رعي الجمال أم الخنازير؟

رعي الجمال أم الخنازير؟

منذ ما يقرب من 8 سنوات

رعي الجمال أم الخنازير؟

حين يكون من المناسب ترديد المثل القائل "ما أشبه الليلة بالبارحة" يكون التاريخ قد أعاد نفسه، أو بالأحرى أعاد أناس سيرتهم الأولى ولم يتعظوا بمصير الأولين.\nالسعودية ومستقبل الصراع مع إيران من سيرث "خلافة" البغدادي؟\nوإذا نظرنا إلى الواقع الذي تعيشه المنطقة العربية، ورجعنا إلى الماضي في مختلف حقبه، سنجد الكثير من التشابه، وأحيانا يكون التشابه كبيرا ما يدفع إلى تذكر تلك العبارة التي تعود أهل الشرق على ترديدها: التاريخ يعيد نفسه.\nحدث ذلك بالأندلس في القرن الأول من الألفية الثانية، حينها وجد ملوك الطوائف أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يرعوا الجمال أو الخنازير. ويؤكد الإخباريون في تلك الفترة أن ملوك الطوائف فضلوا أن يكونوا رعاة للإبل، وسجلوا قرارهم بهذا الشأن حرفيا في كتب التواريخ والسير.\nوفي عصرنا، ربما لا يكون لهذا الخيار ظاهريا مكانته الرمزية القديمة، لكنه في كل حال تساؤل قائم أضيفت إليه أبعادا جديدة بحكم التطور وتغير معطيات العصر، إذا يمكن وصف الحالة السياسية في المنطقة بأنها تشبه عصر ملوك الطوائف لاسيما في السنوات الأخيرة التي تحول فيها أكثر من بلد عربي إلى ما يشبه الأندلس في تلك الفترة العصيبة.\nتقدم ملوك الطوائف المعتمد بن عبّاد، وكان أقواهم وأشهرهم وأكثرهم نفوذا، وكان شخصية جدلية، جمعت الشجاعة والإقدام والفروسية والشعر وأيضا الترف والمجون. وكان ابن عصره، ولم يختلف عن أقرانه من ملوك الطوائف إلا في أنه كان لامعا، وأنه شارك في وضع اللمسات الأخيرة لنهاية دول الطوائف، بما في ذلك عرشه وسلالة ملوك بني عباد.\nتولى المعتمد ابن عباد (1040 – 1095) الحكم في إمارة إشبيلية وهو شاب في الثلاثين، وتمكن من انتزاع عدة إمارات من خصومه منها بلنسية ومرسية وقرطبة، إلا أن ذلك لم يغير من حالة التمزق والفرقة والتطاحن بين الأمراء ولم تتغير موازين القوى داخل معسكر المسلمين ولا في مواجهة مملكة قشتالة، الخصم الذي عمل على إنهاء الحكم العربي للأندلس ودخل مع دويلاته في حرب طويلة مريرة.\nويقول المؤرخون إن "اعتماد البرمكية" زوجة ابن عباد كانت إحدى نقاط ضعفه فقد كان مسلوب الإرادة أمامها يلبي لها كل رغباتها ونزواتها حتى أنه فرش لها ساحة القصر بالطيب وماء الورد كي تستمتع وجواريها بالسير عليه.\nإلا أن الحياة لم تطب له ولملكه، وحين ضاقت الدوائر عليه وحاول ملك قشتالة ألفونسو السادس غزو أراضيه، ولم يجد من من يعينه، لجأ إلى مؤسس دولة المرابطين يوسف ابن تاشفين يستنصره على خصمه.\nوحين حذره بعض خاصته من ضياع ملكه ومن أن ابن تاشفين لن يبقي عليه "فلا يجتمع سيفان في غمد واحد"، قال جملته الشهيرة التي حبرها المؤرخون في كتبهم :"إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير".\nولم يتأخر ابن تاشفين عن نجدة ابن عباد وبقية ملوك الطوائف وعبر بجيوشه المضيق إلى الأندلس حيث دارت معركة الزلاقة في أكتوبر عام 1086 وانتهت بهزيمة جيوش قشتالة.\nوكادت الظنون أن تخيب وأن يبتسم الحظ مجددا لابن عباد، إذ أن ابن تاشفين عاد وجيشه إلى مراكش بعد النصر، وظل جالسا على عرشه محاولا استعادة ما تبقى من أراض من قبضة مملكة قشتالة، إلا أنه لم يحقق الكثير من النجاح في ذلك.\nوما لبث ابن تاشفين أن عاد إلى الأندلس عام 1091 بعد أن رأى خيراتها وعرف قيمتها. وقد عاد هذه المرة شاهرا سيفه ضد ابن عباد، فقصد إشبيلية وانتزعها منه، ثم أسره ونفاه إلى مدينة "أغمات" بالقرب من مراكش حيث توفى في قلعتها بعد أربع سنوات.\nوعلى الرغم من أن ابن عباد لم يرع جمال ابن تاشفين، إلا أنه ذاق وأسرته شظف العيش بعد أن تمرغوا طويلا في نعيم الترف. وكانت بناته يغزلن ويبعن المنسوجات في السوق كي يقمن أوده في سجنه، هكذا دارت به الأيام كما دارت بغيره ممن مروا بنفس الطريق.

الخبر من المصدر