عبد الحليم محمود.. أعز الأزهر ووقف ضد جمال عبد الناصر

عبد الحليم محمود.. أعز الأزهر ووقف ضد جمال عبد الناصر

منذ 7 سنوات

عبد الحليم محمود.. أعز الأزهر ووقف ضد جمال عبد الناصر

عرف بمواقفه الحازمة.. لم يتردد في الدفاع عن قضايا الأمة وإبداء الرأي الحاسم فيها، ليس في مصر فقط بل في كل بلدان الوطن العربي والإسلامي، إنه الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر.\nحصل درجة الدكتوراه في التصوف الإسلامي من جامعة “السوربون” عن الحارث المحاسبي، وعين وكيلاً للأزهر الشريف عام 1970، ثم تولى وزارة الأوقاف، وصدر قرار بتعيينه شيخاً للأزهر في السابع والعشرين من مارس 1973 أثناء فترة رئاسة الرئيس الراحل محمد أنور السادات.\nولد الشيخ عبد الحليم محمود في قرية أبو أحمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في 2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ، 12 من مايو 1910م، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، والتحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1932م، وسافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراه في سنة 1940م.\nوتولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية، ثم وزارة الأوقاف، وصدر قرارٌ بتعيينه شيخًا للأزهر في 22 من صفر 1393هـ، 27 من مارس 1973م.\nكان للإمام الأكبر مواقف أكثر صلابة وشجاعة في التعامل مع الأزمات السياسية بمنطق الحكمة والقدرة، ولعل في مقدمتها مناداته بعودة الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية بعد سقوط الاحتلال الإنجليزى الذي أسقطها ليحل بديلا عنها أحكاما مدنية تُخالف الشرع، خاصة في جميع الأحكام والمواد الجنائية والمدنية والدستورية والدولية، وأخذ على رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور صوفى أبو طالب عهدًا بأن يسعى إلى تحقيق ذلك.\nوغضب الشيخ الجليل أثناء تواجده بفرنسا، وكان يرتدي آنذاك بدلة، من خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما تهكم على علماء الأزهر بقوله ” إدي لمفتي فرخه يديك فتوى”، وفي ذلك تعريض برسالة الأزهر الشريف إنهم يُفتون الفتوى من أجل ديكٍ يأكلونه، الأمر الذي جعل الشيخ يخلع البدلة ولبس الزيَّ الأزهريَّ، وطالب زملاءَه بذلك، فاستجابوا له تحديًا للزعيم، ورفع المهانة عن الأزهر وعلمائه.\nوانتفض الشيخ كذلك ما روج بعض المسئولين بتعديل قانون الأحوال الشخصية، بحيث يقيد الطلاق، ويُمنَع تعدد الزوجات، الأمر الذي جعله يثور حتى ألغى القرار، قائلا: “لا قيودَ على الطلاق إلا من ضمير المسلم، ولا قيودَ على التعدد إلا من ضمير المسلم”، “وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”، آل عمران.\nومن مواقف الشيخ عبدالحليم محمود التي لا تنسى، عندما صدر قرار جمهوري رقم 1098/1974م بتنظيم شئون الأزهر وتحديد مسئولياته على أن يكون الأزهر تابعًا لمسئولية وزير شئون الأزهر، الأمر الذي يفقد الأزهر استقلالَه، سارع بتقديم استقالته احتجاجا على هذا القرار، ولم يعد لمنصبه إلا بعد إلغاء القرار وصدور اللائحة التنفيذية التي تخوِل للأزهر شئونه.\nوفي عهده تم عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما أقنع المسئولين بتخصيص قطعة أرض فسيحة بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية، ثم عني بمكتبة الأزهر الكبرى، ونجح في تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها.\nحاول الشيخ إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء من الأكفاء ومِن حِسَان السمعة والعدول، وكانت حياة الشيخ عبد الحليم محمود جهادًا متصلاً وإحساسًا بالمسئولية التي يحملها على عاتقه، حتى لقِي الله بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 15 من ذي القعدة 1397هـ، 17 من أكتوبر 1978م.\nواتسم الإمام الأكبر بغزارة إنتاجه الفكري الذي يربو على مائة كتاب، تأليفًا وتحقيقًا وترجمة، وكان أول ما نُشر له: قصة ترجمها عن الفرنسية، من تأليف أندريه موروا، عام 1365هـ - 1946م، ثم تتابعت مؤلفاته الغزيرة في كثير من المجالات، وبخاصَّة في مجال “التصوف” الذي يُعَدُّ من أسبق رواده في العصر الحديث، فقد تبدى مثالًا للصوفية المُقَيَّدةِ بكتاب الله، البعيدة عن الإفراط والتفريط، حتى لُقِّبَ بـ “غزالي مصر”، و”أبي المتصوفين”، فكانت كتاباته الصوفية لها الحظ الأوفر من مؤلفاته؛ فكَتَبَ “قضية التصوف: المنقذ من الضلال”، والذي عرض فيه لنشأة التصوف، وعلاقته بالمعرفة وبالشريعة، وتعرض بالشرح والتحليل لمنهج الإمام الغزالي في التصوف، كما ترجم لعشرات الأعلام الصوفيين، مثل: سفيان الثوري، وأبي الحسن الشاذلي، وأبي مدين الغوث، وغيرهم الكثير.\nكما كتب في الفلسفة الإسلامية، ويعد كتابه: «التفكير الفلسفي في الإسلام» من أهم المراجع التي تتناول علم الفلسفة من منظور إسلامي؛ حيث يؤرخ فيه للفكر الفلسفي في الإسلام، ويستعرض التيارات المذهبية المتعددة فيه؛ ليبين أصالة الفلسفة الإسلامية، وسبقِها الفلسفة الغربية في كثير من طرق التفكير.\nكما تعرَّض للغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام في عدة كتب، مثل: “الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام” و”فتاوى عن الشيوعية”.\nكما ظهر اهتمامه بالسنة النبوية فكتب العديد من الكتب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته، ويعد كتابه “السنة في مكانتها وتاريخها” من أهم كتبه في هذا المجال، كما كتب عن دلائل النبوة ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم.\nواستعرض الإمام سيرته الذاتية في كتابه “الحمد لله، هذه حياتي”، والذي جاء خلاصة لأفكاره ومنهجه في الإصلاح أكثرَ منه استعراضًا لمسيرة حياته، وعَبَّر عن منهجه التفصيلي في الإصلاح في كتابه القيم: “منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع”.\nكما قام بتحقيق الكثير من أمهات الكتب مثل: “لطائف المنن” لابن عطاء الله السكندري، و”اللمع” لأبي نصر السراج الطوسي، و”المنقذ من الضلال” لحجة الإسلام الغزالي وغيرها.\nوترجم العديد من الكتب في الفلسفة اليونانية والأخلاق، مثل: “الفلسفة اليونانية أصولها وتطورها” لألبير ريفو، و”الأخلاق في الفلسفة الحديثة” لأندريه كريسون.\nرحم الله الشيخ واسكنه فسيح جناته علي ما قدم للأزهر وأمة الإسلام.

الخبر من المصدر