"مدارج السالكين" .. الجنة تنتظر أهل الحب الخالص لله (2)

"مدارج السالكين" .. الجنة تنتظر أهل الحب الخالص لله (2)

منذ ما يقرب من 8 سنوات

"مدارج السالكين" .. الجنة تنتظر أهل الحب الخالص لله (2)

عطاء الله .. محبة للمؤمن وحجة للعاصي\nالإيمان بالقدر نظام التوحيد .. والتوكل روحه\nعمل صالح بغير إخلاص لله .. مردود لصاحبه\nالزهد والقنوت لا يكفيان العابد بغير عمل يعين المحتاجين\nالله يهدي المؤمنين وبفضله يدخلون الجنة .. لا عملهم\nعبودية أهل الجنة تسبيح مقرون بأنفاسهم لا يجدون له تعبا\nالخلائق عبيد للملك .. وبشرى لمن تعبد طاعة وحبا\nالعابد من خاف الله بقلبه وحفظ جوارحه عما يغضبه\nلازلنا في رحاب “مدارج السالكين” للإمام ابن القيم، وقد دارت الحلقة الأولى حول معان بقوله تعالى “إياك نعبد وإياك نستعين” واليوم نتابع ما قاله الإمام بالعبادة والاستعانة فبدونهما لا يصح الإيمان .\nالله سبحانه يسأله من في السماوات والأرض: يسأله أولياؤه وأعداؤه ويمد هؤلاء وهؤلاء،، ولكن لما لم تكن الحاجة عونا على مرضاة الله ، كانت زيادة في شقاء صاحبها، وبعده عن الله وطرده عنه . وأحيانا يجيب الله لسائليه ليس لكرامة السائل عليه، بل لهلاكه وشقوته. ويكون منع الله النعمة لبعض عباده لكرامتهم عليه ومحبتهم فيمنعها حماية وصيانة وحفظا لا بخلا . فالبعض يسيء الظن بربه حين يرى قضاءه حوائج الغير وحرمانه .\nوينصحك ابن القيم : قدم بين يدي سؤالك الاستخارة، ولا تكن استخارة باللسان بلا معرفة، بل استخارة من لا علم له بمصالحه، ولا قدرة له عليها، ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، بل إن وكل إلى نفسه هلك كل الهلاك.\nوإذا أعطاك ما أعطاك بلا سؤال : تسأله أن يجعله عونا لك على طاعته وبلاغا إلى مرضاته، ، ولا يجعله قاطعا لك عنه،\nالعبادة بلا استعانة : نقص\nهناك من له نوع عبادة بلا استعانة، وينقسم هؤلاء إلى فئة القدرية، فهم موكولون إلى أنفسهم، مسدود عليهم طريق الاستعانة والتوحيد. قال ابن عباس رضي الله عنهما : الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن آمن بالله وكذب بقدره نقض تكذيبه توحيده .\nوهناك من لهم عبادات وأوراد ولكن حظهم ناقص من التوكل والاستعانة، لم تتسع قلوبهم لارتباط الأسباب بالقدر وأنها بدون القدر كالموات الذي لا تأثير له، وأن القدر كالروح المحرك لها، والمعول على المحرك الأول .\nلا يكون العبد متحققا بـ”إياك نعبد” إلا بأصلين عظيمين؛ أحدهما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني الإخلاص للمعبود فهذا تحقيق “إياك نعبد” فأعمالهم كلها لله وأقوالهم وعطاؤهم ومنعم ومعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه الله وحده، لا يريدون بذلك من الناس جزاء ولا شكورا\nيقول تعالى : “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا” وفي التفسير يقول الفضيل بن عياض : العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه . ويقول صلى الله عليه وسلم “كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد”\nوهناك فئة من المرائين الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا وهؤلاء يبشرهم ربهم بعذاب أليم، ويوم القيامة يجيء من يقول يارب جاهدت في سبيلك أو تعلمت العلم في سبيلك أو تصدقت فيقال له كذبت، لقد فعلت ليقال عنك كذا وكذا، فمناط صلاح العمل هو إخلاص القلب، هناك من هو مخلص في أعماله لكنها على غير متابعة الأمر كالجهال في العباد ومن أمثلتهم من اعتقد بأن مواصلة صوم النهار بالليل قربة.\n,وأهل مقام “إياك نعبد” يفضلون أشق العبادات البعيدة عن الهوى وهم يعملون أن الأجر على قدر المشقة، وهناك صنف يميل للزهد والتجرد والتقليل من شأن كل ما هو دنيوي، والعامة من هؤلاء من اعتبروا الزهد غاية كل عبادة، لكن خواصهم يعرفون أنهم مجرد وسيلة لعكوف القلب على الله والتوكل عليه والاشتغال بمرضاته ودوام ذكره .\nوهناك صنف ثالث بمقام “إياك نعبد” يجتهدون لنفع الآخرين كإعالة الفقراء وقضاء حوائج الناس عموما ومساعدتهم بالمال مصداقا لقول الرسول “الخلق كلهم عيال الله . وأحبهم إليه أنفعهم لعياله” ولهذا قالوا فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب . وقد قال رسول الله لعلي بن أبي طالب : “لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم” وهذا التفضيل إنما هو للنفع المتعدي . وصاحب العبادة إذا مات انقطع عمله أما صاحب النفع فلا ينقطع عمله أبدا .\nولهذا فالمؤمن يسعى لتأدية أفضل العبادة في وقتها،من حق للزوجة وعبادة صياما وقياما وتلاوة وذكر ، والجهاد في سبيل الله بأشكاله ومساعدة المحتاج وتعليم الغير وغيرها من الأعمال التي تندرج بالعبادات وهناك صنف من العباد يعتبر أن ذلك هو أفضل العبادات . وهؤلاء أهل التعبد المطلق غير المقيد بشكل، زهد أو نفع الآخرين أو اكتفاء بالتعبد الشخصي، فيجب الجمع بين كل تلك الأشكال.\nوقد أكد ابن القيم أن الجبريين الذين يفعلون الأمور من غير أن يربطونها بسعادة في معاش ولا معاد، محرومون من حلاوة العبادة، وقد أجازوا تعذيب الله للطائعين وتنعيمه للعصاة، فكل شيء راجع لمحض المشيئة، ولا حكمة تقتضي تخصيص هذا بثواب أو عقاب، وشيخ هؤلاء هو الجعد بن درهم ، وقد نفى هؤلاء تكليم الله لموسى أو اتخاذه ابراهيم خليلا، واعتبر أن جميع الخلائق أخلاء!\nوهناك فئة القدرية الذين يقولون بأن العبادات شرعت أثمانا لما يناله العباد من الثواب والنعيم، وأنها بمنزلة استيفاء أجرة الأجير، مصداقا لقوله “إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب” , وقد جعلوا تفضل الله على العبد مجرد اجرة لعمله.\nوهؤلاء يشبههم ابن القيم بمن جاء فيهم الآية “يمنون عليك أن أسلموا، قل لا تمنوا علي إسلامكم، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين”\nوكلا الطائفتان جائرتان منحرفتان عن الصراط المستقيم وهو أن الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب والعقاب، مقتضية لهما كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، وأن الاعمال الصالحة من توفيق الله وفضله وصدقته على عبده أن أعانه عليها، وخلق فيه إرادتها وحببها إليه، وزينها في قلبه وكره إليه أضدادها .\nويضيف ابن القيم إليهما طائفة زعمت أن العبادة رياضة للنفوس كي لا تتحول للصفة البهيمية ، وتحويل لها لصفة العلم القابلة لتلقي العلوم والمعارف، وهؤلاء قصروا على العبادة على مرادهم وليس مراد الله .\nوقد نفى صلى الله عليه وسلم دخول الجنة بالعمل وقال : لن يدخل أحدا منكم الجنة بعمله . قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل” ويقول تعالى : “والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم” .\nأما المحمديون العارفون بالله فهؤلاء عرفوا معنى الألوهية الحقة المستوجبة للعبادة التامة، مصداقا لقوله “وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون” ومن صفاتهم أنهم “يتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا، سبحانك فقنا عذاب النار” فأصل العبادة محبة الله وإفراده بالمحبة واتباع أمره واجتناب نهيه تصديقا للمحبة ومتابعة نبيه مصداقا لقوله “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله”\nويصنف ابن القيم أركان عبادة الله بالتحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه من قول اللسان والقلب وعمل القلب والجوارح .\nوقد جاء الرسول والنبيون كلهم للدعوة لتوحيد الله وإخلاص عبادته ، يقول تعالى “ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت” ووصف الله عبّاده بقوله “إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون” وهو وصف للملائكة الكرام وهم أكمل الخلق، أما البشر فوصفهم بقوله “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا” إلى آخر الآيات المبينة لقيامهم وسجودهم وإنفاقهم في سبيل الله وغيرها من الطاعات. وهؤلاء يبشرهم ربهم بقوله طيا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين” وهؤلاء لا يملك الشيطان سلطانا عليهم .\nوأعلى مراتب العبودية أن “تعبد الله كأنك تراه . فإن لم تكن تراه فإنه يراك” وهو حديث جبريل للنبي “ص” وقد سأله عن الإحسان .\nوالعبادة ملزمة للمؤمنين حتى الموت لقول الله تعالى : “واعبد ربك حتى يأتيك اليقين” وهو الموت بإجماع أهل التفسير. وزادوا بأن هناك عبودية أخرة بالبرزخ حيث يسأل الملكان العبد عن ربه وماذا يقول في رسول الله، ثم هناك عبودية يوم القيامة يوم يدعو الله الخلق كلهم إلى السجود فيسجد المؤمنون ويبقى الكفار والمنافقون لا يستطيعون السجود . فإذا دخلوا دار الثواب والعقاب انقطع التكليف هناك، وصارت عبودية أهل الثواب تسبيحا مقرونا بأنفاسهم لا يجدون له تعبا ولا نصبا .\nوهناك عبودية عامة وخاصة؛ فعبودية أهل السماوات والأرض كلهم لله ، برهم وفاجرهم ، هي عبودية العامة وهي عبودية القهروالملك لقوله تعالى : “إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا” وقوله : “قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون” . وقوله “ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال” .\nوأما النوع الثاني فعبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر، قال تعالى :”فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتعبون أحسنه” ومن هؤلاء يقول تعالى : “أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه”\nوللعبودية مراتب، بحسب العلم والعمل، فأما العلم فهو العلم بالله والعلم بدينه الشرعي والجزائي المتضمن ثوابه وعقابه، وقد جعل في هذا العلم بملائكته وكتبه ورسله. وهناك مرتبة لأصحاب اليمين ومرتبة للسابقين المقربين ، وأصحاب اليمين هم من أدوا الواجبات وتركوا المحرمات مع ارتكاب المباحات وبعض المكروهات، وترك بعض المستحبات.\nوأما مرتبة المقربين فهم من يقوم بالواجبات والمندوبات، وترك المحرمات والمكروهات زاهدين فيما لا ينفعهم في معادهم، متورعين عما يخافون ضرره.\nوخاصتهم قد انقلبت المباحات في حقهم طاعات وقربات بحسن النية في تلقي هذه النعم والآلاء من ربهم العليم الحكيم، فهم في حقلهم ومتاجرهم ومضاعهم عابدون.\nالعبودية مقسمة بين القلب واللسان والجوارح، وحينما يتحدث عن القلب فإن المتفق أنه موجوب عليه الإخلاص والتوكل والمحبة والصبر والإنابة والخوف والتصديق الجازم والنية في العبادة .\nومن موجبات العبادة الصبر، فقال الإمام أحمد : ذكر الله الصبر في تسعين موضعا من القرآن أو بضعا وتسعين، وهو كمال مستحب وواجب مستحق. واختلف العلماء في الرضا فقالوا أن السخط حرام ولا خلاص عنه إلا بالرضا. وكذلك التوكل على الله وخشيته لقوله : “فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين” وكذلك الصدق والمحبة .\nويتحدث ابن القيم عن الخشوع في الصلاة حيث يورد قوله صلى الله عليه وسلم :”إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته، فيقول: اذكر كذا - لما لم يكن يذكر - حتى يضل الرجل أن يدري كم صلي” ولكن لا نزاع أن هذه الصلاة لا يثاب على شيء منها إلا بقدر حضور قلبه وخضوعه . وينبه ابن القيم إلى أن وظيفة “إياك نعبد” على القلب قبل الجوارح\nويشير ابن القيم إلى أن المعاصي نوعان مشهوران؛ كبائر وصغائر، ومن أمثلة الأولى الرياء والقنوط من رحمة الله والشماتة بمصيبة المسلمين ومحبة أن تشيع الفاحشة بينهم وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، وتوابع هذه الأمور كالزنا وشرب الخمر وغيرها من الكبائر الظاهرة . وهذه الكبائر تفسد القلب ويجب التوبة عنها ، وإذا فسد القلب فسد البدن .\nأما الصغائر فمنها شهوة المحرمات، وشهوة الكفر التي هي كفر، وشهوة البدعة التي هي فسق.\nوتبدأ بالنطق بالشهادتين وتلاوة القرآن والأذكار والتسبيح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصدق الحديث ونحوها . ومن المكروهات بخصوصها التكلم بما تركه خير من الكلام به.\nوأكثر ما يكب الناس على مناخرهم في النار حصائد ألسنتهم.\nأما عبودية الجوارح ويقسمها الكتاب لـ25 مرتبة، لكل حاسة من الحواس الخمس أحكامها ما بين الوجوب والكراهة والاستحباب والإباحة والتحريم ، في السمع والبصر واللمس والشم والتذوق.

الخبر من المصدر