الشعاب المرجانية العربية.. ثروة في دائرة الخطر

الشعاب المرجانية العربية.. ثروة في دائرة الخطر

منذ ما يقرب من 8 سنوات

الشعاب المرجانية العربية.. ثروة في دائرة الخطر

أما في البحر الأحمر، فتعتبر سواحل السعودية الغربية هي الأكثر ثراء بالشعاب، يليها في الترتيب مصر، ثم إريتريا فالسودان.\nو"مجتمع" الشعاب المرجانية يقدم للمجتمع البشري خدمات كثيرة يصعب حصرها ومعظمها لا يقدر بثمن، وإن قدر البعض قيمة ما يمكن أن يدره الكيلومتر المربع الواحد منها سنويا بحوالي خمسين ألف دولار.\nوفضلا عن أن ربع الثروة السمكية المنتجة بالدول النامية مثلا يأتي من هذا الموئل المعطاء، على ما يعنيه هذا من توفير ملايين من فرص العمل للصيادين ولغيرهم بهذه الدول وغيرها، فإن الشعاب المرجانية تعد أيضا مصدرا غنيا لعدد كبير من العقاقير والمستحضرات الطبية التي تسهم في علاج عشرات، بل مئات الأمراض.\nكما تسهم الشعاب المرجانية في تنشيط وتنمية السياحة في حوالي 101 دولة على مستوى العالم، هي التي أنعم الله عليها -دون غيرها- بهذه الثروة.\nغير أن فوائد الشعاب المرجانية لا تقتصر على ذلك، فأهميتها البيئية جليلة بحق، فوجودها مثلا على امتداد أو بمحاذاة الساحل يؤدي إلى تكسير الأمواج ومن ثمّ حماية الشواطئ والمنشآت الواقعة عليها من النحر والتآكل، ومن الأثر الهدمي للأمواج العاتية والعواصف الهوجاء.\nغير أن الأنشطة والممارسات البشرية السيئة وغير المراعية للحس البيئي أساءت إلى بيئة الشعاب المرجانية، ومن أبرز هذه الممارسات إلقاء النفايات والملوثات بالبحر مباشرة دون معالجة، وردم وتجريف أجزاء الحيد المرجاني المتاخمة للسواحل بغية توسيع مساحة الشواطئ وإنشاء قرى ومنتجعات سياحية، واستخدام معدات ومواد مدمرة بالصيد، وقطع أجزاء الشعاب أو تدميرها أثناء الغطس والرياضات المائية الأخرى.\nوتعد ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية (Coral Bleaching) وفقدها لألوانها المميزة وإنتاجيتها البيولوجية من أبرز التأثيرات السلبية لتغير المناخ العالمي، ومن أخطرها على الإطلاق على هذا الموئل الكريم المعطاء.\nتحدث ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية خلال الصيف خاصة أغسطس/آب بسبب الإجهاد الحراري وارتفاع درجة الحرارة ذلك أن المرجان كائن حساس للغاية، ويحتاج بيئة بحرية مستقرة وثابتة نوعاً ما\nوتحدث ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية التي عادة ما ترتبط بظاهرة النينو (El Nino) خلال فصل الصيف خاصة في شهر أغسطس/آب بسبب الإجهاد الحراري وارتفاع درجة الحرارة بشكل لافت ذلك أن المرجان كائن حساس للغاية، ويحتاج إلى بيئة بحرية مستقرة وثابتة نوعاً ما.\nكما قد تحدث بسبب التلوث البحري وبعض الأمراض الفطرية، فضلا عن تغير درجة الملوحة ونقص الأكسجين وزيادة حموضة البحار.\nوقد تصاب مساحة محدودة من الشعاب أو تمتد على مناطق شاسعة تصل إلى عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة، وهذا يعتمد في المقام الأول على طول المدة التي يتعرض خلالها المرجان للضغوط والمؤثرات السلبية، وخاصة تغير درجة حرارة الوسط المائي الذي يعيش فيه.\nونظرا لخطورة هذه الظاهرة على الشعاب المرجانية الموجودة على مستوى العالم بصفة عامة، فقد أطلق مركز المعلومات والرصد الفضائي التابع لوكالة (NOAA) الأميركية مبادرة لمراقبة حالة الشعاب المرجانية والإنذار المبكر (NOAA Coral Reef Watch) خشية حدوث موجات جديدة للابيضاض يمكن من خلالها معرفة الأماكن المحتمل إصابتها بالابيضاض أو أي من الأضرار المفاجئة الأخرى.\nويعتمد هذا النظام على رصد التغيرات الحادثة في درجة حرارة المياه السطحية بصفة مستمرة بواسطة صور الأقمار الصناعية، ومن ثم إصدار قائمة بمواقع السواحل المرجانية التي يلاحظ زيادة هذا التغير فيها عن درجة واحدة مئوية، وهذا على اعتبار أنها معرضة أكثر من غيرها إلى خطر الإصابة بالابيضاض.\nوسجلت هذه الظاهرة في صيف عام 1998 أسوأ وأخطر تأثيراتها على الإطلاق نظراً لحجم الدمار الذي سببته للشعاب في كل أرجاء العالم بما فيها بحارنا العربية، حيث أدت إلى تدمير ما يقرب من 16% من مساحة الشعاب المرجانية الضحلة على مستوى العالم.\nويتابع ظهور نوبات وموجات أخرى من هذه الظاهرة خلال العقدين الماضيين، وتعتبر نوبة عام 2002 ثاني أسوأ موجة بعد 1998، إذ أثرت بشكل ملحوظ على معظم شعاب العالم المرجانية بخاصة في جنوب غرب المحيط الهادئ وأستراليا.\nوتأثرت البحار العربية بموجات الابيضاض السابقة حيث تضررت مناطق شاسعة من الشعاب خاصة في الخليج العربي من جراء هذه الموجات، ووصلت نسبة ابيضاض بعض مناطق الشعاب إلى 100%.\nولحقت أضرار بمساحات كبيرة من الشعاب المرجانية في شرق الدوحة، كما تضررت أكثر من منطقة أخرى في خليج عُمان خاصة حول جزيرة مربط من جراء ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية إلى 31 درجة مئوية أثناء صيف 1998، وتأثرت مناطق أخرى من الشعاب عند الطرف الجنوبي الغربي من جزيرة مَسيرة.\nوحدث الأمر نفسه للشعاب الواقعة أمام سواحل جبل علي وأبو ظبي بدولة الإمارات، وفي عام 2000 ضربت موجة جديدة من الابيضاض مناطق شاسعة من الشعاب المرجانية الواقعة جنوب الكويت.\nوبالنسبة إلى البحر الأحمر فقد كان الحال أفضل نسبيا، وإن تأثرت مساحات كبيرة من الشعاب أمام سواحل جزيرة سومطرة وشمال خليج عدن باليمن، وجدة ورابغ وينبع بالسعودية، من جراء ارتفاع الحرارة عام 1998، كما تأثرت مناطق مماثلة أمام سواحل ثوال شمال جدة من تكرار هذا الأمر إبان صيف العام 2010.\nلكن بغض النظر عن حجم الإصابات الحادثة، فإن الواقع يشير إلى أن الأمر جد قابل للتكرار، لا سيما في ظل زيادة الضغوط والممارسات البشرية السيئة المنتشرة على طول سواحلنا، وزيادة إجهاد تلك الشعاب بسبب هذه الضغوط، ولا سيما أيضا في ظل وجود مؤشرات باحتمال أن يضرب هذا الوباء الأبيض من جديد الشعب المرجانية في بحارنا العربية وبقية البحار والمحيطات العالمية خلال صيف هذا العام وهذا بسبب زيادة درجة حرارة المياه بشكل لافت عن معدلاتها الطبيعية.\nويجب على المراكز البحثية والجهات العربية المعنية اليقظة التامة والانتباه إلى حجم الأخطار والخسائر التي يمكن أن تتسبب فيها موجات الإجهاد الحراري، وبقية المؤثرات السلبية الأخرى على الشعاب المرجانية.\nتنفرد ظاهرة ابيضاض الشعاب عن بقية المخاطر الأخرى المهددة للشعاب المرجانية، بكونها تحدث بشكل فجائي وتصيب مساحات شاسعة وممتدة منها بما فيها من كائنات وموارد بحرية، بالخراب والدمار.\nوأقل ما يجب عمله للتقليل من مضار وآثار هذه الظاهرة يتمثل في الأخذ بالوسائل الحديثة ونظم الإنذار المبكر التي تكفل رصد ومتابعة التغيرات الحادثة في حالة الشعاب المرجانية في البحار العربية المختلفة، بشكل مبكر ودقيق.\nويجب أيضا على الجهات الحكومية المعنية تشديد جهود الرقابة البيئية وتطبيق القوانين المحافظة بشكل صارم وحاسم على كل المخالفات والممارسات البيئية السيئة والضارة ببيئة الشعاب، وذلك لتقليل الضغوط الواقعة على هذه المنظومة البيولوجية المتكاملة. كما يجب العمل على رفع الوعي البيئي لدى العامة بأهمية الشعاب المرجانية وبفوائدها وخدماتها المتعددة.\nولا بأس كذلك من إنشاء مزيد من المحميات البحرية ووضع خطط جادة وقيد التنفيذ للإدارة الرشيدة والمستدامة لمثل هذه الثروات، بما يعمل على تحقيق توازن بين الحفاظ على النظام البيئي الخاص بالشعاب المرجانية وبين الاستفادة من اقتصادياتها وخدماتها المتعددة، وهي كلها مطالب وإجراءات عادلة وضرورية، إذا ما أردنا فعلا الحفاظ على عطاء هذا الموئل الكريم، وعلى حق الأجيال القادمة في الانتفاع به.\nباحث علمي ودكتور في الدراسات البيئية والاستشعار عن بعد

الخبر من المصدر