التكرار.. والشطار | المصري اليوم

التكرار.. والشطار | المصري اليوم

منذ ما يقرب من 8 سنوات

التكرار.. والشطار | المصري اليوم

كمن يشرب لينسى دون أن يفطن لصداع اليوم التالى، سافرت ولم أصطحب معى كتابًا ولا حاسوبًا لأنسى، دون أن أفطن لذلك العفريت الساكن فى جيبى، وما إن قفزت من القاهرة لروما إلى ديترويت فى 13 ساعة طيرانا وعدة ساعات انتظار على كراسى المطارات، حتى وجدت أن ثمة ثلاث ساعات أخرى فى انتظارى بالسيارة من ديترويت إلى سانت لويس فى ميتشجان، وما إن أخرجت العفريت ونظرت لوجهه وجدته يشير إلى توقيت جديد وشبكة اتصالات مغايرة وإلى «الواى فاى» الذى وجدته مجانيا بالفندق فدخلت مباشرة.. وكأنك يا أبو زيد لا شربت ولا سافرت و«لا غزيت»!.\nكان قفزاً لكهل تجاوز السبعين والحمد لله أن لم ينكسر حوضه ولم يدق عنقه، لأن المساحة الزمنية بين الذهاب والإياب لم تتجاوز أربعة أيام، حضرت خلالها مناسبة عزيزة على قلبى ونفسى أعلنت عنها فى «الفيس»!، ولا داعى للخلط بين الإعلان والإعلام فى هذه المساحة التى أصبحت أجد فيها جزءا من صميم وجودى بعدما تعلمت من صديقى البديع كامل زهيرى رحمه الله أن أكتب وكأننى أموت غدا وأن أقرأ وكأننى أعيش أبدا.\nلقد تابعت زيارة وفد الصندوق الدولى وتابعت ما استطعت ملاحقته من تعليقات مع.. وأيضا ضد، وبقى فى ذهنى سؤال أبحث عن إجابته، وهو كيف نقبل بالدواء العلقمى الذى قد يسقط شعر الرأس والحواجب ويمسح الملامح ويهد الحيل ولكن لا علاج إلا به؟! كيف وقد اكتشف من كانوا يرفضون كل وصفات الصندوق من قبل أن لو كنا نفذنا بعضا من الإصلاح الاقتصادى ووزعنا الفاتورة على السنين المتعاقبة لكان الأمر أفضل مما فعلناه وتركنا الآثار تتفاقم حتى صار أنه لابد مما ليس منه بد؟!\nكيف نطبق خطط الإصلاح دون أن تنفجر الشوارع والمصالح الحكومية والمدارس والجامعات وغيرها بما انفجرت به من قبل وكان رادعا مرعبا لأى صاحب قرار، فيسعى لإتمام مرحلته ثم يقبل يديه باطنا وظاهرا أنها مرت على خير، وعلى القادمين بعده أن يتصرفوا ويتحملوا هم ما سينزل من ثقوب القربة المخرومة؟!\nإن أحدا من الذين يرون فى الإصلاح الاقتصادى وفق ما استقرت عليه الأمور فى وصفات الصندوق المجربة بنجاح فى دول أخذت بها، والمخفقة فى دول أخرى أخذت أيضا بها، لم يتحدث عن كيفية مواجهة ردود الأفعال التى يمكن أن تحدث فى الخريطة الاجتماعية مثلما حدث فى يناير 1977؟!\nنعم هناك فروق كبيرة بين الأوضاع الآن والأوضاع آنذاك، أهمها هو العلاقة بين الناس وبين الحكم، ودعونا نتذكر بعض شعارات يناير 1977 التى أطلقتها الأدمغة ورددتها ملايين الحناجر آنذاك، وهى شعارات عبرت فى مضمونها عن بعض أسباب رفض الناس للإصلاح بتلك الطريقة.. طريقة تحرير الأسعار والوصول للتوازن بين التكلفة الحقيقية للمنتجات وبين أسعار بيعها، سواء كانت المنتجات كهرباء ومياها وخدمات نقل وطرقا وتعليما وخلافه أو كانت أشياء أخرى!.\nكان من بين الشعارات: «هو – أى السادات – بيلبس آخر موضة وإحنا ننام عشرة فى أوضة» و«همه بياكلوا لحمة وفراخ.. وإحنا الفول دوخنا وداخ»!.. ثم استهدفت الشعارات أسماء بذاتها كالسيد سيد مرعى وكالسيدة جيهان السادات، ووصل الأمر لترديد هتافات شديدة الخروج عن المألوف فى الشارع المصرى وعن الحياء العام!.\nلذلك فإننى أذهب إلى أن أهم، أو الأهم فى مدى اتساع وعمق ردود الأفعال لدى الشرائح الاجتماعية الواسعة التى لا تقرأ لكبار المحللين الاستراتيجيين بدون أن أذكر أسماء، هو مدى إحساس الناس بالظلم الفادح المرتبط بالفروق الضخمة فى مستويات المعيشة بينهم وبين من يحكمونهم ويتخذون القرارات، ثم تفشى الفساد والإفساد علنيا وعلى عينك يا تاجر بالاتفاق بين رؤوس الحكم وبين شرائح بعينها كانت وأمست وأصبحت وصارت أسماؤها معروفة للكافة، ولذلك فلم يكن واردا بحال من الأحوال وفيما الناس ترى الإعلام وقد كثف مادته على أناقة وشياكة الرئيس، وأظهره وهو يرتدى الشورتات والبدل السينييه، ويدخن الغليون وزادت جرعات التركيز على دور من اصطنعت لنفسها لقب السيدة الأولى، أن يقبلوا ببساطة زيادة أسعار الأكل والشرب والوقود وغيره!.. وبالدرجة نفسها لم يكن واردًا وقد تمت المصاهرة بين القصر الرئاسى وبين أسر إقطاعية قديمة، وأسر رأسمالية عتيدة، وزادت نسبة فرض الإتاوات على كل شىء، أن يصمت الناس على ما استيقظوا فجأة ليجدوه مفروضا على حياتهم وجيوبهم!\nلذلك فإننى أذهب بالتالى إلى أن الحكم وقد بات مقترنا بالشروع الجاد والفعلى فى الطهارة والشفافية والتواضع ومقاومة الإفساد والفساد وقطع دابر المفسدين والمرتشين، وأن رئيس الجمهورية بدأ بنفسه فلم تعد هناك سيدة أولى تتنطط فى كل مكان ويقف الوزراء والقادة العسكريون أمامها «انتباه»، ولم تعد هناك أبهة وجود الرئيس فى جدول أكثر رموز العالم أناقة وشياكة، إضافة إلى أن الرئيس تنازل عن نصف ما يملك ونصف راتبه، ثم ترجمت شعارات البناء والانطلاق إلى واقع عملى فى المشروعات الكبيرة وحل مشكلات الطاقة والعشوائيات، وغير ذلك من إنجازات تمت فى مدى جد قصير.. فهنا لم يعد لأهم مسوغات الانتفاض وجود!.\nثم إن هناك عاملا آخر أظنه سيساعد على تخفيف ردود الفعل، وقطع الطريق على من سيجدونها فرصة للانقضاض على النظام والأخذ بالثأر منه، وهو عامل الوضوح والشفافية الذى طالما نادينا به على اختلاف مشاربنا السياسية والفكرية، وطالما قلنا أن لو أقدم أصحاب القرار على كشف كل جوانب الوضع القائم وقدموا المشاكل بأمانة للناس، وطالبوهم بالمشاركة فى تحمل المسؤولية لكان ذلك أقصر الطرق لتحقيق المطلوب، ولأصبح هينًا على الناس تقبل جرعات العلاج مهما كانت مرارتها وآثارها الوقتية، طالما أدركوا أنها شافية على المدى الطويل..\nورغم ما سبق إلا أن السؤال يبقى قائما: كيف يمكن تلافى ردود الفعل الاجتماعية – الجماهيرية- الواسعة أو حتى المحدودة على مناهج الإصلاح وقراراته، دون أن يكون العنف هو السبيل لذلك؟! لأنه ثبت أن جحافل الأمن المركزى وغيرها لم تصمد أمام الانفجارات الواسعة.. وثبت أن التكرار يعلِّم الشطار.

الخبر من المصدر