محمد فضل الله الزغلامي يكتب: سوريا ومصر في المستقبل ٢ | ساسة بوست

محمد فضل الله الزغلامي يكتب: سوريا ومصر في المستقبل ٢ | ساسة بوست

منذ ما يقرب من 8 سنوات

محمد فضل الله الزغلامي يكتب: سوريا ومصر في المستقبل ٢ | ساسة بوست

منذ 12 دقيقة، 4 مايو,2016\nحفيدي العزيز، ها أنا أكتب لك رسالة أخرى حتى لا يخدعك الذين خدعونا من قبلك.\nنعم نجوت أنا وجدتك ووالدك الصغير، لحسن حظنا لم تختر عصابات التهريب أي واحد منا فقد قرروا الإلقاء بثلاثة شبان رأى فيهم رئيس العصابة الشروط الكافية، فاثنان منهم لا أهل لهما ليبكوهما ولا أطفال لديهما ليبقوا يتامى، أما الثالث فعاهته المستديمة أقنعت أفراد العصابة بأن لا جدوى من بقائه على قيد الحياة.\nأنزلونا من القارب قبل الوصول إلى اليابسة بأميال، كنت مجبرًا فيها على السباحة، كنت أحمل والدك على أعناقي بينما أمسك بيد جدتك بكل ما أوتيت من قوة.\nما إن وطأت أقدامنا الأراضي اليونانية حتى بدأنا في السير برفقة المئات من المهاجرين، كان والدك يلتفت خلفه باستمرار ويهمس باسم طبيب الأطفال الذي عالجه ذات يوم في حلب. كنا نتجاوز الحدود تلو الأخرى، تارة نحاول الابتعاد عن أعين حراس الحدود، وتارة نستجدي عطفهم حتى يسمحوا لنا بالمرور إلى أن وصلنا إلى الحدود المجرية.\nوضعونا في أقفاص حديدية كبيرة لا جدوى منها أمام الأمطار والثلوج والرياح التي أنهكت أجسادنا، ها أنا الآن جالس أنظر إلى والدك الذي ينام في أحضان جدتك، وأكتب إليك هذه الرسالة.\nكما أخبرتك في الرسالة السابقة فإنه على عكس ما درسته، بشار الأسد طاغية يا ولدي، إلا أني نسيت أن أحذرك من جنده، جند من نوع آخر، سلاحهم الكلمة والقلم، سيخبرونكم في المدارس بأنهم فنانون ومثقفون وعلماء، فلا تصدق هذا الهراء.\nلا تصدق أن الفن سلاح ضد الديكتاتورية، وأن الصحافة مهنة الشرفاء، فدريد لحام الذي حدثوكم في حصة المسرح بأنه فنان إن هو إلا وحش! نعم! فهو لا يكف عن التحريض على أبناء بلدك سوريا ومدينتك حلب، يدعو إلى قصفهم وحرقهم، يتهم الرضّع بالإرهاب، لا يا بني، هو ليس كغوار الطوشة، دريد قتل غوار يا حفيدي، سرق أحلامه وسلب حقوقه وسلمه لبشار.\nوكنانة علوش، نعم، تلك الصحفية والمراسلة التي يتباهى بها الإعلام، إن هي إلا وحش آخر يتغذى على جثث الأبرياء ورائحة دمائهم العطرة.\nيا حفيدي، وأنا أكتب لك هذه السطور، يدك الطيران الروسي حلب، يصارع الآباء بكل يأس أكوام الحجارة التي هوت على رؤوس أطفالهم، يركض رجال الإنقاذ بين أزقة المدينة في كل الاتجاهات علهم ينقذون أكبر عدد من المدنيين، تصرخ النساء أمام آلات التصوير في محاولة لإيقاظ العرب!\nلا يا بني، لا تلم إخوانك العرب، فالتونسيون عاجزون، جلادوهم عائدون، ومثقّفوهم بالقرآن كافرون وأساتذتهم الجامعيون لبشار الأسد راكعون.\nأما المصريون، تذكّرت! أخبرتك سابقًا بأن لك أخًا في مصر، وطلبت منك أن تحذره من الجيش المصري، سأمدك بالمزيد من النصائح حتى تنقلها إليه.\nقل له بأن السير بالقرب من سيارات الشرطة في مصر يعتبر تهمةً، والنظر في وجوه أفراد الأمن المكفهرة جريمة، قد يُعتَقلُ بسببها ولا يرى النور مرة أخرى.\nأخبره بأن لا يتعلّق بالأرض كثيرًا، فحكام مصر لا يتوانون في عرض تراب الوطن على رواد المزاد العلني.\nامنعه من السير خلف المعارضة المصرية، فأغلب قياداتها دمى لا تنطق ولا تتحرك إلا بأمر سيّدها، تمام كحمدين صباحي وخالد علي.\nلا تستغرب، فخالد علي ليس بنقابي ولا مدافع عن المظلومين، سأخبرك بقصة عنه، هل حدثوكم عن جمعة الأرض التي نفذها حسب كتاب التاريخ المصري «إرهابيون»؟ جيد، يومها، كان المتظاهرون عازمين على إنقاذ شرف مصر، دخل بينهم خالد علي تمامًا كحصان طروادة، وبعد أن تزعّم المسيرات، نسق مع قتلة الشباب وخطب في الحاضرين بأن موعدهم بعد أسبوع، وفي اليوم الموعود غاب حصان طروادة.\nأخيرًا يا بني أخبرك وإياه بأن لا فائدة من المجتمع الدولي بمؤتمراته وقياداته وتصريحاته وقراراته، إن أقصى ما يمكنهم فعله هو الدعوة في مؤتمر «جنيف ٢٥» إلى عقد قمة «الرياض ٣٠».\nفقط ارفع رأسك، وقل لهم قول الشاعر:\nكحلًا لعين الشمس في الفلـوات\nأتظـن أنك قـد طــمست هويتي\nعبثًا تحاول، لا فنـــاء لثائر\nأنــــا كالقيامة ذات يـــــوم آت».\nعليّ أن أذهب الآن يا ولدي، فحراس الحدود المجرية جاؤوا ليمطرونا بقليل من الطعام، سأحاول أن ألتقط رغيفي خبز لجدتك ووالدك الصغير.\nهذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

الخبر من المصدر