أيام «السادات»

أيام «السادات»

منذ ما يقرب من 8 سنوات

أيام «السادات»

عندما قرر الرئيس «السادات» -رحمه الله- زيارة إسرائيل عام 1977 قامت الدنيا، وقوبل قراره بعاصفة من الغضب، كان الأمر طبيعياً تفرضه ظروف المرحلة، إذ لم يكن قد مر على حربنا مع العدو الإسرائيلى سوى أربع سنوات، لم تقتصر المسألة على الغضب الشعبى، بل وصل إلى المستويات الرسمية والنخبوية، فقد قدم إسماعيل فهمى استقالته كوزير للخارجية، ومن بعده قدم محمد إبراهيم كامل استقالته أيضاً، قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد. سيطر الغضب أيضاً على النخب الفكرية والثقافية، وأنكروا على السادات ما يفعله، اتفق اليمين الإسلامى مع اليسار الماركسى على رفض الزيارة، وما تبعها من خطوات. كان رد فعل الناس وقتها طبيعياً، لكن السادات أصر على السير فى طريقه، حتى دفع حياته ثمناً لما اتخذه من خطوات، ولا يخفى عليك أن من ضمن الأسباب التى ساقها قتلة السادات، لتبرير فعلتهم، زيارته لإسرائيل وعقده معاهدة صلح مع إسرائيل.\nالسادات كان رجلاً صاحب رؤية وقدرة على استشراف المستقبل، ولم يكن يأبه بالواقع الذى يرفض خطواته، ويخاصمه فيها، كان يرى أن مسألة وجود وسطاء بين العرب وإسرائيل أمر مضى زمانه، وأنه آن الأوان للجلوس مع الإسرائيليين وجهاً لوجه، وكان يتصور أن تحقيق السلام، وخروج مصر من دائرة الحروب، كفيل بمنحها فرصة للنمو والنهوض، ولعلك لم تنس بعد أن السادات كان يربط باستمرار بين السلام والرخاء، ولم يكن يمانع فى تقديم بعض التنازلات فى سبيل تحقيق هذا الهدف. يذكر الكاتب الصحفى الراحل كامل زهيرى فى كتابه «النيل فى خطر» أن مشروعاً لمد مياه النيل إلى إسرائيل طُرح على السادات من جانب مهندس إسرائيلى. كانت تلك رؤية السادات للأمر، ثمة تحفظات عديدة عليها نعم، ما زال البعض ينكر على السادات تلك الرؤية حتى الآن نعم، لكنها فى كل الأحوال كانت رؤيته وقراءته الاستراتيجية لمستقبل المنطقة.\nلا يستطيع أحد أن ينكر أن السادات بهذه الخطوة استرد أرض سيناء كاملة من يد المحتل الإسرائيلى، وكان ذلك جوهر الفائدة من معاهدة السلام، لكن فى المقابل لم يأت السلام بحلم الرخاء الموعود، بل تعقدت الأوضاع الاقتصادية أكثر وأكثر، وخسرت مصر فى مرحلة السلام الكثير من معطيات تميزها داخل الإقليم، لم يكن السادات السبب المباشر فى هذه الخسارة بالطبع، فقد رحل الرجل وتولى من بعده «مبارك»، وأنت تعلم الباقى، لكن فى كل الأحوال لا يستطيع أحد أن ينكر أن الأيام أثبتت قدرة السادات على استشراف المستقبل، على الأقل فيما يتعلق باسترداد الأرض المصرية المحتلة، كما أن هرولة الكثير من الرؤساء العرب الذين عارضوا خطوته نحو السلام مع إسرائيل، بعد رحيله، أكدت أن الرجل كان أعمق فهماً للمشهد من الجميع. السؤال: هل تعيد الأيام نفسها؟. الإجابة صعبة، لكن علينا ونحن نحاول الاجتهاد فيها أن نأخذ فى الاعتبار أن استعادة مشروعات من أدراج زمان فات مسألة لا بد من التعامل معها بحذر، وأن مقولة أن التاريخ يعيد إنتاج نفسه أحياناً ما تكون مخادعة!.

الخبر من المصدر