بيوت المبدعين فى الخارج متاحف مفتوحة وفى مصر مقالب قمامة

بيوت المبدعين فى الخارج متاحف مفتوحة وفى مصر مقالب قمامة

منذ ما يقرب من 8 سنوات

بيوت المبدعين فى الخارج متاحف مفتوحة وفى مصر مقالب قمامة

ربما تمثل بعض منازل كبار المبدعين لبعض المسئولين عندنا، مجرد جدران وحوائط اتت عليها عوامل التعرية، لكن هذه المنازل إذا كانت قد أنهكتها عوامل التعرية، فإنها فى المقابل قامت بتعرية كل من جاء على رأس وزارة الثقافة والآثار، لأنه أهمل مكانًا شهد ميلاد كثير من حلقات الابداع المصرى، فهذه الجدران والحجارة المتآكلة والمتهالكة شاهدة على كل نغمة وكلمة خرجت من فكر المبدع الحقيقى الذى جاع أو عطش، وعاش الحر والبرد من أجل أن يقدم لهذا الوطن عملًا يليق بوطن احتضن الجميع من المشرق والمغرب، وطن يمتلك حضارة تعود إلى آلاف السنين.\nكل منزل من منازل المبدعين فى مصر يمثل ادانة صريحة وواضحة ليس ضد المسئول الموجود على مقعد المسئولية، لكن ضدنا جميعًا كمصريين أهملنا كل شىء وانشغلنا بأنفسنا فكانت النتيجة خسارة كبيرة لنا، فهؤلاء الرموز دول كثيرة تحسدنا عليهم، دول تتمنى أن يكون بينهم رمز واحد منهم.. دول تحاول أن تدفع الملايين من الدولارات لكى تقتنى آلة موسيقية لواحد منهم ليس لشىء إلا لأن عبدالوهاب أو عبدالحليم أو أم كلثوم أو الموجى أو بليغ احتضنها، وشاركته ابداعه.. هذا هو الفارق بين ناس تمتلك الحضارة والتاريخ، وآخرين يحاولون شراء تاريخ.\nزار الفنان اللبنانى مارسيل خليفة الإسكندرية لإقامة حفل يوم 29 يوليو الماضى فى افتتاح مهرجان المكتبة الصيفى للفنون، وخلال زيارته قرر زيارة منزل فنان الشعب سيد درويش وفوجئ مارسيل بمشهد لم يتصوره أو يتخيله أحد وجد منزل سيد درويش وقد تحول إلى مقلب قمامة.\nوقال الفنان، فى تصريحات له قبل مغادرة الإسكندرية :حرصت على زيارة منزل الموسيقار سيد درويش بكوم الدكة، والمكان مهدم وفى حاجة إلى اهتمام يليق بمكانة قائد الأغنية الوطنية.\nوطالب الفنان الفلسطينى، القائمين على الثقافة والتراث بالإسكندرية بإحياء منزل سيد درويش الفنان المصرى الذى استطاع تغيير شكل الأغنية، على حد وصفه، مطالبا بتحويله إلى متحف يضم مقتنياته.\nإلى هنا انتهى تصريح الفنان اللبنانى. وربما يكون ما شاهده مارسيل مفاجأة له، لكن "الوفد" سبق وتناولت هذه القضية أكثر من مرة منها آخرها فى 21 يونية 2011. وبالتالى كلامه ليس مفاجأة لنا. فقد تطرقنا إلى ما وصل إليه حال منزل سيد درويش أول من طور الموسيقى العربية وأخذها إلى مصاف الأغنية العالمية بعد ان عاشت عقودًا طويلة تعتمد على الشكل العثمانى والتركى وهو ما عرف بزمن أمان يالا للى. ورغم ذلك لم يتحرك أى وزير ثقافة وكأن سيد درويش ليس مصريًا، أو ان منزله تعرض لتسونامى فاختفى من الوجود رغم ان وجود المنزل بهذا الشكل هو قمة الاهانة للمبدعين كما انه يمثل إدانة للدولة المصرية ولوزارة الثقافة التى انشغل موظفوها بتلميع أنفسهم، والبحث عن مجد شخصى رغم ان ترميم منزل شخصية بحجم درويش فنان الشعب سوف يكتب فى سيرتهم الذاتية لأنهم أعادوه من العدم للوجود.\nقضية إهانة رموز الموسيقى والغناء فى مصر هى قضية كل العصور، وكثيرًا ما تم تناولها عبر وسائل الاعلام المختلفة لكن الدولة خلال ربع القرن الاخير كانت تنظر للمبدع على أنه اراجوز، لذلك هناك اسماء كبيرة عانت كثيرًا قبل رحيلها ولم يلتفت إليها أحد، واسألوا بليغ حمدى والموجى والطويل، الاهمال طال هذه الاسماء أحياءً وأمواتا.\nهناك اسماء أخرى طالها الاهمال لا يتصورها عقل أم كلثوم تحول منزلها إلى برج أم كلثوم بالزمالك، وكل ما تبقى لها هو فندق يحمل اسمها فى عدة طوابق بهذه البناية وعبدالحليم حافظ منزله فى الزمالك أيضًا تحول إلى متحف مغلق لا يزوره سوى أصدقاء الأسرة والمنزل تقيم فيه ابنة شقيقته علية شبانة.\nأما منزل الموسيقار الكبير محمد الموجى بالعباسية فقد احترق ثم استحوذ مالك العقار على الشقة وهو المنزل الذى شهد لقاءاته مع عبدالحليم حافظ، وحكايات طويلة بين تلك الأسرة الفنية وشادية وصباح وحليم وهى الاسماء التى كانت تتواصل مع أسرة الراحل الكبير.\nوالآن مكتبه بشارع الشواربى يوجد به تراثه مسجل على أشرطة وبح صوت ابنه الموجى الصغير لكى يقنع الدولة لكى تهتم بتراثه وتعيد توثيقه بطريقة حديثة للحفاظ عليه قبل ان يحترق هو الآخر وتتحول الأشرطة إلى رماد، كما احترقت مقتنياته بمنزل العباسية، ففى منزل الشواربى يوجد العود الخاص به كما يوجد العود الخاص بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذى حصل عليه كهدية من الأسرة بعد رحيل العندليب بأيام.\n البعض قد يقول وماذا تفعل الدولة أكثر مما فعلته لأم كلثوم وحليم فالاحتفال بميلادهما ورحيلهما يتم بشكل منتظم، وهذا صحيح لكن الدولة أهانت أم كلثوم عندما سمحت لاسرتها ببيع منزلها بالزمالك وتحويله لفندق ،نعم هو يحمل اسمها لكننا فى النهاية فقدنا اثرًا مهمًا لمطربة العالم العربى الأولى على مر العصور، وعبدالحليم مازال منزله أيضًا فى يد الأسرة ولا نعلم مستقبلًا ماذا سيحدث فيه.\nأما منزل الموسيقار محمد الموجى فعاد بالفعل إلى مالك العقار عقب حريقه حتى عندما حاولت الأسرة اطلاق اسم الراحل الكبير على الشارع الذى يقطن به بالعباسية وهو بالمناسبة اسمه شارع البراد رفضت المحافظة.\nكما ذهب منزل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب على كورنيش الزمالك بجوار ماريوت إلى مالك العقار بعد أن عادت زوجته الراحلة نهلة القدسى إلى وطنها الأردن فى آخر سنوات عمرها. وهو المنزل الذى شهد ميلاد أجمل الألحان الخالدة التى أثرت موسيقانا العربية، وشهد لقاءات الموسيقار الكبير بأهم مطربى العالم العربى.\nأما منزل عبدالوهاب بمنطقة باب الشعرية بحارة الشعرانى فتحول الدور الأول منه إلى محل بقالة وتسكنه الآن إحدى الأسر الفقيرة رغم انه من الممكن ان يتحول إلى مزار عالمى.\nوهناك اسماء أخرى ماتت وهم فى عداد الشحاذين، رغم ان ابداعهم هو العمود الرئيسى للنغم العربى على مر العصور، ما اعلمه مثلًا ان ابنة الموسيقار الكبير محمود الشريف تعانى والجهة الوحيدة التى تدعمها هى جمعية المؤلفين والملحنين رغم ان من حقها على الدولة ان تعيش ملكة لأن والدها من أهم ملحنى الوطن العربى على مر التاريخ، ابن الشاعر الراحل الكبير بيرم التونسى وكان يعيش فى الإسكندرية ولا أعلم ان كان على قيد الحياة أم لا، لأننى شاهدته منذ سنوات وكان مظهره يدل على ما وصل إليه من حال لا يتناسب مع أهمية والده.\nلو انتقلنا إلى أوربا وشاهدنا ماذا تفعل دولها للحفاظ على تراثها وعلى كل قطعة حجر ملقاة فى الشارع ليس لشىء إلا لمجرد ان أحد مبدعيها مر عليها، وهو الأمر الذى يعكس مدى اهتمام هذه الدول بمبدعيها ويجعلنا  نشعر معه بالخزى والعار لاننا نتعمد إهانة وتشويه رموزنا الفنية.\nنذهب إلى منزل كفافيس الشاعر اليونانى الكائن بشارع ليبسيوس بالإسكندرية ويبعد عن منزل درويش بـ1000 متر فقط ويقع على بعد 5 أمتار فقط من مسرح سيد درويش.\nسيد درويش منزله أصبح مقلبًا للقمامة، بينما منزل كفافيس أصبح متحفًا عندما تدخل إلى غرفة النوم تشعر وكأن كفافيس قام بترتيب السرير لتوه، كتبه واشعاره مرتبة، كل شىء جميل من حولك، وهناك مجموعة من العاملين مهمتهم ترتيب وتنظيف المنزل بشكل يومى.\nلو ذهبنا إلى دول مثل ألمانيا شاهدوا ماذا فعلت بمنزل بيتهوفن وكيف حافظت على البيانو الخاص به وكيف تحول إلى مزار سياحى لكل زوار المانيا وعشاق الموسيقى على مستوى العالم.\nاما النمسا فصنعت من منزل موتسارت أهم مزاراتها السياحية على اعتبار ان العالم كله يعرف من هى تلك الشخصية التى أثرت العالم بموسيقاها، هكذا تقدم الدول المتحضرة والمتقدمة فى الفكر والثقافة رموزها الفنية، هم مصدر فخرها وعزها.\nالفارق الوحيد بين كفافيس ودرويش ان الأول حكومته تؤمن بالابداع والثانى بلده تهمل الابداع ومبدعيه بل تنكل بهم وتدفعهم إلى الهاوية، وإذا قلنا ان الفرق بين منزل درويش وكفافيس بالإسكندرية كيلو متر فقط، فالفارق بين فكر الدولتين اليونانية والمصرية يوازى عشرات الملايين من الكيلو مترات فى الفكر ودرجة الاهتمام بالرموز.\nالمسئولون الحاليون عن الثقافة المصرية وفى مقدمتهم الكاتب الصحفى حلمى النمنم فى اختبار وتحدٍ كبير لأن واجبهم يحتم عليهم عمل دراسة سريعة ومسح شامل لكل مبدعينا ووضع تصور لتكريمهم وتحويل منازل من رحلوا إلى مركز للابداع الفنى والاشعاع الثقافى، ولتكن البداية بمنزل سيد درويش بالإسكندرية وإن وجدوه لأن الكثيرين متخوفون ان مقلب القمامة الذى كان منزل درويش سابقا ربما يتحول إلى ناطحة سحاب او مشروع تجارى كما حدث مع منزل أم كلثوم وغيرها.\nالأزمة الحقيقية ان بعض أفراد أسر كبار الفنانين أهملوا تراث آبائهم بينما حرص آخرون على الحفاظ على التراث، فالموجى مثلا لولا وجود ابنه الموجى الصغير على قيد الحياة وهو مهتم بتراث والده منذ الصغر لذهب تراثه إلى الهاوية، وبالفعل الموجى وهو على قيد الحياة حاول أحد الأثرياء العرب اغراءه بـ300 ألف دولار لشراء عود عبدالحليم حافظ كما تعرض لاغراء أكبر من أحد الإسرائيليين الذى طلب منه نقل تراثه لإسرائيل مقابل 2 مليون دولار فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى.\nما حدث مع الموجى تكرر مع آخرين، وهناك تجار للتراث من كل الجنسيات وإذا اردت ان تبحث عن بعض الحفلات الغنائية المهمة فى تاريخنا فسوف تسمعها فى راديو إسرائيل أو لدى بعض الأثرياء العرب، الذين حصلوا على كنوز أخرى بخلاف الأغانى.\nهناك اسماء كثيرة فى تاريخنا الغنائى لا يعرف مصير أعمالهم أو مقتنياتهم أو حتى ابنائهم حتى يمكننا التواصل معهم لمعرفة أين ذهب تراث مصر. وهناك اسماء كبيرة فى عالم الطرب والتمثيل انتهت حياتهم فى الشوارع أو تحت كوبرى أو بئر سلم وآخرون باعوا شققهم وعاشوا فى أقل منها مساحة أو فى حى شعبى حتى يعيشوا بباقى المبلغ الذى حصلوا عليه من بيع الشقة التى شهدت كل تاريخهم.

الخبر من المصدر