دراسة إسرائيلية: الغنوشي لن يكون السيسي

دراسة إسرائيلية: الغنوشي لن يكون السيسي

منذ ما يقرب من 8 سنوات

دراسة إسرائيلية: الغنوشي لن يكون السيسي

خلصت دراسة إسرائيلية نشرها معهد القدس للشئون العامة والسياسية لـ"تسفي مزئيل" السفير الإسرائيلي السابق في مصر إلى أن حزب النهضة التونسي ورغم إعلان زعيمه راشد الغنوشي فصل العمل الدعوي عن السياسي، فإنه يختلف جملة وتفصيلا عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي دعا لثورة دينية على جذور الإسلام الداعية للعنف والتطرف على حد قوله.\nصوت المؤتمر العاشر لحزب النهضة الإسلامي التونسي الذي انعقد في مايو الماضي بأغلبية 75% على تغيير هويته من "جماعة إسلامية تقليدية" إلى "حزب مدني وطني". كذلك فاز راشد الغنوشي زعيم الحركة منذ تأسيسها بتأييد يصل إلى نسبة مشابهة من ممثلي الحزب وانتخب لولاية جديدة. تعهد بمواصلة إصلاح الحركة على طريق الاعتدال والوسطية.\nفي خطابه أمام المؤتمر قال الغنوشي إن حركته تعتمد منذ تأسيسها على تطوير صورتها ومواكبة العصور الجديدة بشكل مواز من تطور تونس. وهي تدرك إنجازات الدولة في مجالات حقوق المرأة والصحة والتعليم، وسوف تواصل تطويرها بما يتماشى مع متطلبات المجتمع والدستور.\nكما قال إن قرار الفصل بين البعد السياسي والنشاط الدعوي ليس انتهازيا أو استجابة لتلك الضغوط بل قمة التطور التاريخي. وأضاف الغنوشي :"نريد أن ننأى بالدين عن الصراعات السياسية وندعو لتحييد كامل للمساجد بعيدا عن خصومات السياسة، وعن التوظيف الحزبي حتى تكون المساجد جامعة لامفرقة".\nلا يسعى الغنوشي لإصلاح الخطاب المتشدد للإسلام الذي لا يناسب العصر الحديث والذي حال دون تطور الدول الإسلامية. يواصل هذا الخطاب الديني المتأصل في أساس الإسلام تشجيع التطرف، وخلف لاسيما في الوقت الراهن التنظيمات الإجرامية مثل القاعدة وطالبان وداعش وبوكو حرام وغيرهم الكثير الذين ألحقوا الأذى بتطور الدول العربية والإسلامية وبأمن واقتصاد العالم بأسره.\nكذلك لم يدع الغنوشي لفصل الدين عن الدولة وفقا للقانون، مثلما حدث في أوروبا مطلع القرن الماضي. إنه يطلب فقط من رجال الدين عدم التدخل في السياسة. على وجه الغنوشي بدا أنه يبحث عن مخرج ما للنفق المظلم الذي وصل له حزبه ليكون بإمكانه تبنيه على الساحة الداخلية دون أن يضطر للاصطدام بمبادئ الإسلام التي قاتل من أجلها طوال حياته.\nالإسلام في جوهره دين جامع يشمل كافة مناحي الحياة الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بدءا من قواعد اغتسال الفرد، وصولا لإدارة الدولة والاقتصاد.\nالإسلام هو دين ودولة، قائم على قوانين الشريعة والقرآن والسنة. هذه المبادئ الأولية رافقت الإسلام من مهده. وتنبع من مؤسس الدين نفسه النبي محمد الذي كان زعيما دينيا وسياسيا وكذلك رجلا عسكريا ويمثل النموذج الكامل الذي يجب الاقتداء به. فرض الإسلام على قبائل العرب، وأقام الدولة الإسلامية الأولى وخرج لغزو الشرق الأوسط ونشر الإسلام هناك، لكن وفاته المبكرة تركت المهمة لخلفائه الأربعة الذين يسمون الخلافاء الراشدين وأولئك الذين جاءوا من بعده.\nالوحيد الذي تجرأ على الهجوم وجها لوجه على هذه المشكلة المعقدة حتى الآن هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. في خطاب مفاجئ وغير متوقع أمام علماء الأزهر بمناسبة المولد النبوي بداية يناير 2015 لم يتردد في القول بشكل واضح إن الإسلام يتضمن خطابا متشددا لا يناسب العصر الحديث، جعل المسلمين "مصدر ألم وخطر وقتل ودمار باقي العالم".\nلهذا قال السيسي "نحتاج ثورة دينية أنتم يا علماء الدين مسئولون أمام الله. العالم بأسره ينتظر خطوتكم القادمة لأن هذه الأمة تتقسم وتتدمر وتضيع بأيدينا نحن". عاد وأكد أن على علماء الأزهر، أكبر مؤسسة سنية في العالم القيام بإصلاحات من شأنها تجديد الخطاب الديني والسماح باندماج الأمة الإسلامية في الحياة العصرية.\nالغنوشي ليس سيسي جديد، بالنظر إلى تاريخه الشخصي من المشكوك فيه جدا إن كان بإمكانه إدارة ظهره للإسلام الشامل السياسي الذي يؤمن به منذ نعومة أظافره، وعلى قاعدة تعليمه ونشاطه السياسي الديني. فقد سعى طوال حياته لفرض الإسلام على الدولة.\nترعرع الغنوشي في أسرة دينية ودرس القرأن شفويا. في سن صغير اندمج في الإخوان المسلمين خلال دراسته وسفره للقاهرة، ودمشق وباريس- ما أدى لاطلاعه على كتابات حسن البنا وسيد قطب وباقي المفكرين الذين دعوا بداية القرن الماضي للعودة إلى قيم الإسلام وإعادة إقامة خلافة إسلامية. هكذا تشبع الغنوشي بالأيدلوجية الإسلامية الراديكالية التي أقيمت على أساسها جماعة الإخوان المسلمين وبعدها باقي التنظيمات المتشددة.\nيضيق المقام للحديث عن النشاطات الإسلامية للغنوشي. أنشأ في تونس عام 1972 الجماعة الإسلامية التي عملت على تطبيق قيم الإسلام والتي تطورت إلى حزب سياسي- “حزب الاتجاه الإسلامي في 1981 وبعدها في 1989 حركة النهضة الإسلامية مستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين.\nلم ينخرط وحزبه فقط في نشاطات سياسية ودعوية بل أيضا في أعمال عنف. اعتقل وسجن مرتين. وفي النهاية وبعدما سجن الرئيس بن علي عشرات الآلاف من أعضاء حزبه وأغلق صحيفته في 1991، فضل الغنوشي المنفى واختار لندن قاعدة لنشاطه حتى عاد لتونس في يناير 2011 بعد الإطاحة بالرئيس.\nفي فترة منفاه كان ناشطا في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وعضو في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وأمينا مساعدا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهما تنظيمان تابعان للإخوان في أوروبا بقيادة الداعية يوسف القرضاوي. موقف الغنوشي فيما يخص الصراع الإسرائيلي العربي متطرف للغاية ويؤيد اختفاء إسرائيل.\nخلال صياغة الدستور في تونس بعد الثورة طالب حزبه بإدخال مادة تحظر أية علاقة مع إسرائيل- وهي المادة التي رفضت بتصويت الأغلبية.\nفي الانتخابات الأولى بعد الثورة فاز حزبه النهضة بأغلبية نسبية 29% وشكل حكومة ائتلافية برئاسة الأمين العام للحزب حمدي الجبالي. ركبت النهضة الموجة الإسلامية التي أغرقت الدول العربية في أعقاب ما سمي بالربيع العربي وأدت لفوز أحزاب الإخوان المسلمين في مصر والمغرب.\nبدا وقتها أن الشعوب العربية رأت في الإسلام عنصرا هاما في هويتها وعلاجا للفساد والديكتاتورية التي سادت قبل ذلك. الغنوشي حاول تهدئة الجمهور بقوله إنه لن يرشح نفسه للرئاسة وفتح الطريق لتوازن السلطة: حكومة إسلامية ورئيس ليبرالي. مع ذلك سرعان ما فتحت الجماهير أعينها سواء في مصر أو في تونس.\nالتونسيون الذين تعودوا منذ استقلال بلدهم على الانفتاح الديني والمجتمعي على يد الرؤساء بورقيبة وبن علي في مجالات التعليم الذي كان علمانيا في أساسه وتطوير وضع المرأة، سرعان ما لاحظوا ظواهر مقلقة. عاد الحجاب للشوارع وهوجمت النساء بسبب ملابسهن الغربية، وبدأت تشريعات إسلامية في الزحف بسرعة.\nبشكل مواز زاد رؤساء جماعات سلفية، شعروا أنهم حصلوا على كارت أخضر ،من ضغوطهم على الحكومة والجمهور لزيادة الأسلمة. ونشأت أزمة سياسية وتزايد العنف في الشارع. قتل شخصان من رموز المعارضة. صحيح أن الغنوشي حاول تهدئة الموقف، وقال إنه لا يسعى لإقامة دولة إسلامية لكنه يطمح في جلب الحداثة لبلاده. وكرد عليه كتب في إحدى الصحف أن الغنوشي يريد أسلمة الحداثة بينما يريد الشعب "تحديث" الإسلام. كذلك تبين أن الغنوشي أيد حرية تصرف الجماعات السلفية.\nاستمرت الأزمة السياسية والعنف في الشوارع، تضرر الاقتصاد وقرر رئيس الوزراء الجبالي تقديم استقالته. تطورت أزمة داخلية في الحزب وعين بدلا منه أمينا عاما جديدا هو علي العريض. لكن لم تهدأ الأزمة لأن الجماهير فقدت ثقتها في النهضة وواصل السلفيون إشعال الشارع.\nلم يكن أمام النهضة أي حل ووصلت الأزمة حد الغليان حتى أمر الغنوشي أصدقاءه بمغادرة الحكومة لتخفيف حدة التوتر. بدا بذلك أن الغنوشي أنقذ حزبه من المصير المر للإخوان المسلمين في مصر الذين أبعدوا بالقوة عن الحكم في أعقاب ثورة شعبية ومساعدة عسكرية، وأُعلنت الجماعة كتنظيم إرهابي و منعوا من المشاركة في الحياة السياسية.\nهذه الخطوة سمحت أيضا للنهضة بالتعافي والاستعداد للانتخابات المقبلة من موقع قوة. وبالفعل في الانتخابات التي أجريت في 2014 نجحت النهضة في الحفاظ على مكانة محترمة وكانت ثاني أكبر حزب.\nالهدف من قرار تغيير هوية الحزب\nبدا أن اجتماع المؤتمر العام العاشر للحزب وقرار تغيير هويته لتصبح "غير إسلامية" هدف لتهدئة التونسيين، وإظهار الاستياء من الإسلام الراديكالي وتعزيز الحزب استعدادا للاختبارات في المستقبل- الانتخابات البلدية في العام المقبل وانتخابات الرئاسة في 2019.\nالإعلام الدولي، الذي امتنع خلال السنوات الماضية عن دراسة الإسلام وكشف التطرف الكامن به، تلقف كالعادة بالفرحة قرار "وسطية" مؤتمر النهضة ورأى فيه "دليلا" على أن أنها لم تكن سوى حزب إسلامي معتدل وأن هناك دلائل أخرى على اندماجها في الساحة الداخلية التونسية المعروفة كواحدة من المجتمعات الليبرالية في العالم العربي.\nلكن ليس لدى النهضة أية نوايا للابتعاد عن الساحة السياسية أو نسيان هويتها الإسلامية. وكذلك الحال بالنسبة للغنوشي. إذا أراد فعلا وبصدق تغيير جوهر حزبه وملائمته مع الحاضر كان عليه إخلاء موقعه لشخصية شابه ليبرالية لربما كانت تقود لاتجاه مغاير.\nفي الأثناء، يبقى الغنوشي الزعيم الراسخ للحزب، وعلى خلفية إيمانه العميق بالإسلام ونشاطاته طوال حياته يتضح أنه غير مستعد لإحداث تحول جوهري وبالطبع عدم  الدعوة لإصلاح في الإسلام كما فعل السيسي. يمكن الافتراض أننا سوف نسمع كثيرا عن ذلك الحزب.

الخبر من المصدر