صيبة العين بعيون عربية كحيلة

صيبة العين بعيون عربية كحيلة

منذ ما يقرب من 8 سنوات

صيبة العين بعيون عربية كحيلة

عندما سألت والدي، وأنا طفلة، عن سبب ظهور ندبة صغيرة في وجهه، أجابني: "صيبة عين". ثمّ أضاف: "ليست صيبة العين السبب المباشر بل رصاصة كان جدّك يذيبها لصبّها فوق رأسي بهدف إزالة صيبة العين".\nلا نبالغ إذا قلنا إن الاعتقاد بصيبة العين والحسد شائع، ولو بأشكال مختلفة، في مختلف دول العالم. فهناك ما يعرف بالإكليزية بـ"إيفيل آي" Evil Eye، وفي الأفغانية "تشاتشيم مورا"، وفي الإسبانية "مالديخو". تعرّف صيبة العين بأنها أذى، مقصود أو غير مقصود، يلحق الإنسان من نظرة صائب مستحسن.\nولكن يبقى الاعتقاد بصيبة العين والحسد أكثر انتشاراً في دول المتوسط، وتحديداً العربية منها حيث الاعتقاد يعود إلى العصر الجاهلي.\nكان أهل الجاهليّة يقولون: "إن العين تدني الرجال إلى أكفانها والإبل إلى أوضامها"، لذلك تفنّنوا في ابتداع وسائل الوقاية منها، فاستعملوا الخرز والتعاويذ والرقى والتمائم، مثل كعب الأرنب أو منقار الطير.\nأمّا في أيامنا هذه، فلا يزال الاعتقاد بصيبة العين والحسد واسع الانتشار، ولا تزال الرقية والخرزة الزرقاء والتمائم تستخدم على نطاق واسع.\nكثيرةٌ هي المشاهد التي رسخت في رأسي منذ طفولتي، ولم تتغيّر حتى اليوم. مثل استخدام  "الخرزة الزرقاء"، وحدوة الحصان والحذاء المقلوب وغيرها. لكن قصة جارتنا الحلبية وقصة الحاجة أم محمد بقيتا في ذاكرتي، وهما القصتان الأكثر رسوخاً بتفاصيلهما.\nإذا سألت أحدهم عن بيت الحاجة أم محمد يجيب: "إصعد على الدرج، اتبع رائحة البخور، وعندما ترى يداً زرقاء معلّقة على الباب، تكون قد وصلت".\nكانت الحاجة أم محمد استثناءً في الحي، فشعارها كان "صيبة العين بتوقّع جمل"، أما خرزاتها الزرقاء والسمكة الغريبة التي تعلّقها على باب المنزل من الداخل، فكانت تمائم غريبة أتت بها من مصدر موثوق به كما كانت تقول.\nكانت تعتريني حالة خوف وفرح ممزوجين كلّما دخلت بيتها وأنا طفلة، تماماً كما كنت أشعر عندما يصطحبني أهلي إلى مدينة الملاهي لألعب لعبة "العروس" المشوّقة والمرعبة في آنٍ معاً.\nشارك غردالطامة الكبرى برأيها لا تتمثل برسوب ابنها، بل بسقوط ما اعتقدت به لسنوات، من قدرة الخرزة الزرقاء على حمايته...\nشارك غرد"صيبة العين بتوقّع جمل"... عن حضور صيبة العين بأشكالها وألوانها المختلفة في ثقافتنا\nأذكر أنني كنت في المرحلة الدراسية الابتدائية، وكنت أرى الشهادة المتوسطة "شهادة كبيرة"، وكان محمد ابن الحاجة يدرس ويتحضر لهذه الشهادة.\nيوم امتحان ابنها كانت الحاجة حاضرة بتمائمها ووصاياها، كانت واثقة من نجاح محمد، "فمن كان محصناً مثله لا يُهان". علقت الحجاب والخرزة الزرقاء تحت ملابس ابنها، بخّرته: "يؤبرني ذكاه اسم الله"، كما كانت دائماً تقول عندما تذكر اسمه، حتى بات الحي بأكمله يردد هذه العبارة بعد اسمه.\nأوصته أن يدخل الصف برجله اليمين، وأن يجيب عن سؤال أصدقائه "كيف كتبت؟" بـ"ما بعرف"، حتى لا يحسده أحد.\nوبعد انتهاء الامتحان، بقي "محمد يؤبرني ذكاه اسم الله"، يجيب السائلين وحتى والدته بـ"ما بعرف". جاء اليوم المنتظر، يوم إعلان النتائج،  لم تسمع الحاجة رقم ابنها على الإذاعة، على الرغم من أنّها كانت متفائلة بالسبعتين. وكانت تقول متباهية: "السبعة نصر ومحمد منصور إن شاء الله".\nبدايةً لم تأت الحاجة بأي ردة فعل، قد يكون هناك خطأ ما في مكان ما، أما محمد فكان متأكداً من النتيجة، لكنه وجد، وبذكائه، الخطأ الذي يقنع والدته ويساعده في النجاة من لسانها.\nبعد سكون ساد المكان لدقائق، صرخ محمد باكياً: "كنت أعلم أن هذا سيحصل، لقد فككت الخرزة الزرقاء قبل دخولي للامتحان، ضايقني الدبوس فانتزعتها".\nفي هذه اللحظة انفرجت أسارير الحاجة، فالطامة الكبرى برأيها لا تتمثل برسوب ابنها بل بسقوط ما اعتقدت به لسنوات، من قدرة الخرزة الزرقاء وغيرها من الأمور التي علقتها على صدر ابنها، على حمايته.\nباتت الشابة الحلبية التي ذهب جارنا إلى سوريا ليتزوجها الشغل الشاغل والموضوع الأكثر دسامة في "الصبحيات"، حتى قبل أن تصل إلى لبنان. كل السيدات ينتظرن هذه الفتاة، التي فضلها جارنا على "بنات الحي"، والتي كانت أخته كلما ذكرتها تقول: "شو عيون سبحان الخالق زراق لا بحر ولا سما". وصلت الفتاة إلى بيتها ولم تضيع الجارات الوقت، فقرّرن أن تكون صبحية اليوم التالي عند "الحلبية". انتظرن حتى خرج زوجها إلى العمل، ودخلن إلى بيتها ومعهن صحون الحلوى والفاكهة.\nما إن دخلن حتى تعثرت إحداهن برداء نومها الطويل، ووقعت أرضاً، لتسارع جارة أخرى وتقول وهي تنظر إلى الحلبية بغيرة واضحة، "اسم الله عيون زرق بتصيب بسرعة"، ومن يومها ذاع صيت الحلبية بصيبة العين.\nكانت الجارات يتجنبن النظر إلى عيني الحلبية مباشرةً، وإذا التقت إحداهن بها تبدأ بقراءة التعاويذ التي تمنع الحسد. كانت كلّما حضرت الحلبية إلى مكان تجلب النحس، فعيناها لا تخطئان هدفاً.\nجميع الجارات يعرفن قصة القهوة التي وقعت على أم هاني وحرقتها، مباشرةً بعدما قالت الحلبية: "ريحة القهوة بتجنن يسلمو إيديك أم هاني".\nكانت الجارات تتهامس في محاولة منهن لإيجاد طريقة تمنع الحلبية من مشاهدة المولود الجديد التي رزقت به إحداهن. وكانت الحلبية تجلس في الصالون والجارات في غرفة النوم يبحثن عن حل. بدأت كل واحدة منهن تقدم النصائح، التي كان من ضمنها أن تقرأ على المولود السور القرآنية التي تمنع الحسد وصيبة العين، وأن تضع له في الغرفة أكثر من خرزة زرقاء، أو أن يغطى الطفل بشكل لا يظهر منه الكثير.\nلم تصمد الحلبية جالسة وحدها في الصالون، وهي تعلم أن الهمس عليها،  دقت باب الغرفة وفتحته قائلة "مبروك". صدمت الجارات بدخولها، استدركت إحداهن الموقف قائلة: "حبيبي نائم لنخرج من هنا حتى لا نزعجه". لكن الحلبيّة فتحت علبة كانت تحملها، وتقدمت من السرير وهي تلوح بخرزة زرقاء صغيرة، وضعتها تحت وسادة الطفل قائلة: "إذا لم تحمه من عيونكن قد تحميه من عيني الجميلتين".\nيسود الاعتقاد عند معظم الشعوب العربية أن الخرزة الزرقاء تقي من الحسد وصيبة العين، وغالباً تأتي وسط كف يد تختلف تسميته من بلد إلى آخر. ففي مصر مثلاً، يسمّى "الخمسة وخميسة"، وفي بعض الدول الأخرى يسمى "يد فاطمة"، أما اليهود فيسمونها "يد مريم".\nلا يوجد تاريخ محدد لأصل الخرزة الزرقاء، ويقول البعض إن استخدامها يعود إلى الفينيقيين وشعوب البحر المتوسط، لتهديد وإخافة الرومان الذين كانوا يتميزون بالعيون الزرقاء.\nولعل هذا ما يفسر انتشارها في دول البحر الأبيض المتوسط، وأهميتها في تركيا مثلاً في يومنا هذا، هي التي تمكنت عام 2014 من إدراج ثقافة الخرزة الزرقاء في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.\nهناك اختلاف بين المراجع والمذاهب الدينية في تأثير صيبة العين، أمّا الحسد، فمعظم المراجع تقول بوجوده، وبتحريم السحر أو الشعوذة للشفاء من العين أو الحسد. وتنفي بعض المراجع الدينية وجود أي علاقة بين مفهوم الحسد المذكور في القرآن ومفهوم صيبة العين. إذ يعرّف الحسد بأنه حالة نفسية تدفع الشخص إلى أن يتمنى زوال النعمة الموجودة عند إنسان آخر. وقد يصل الحسد بصاحبه إلى حد محاولة إزالة النعمة بنفسه، عبر استخدام طرق غير أخلاقيّة، وهنا نصل إلى الحسد المحرّم عند معظم المراجع.\nأمّا من يؤمنون بصيبة العين، فيفسرونها علمياً بأنها أذى يصيب الإنسان من نظرة، لأن العين بتركيبتها العلمية، أشبه بعدسة مكبرة، تجمع الأشعة المغناطيسية الموجودة في الإنسان وتوجهها نحو الأشخاص والأشياء.

الخبر من المصدر