المستمر والغارات الجوية، لذا توقفنا عن ذلك تماماً. وفي الحقيقة نسعى لأن نبقي الأطفال آمنين، لذلك فإني لا أسمح لهم بالخروج".\nويمتلئ المأوى الجديد للأطفال بالألوان والأرجوحات والأماكن المخصصة للأنشطة والأعمال اليدوية، فضلاً عن القسم المخصص لتعلم استخدام الحاسوب وأيضاً الألعاب الأخرى. كما يحتوي المكان على مسرح، حيث يحاول الأخصائيون النفسيون مساعدة الأطفال بالتعاون مع المعلمين، لكي يتمكنوا من تخطي صدماتهم من خلال التمثيل.\nوعلى عكس فرق الدعم الموجودة بمراكز اللاجئين، فلا تقتصر مهمتهم على مساعدة الأطفال في تخطي المخاوف التي واجهوها في الماضي، بل إنهم أيضاً يحاولون مساعدتهم لكي يكونوا مستعدين لمواجهة أي صدمة قد تواجههم في المستقبل. وحاصرت قوات النظام المناطق التي تسيطر عليها المعارضة لحوالي شهر خلال هذا الصيف، فعلى الرغم من أن الحزام العسكري الذي كان يفرضه النظام على تلك المناطق قد انكسر تقريباً، فلا يزال المدنيون في شرق حلب يعانون من العزلة.\nوعن ذلك قال حلبي: "في الآونة الأخيرة صممنا مسرحية لكي نتحدث عن الحصار، من خلال غناء الراب والأغاني الثورية، إلا أنهم في الحقيقة لا يعرفون ما الذي تعنيه كلمة "حصار".\nمع اقتراب الاحتمالية التي تقول إن الحصار يقترب، وضع القائمون على إدارة دار الأيتام أمام أعينهم احتمالية المغادرة إلى تركيا مع الأطفال، لكنهم قرروا أنهم لا يستطيعون المغادرة. فمدينة حلب هي مأواهم، فضلاً عن أن كل يوم يشهد مقتل آباء جدد في الحرب ليخلفوا وراءهم مزيداً من الأطفال اليتامى شديدي العوز، والذين لا يمتلكون في الوقت الحالي سوى الأمل.\nوتحمل كلمات حلبي الصورة الحقيقية للمشهد، إذ يقول: "نحن كما لو كنا عائلة كبيرة هنا، فليس ثمة دار أيتام أخرى في حلب".\n- هذا الموضوع مترجم عن صحيفةThe Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

الخبر من المصدر