علية البوزيدي الإدريسي.. رمضان بطعم السرد والورد

علية البوزيدي الإدريسي.. رمضان بطعم السرد والورد

منذ ما يقرب من 8 سنوات

علية البوزيدي الإدريسي.. رمضان بطعم السرد والورد

في السفر مع عدد من الكتاب والمبدعين العرب للتعرُّف على طقوسهم في الإبداع والكتابة والقراءة خلال شهر رمضان الكريم، نتوقف اليوم مع الشاعرة المغربية علية الإدريسي البوزيدي.\nفي رمضان الحالي تعيد علية الإدريسي البوزيدي قراءة رواية "حذاء فيلليني" للمصري وحيد الطويلة حتى "ترمم رأسها الصغير من المشي حافية القدمين"، ولها موعد مع "أجمل نساء المدينة" لتشارلز بوكوفسكي.\nفي ما يلي نص رد الكاتبة على أسئلة الجزيرة نت حول طقوسها في القراءة والكتابة وشجونه وحنينها في شهر رمضان:\nكنت صغيرة وكانت والدتي تشاركني وجبة الفطور ذاك الصباح، عندما فاجأنا أخي بعودته غير المحتملة من الخارج.. بدت أمي مرتبكة جدا وهي تحاول إخفاء كأس القهوة تحت الطاولة، بينما علت حمرة على وجنتيها من الخجل.\nتمتمت بكلمات لم أفهمها، "سيري الله يمسخك.. فطرتني معاك"، قالت لي بنبرة معاتبة وعينها على كسرة خبز أسمر غمستها في صحن زيت الزيتون.. أخي أيضا بدا مرتبكا وتسمّر في مكانه، قبل أن يذهب إلى الغرفة الأخرى مهرولا. في المساء سمعتها تحكي الواقعة لجارتنا التي جاءت تطلب حبة بصل، ولما انتبهتا لوجودي نهرتني.\nخرجت عند الباب لألعب مع حنان ابنة جارتنا التي تشتكي لأمها كلما صرخت في وجهها لأنها لا تجيد جمع الحجر من الأرض ولا رسم مربعات بالطبشور.. لم أصحُ إلا على صوت انفجار قوي يأتي من مكان قريب.. هرعت أصرخ إلى البيت، تلقفني حضن أمي وبدأت تمسح شعري وهي تضحك.\nفي الركن كانت تجلس جدتي بلباسها الأبيض الأنيق أمام طاولة مليئة بالأكل.. أشارت إلي بحركة من أصابعها أن أقترب، جلست بالقرب منها، ناولتني حبة تمر وكأس حليبها وقامت لتصلي.. بعد الانتهاء عادت لتجلس جنبي لينضم إلى الطاولة كل أهل البيت.\nكانت زجاجة الماء المثلجة قريبة من أخي الذي انهال يشرب منها، في حين كان جدي بلحيته البيضاء ينظر إليه وهو يستغفر الله.. "لا تبدأ فطورك في اليوم الأول بالماء البارد لأنك ستشعر بالعطش طوال الشهر"، قالت أمي وهي تصب لنا كؤوس الشاي.\nهكذا حجزت مكاني جنب جدتي ولمدة شهر.. أحيانا أسمعهم يأكلون في وقت متأخر فأتحايل على النوم وأشاركهم الطبق، وأحيانا أخرى آكل كسرة خبز في الصباح وأشرب كأس شاي بارد، إلى أن تعلمت كيف أخيط أيام الصوم فأصوم اليوم الأول إلى منتصف النهار، واليوم الموالي إلى منتصف النهار أيضا، ليصير في جعبتي يوم كامل من الصوم أحمله في المساء إلى أذن جدي فيناولني درهما وقبلة على جبهتي.\nنعم إنه رمضان الآن، وأنا ما زلت طفلة، لكني أصبحت متسولة أستعير من أصدقائي بعض العناوين، وفي أحيان كثيرة أستعير منهم ورقا لأقرأه بعيوني الذابلة منتصف الليل وأنا أتجول داخل أزقتها وفضاءاتها. أحيانا أجد بيضا في العش فأضطر لانتظار موسم التفقيس كي لا أوقف الرحلة، وأحيانا أغتصب الورق الأصفر كمجرمة حرب فأقتلع ما تيسر من إطناب وحشو لتكون دمائي صافية.\nحاليا أنا أعيد قراءة رواية "حذاء فيلليني" لصديقي المصري وحيد الطويلة حتى أرمم رأسي الصغير من المشي حافية القدمين، وفي الرف ينتظرني موعد مع "أجمل نساء المدينة" لتشارلز بوكوفسكي باقتراح من صديقي أنيس الرافعي، وقد أضيف مفاجآت أخرى.\nباقي رمضان سأقضيه مع البحر، وقد أشتري له باقة ورد، فأنا منذ أن غادرت "تاونات" (شمال شرق البلاد) وأنا أشتري الورد في رمضان حتى لا تذبل أيام الشمس.. لكن في غيابها سأجلس في شرفتي ليلة السابع والعشرين من رمضان أنتظر "النفار" (صاحب بوق نحاسي رفيع ينفخ فيه خلال المناسبات) لأمدّه بصحن قمح كما كانت تفعل أمي، وفي الفجر سأحمل صحنا مماثلا لإمام المسجد، وما تبقى سأعطيه لطالب الحسنات صديق جدتي.

الخبر من المصدر