عائلة سورية عالقة في إيدوميني: هل سمع العالم بمأساتنا؟

عائلة سورية عالقة في إيدوميني: هل سمع العالم بمأساتنا؟

منذ 8 سنوات

عائلة سورية عالقة في إيدوميني: هل سمع العالم بمأساتنا؟

"لا أرغب في رؤية فلذات كبدي تموت أمام عيني اختناقاً من قنابل الغاز أو بسم الثعابين وأنا عاجز على إنقاذهم"، يقول يوسف شيخ وهو يحضن رضيعه باران الذي لم يتجاوز يومه الخامس والعشرين من العمر. ولد الرضيع في ليلة رعدية ماطرة منتصف شهر آذار/ مارس الماضي، لذلك أطلق عليه يوسف اسم باران، ويعني ذلك بالكردية "المطر". "تلك الليلة لن تمحى من ذاكرتي أبداً.. انتابني خوف كبير أن تجرف الأمطار والرياح خيمتنا فأفقده هو والدته"، يضيف يوسف في حديثه لـDW عربية بنظرة يائسة ومرهقة.\nلازال الخوف يسكن يوسف حتى اليوم، لكنه خوف من مستقبل غامض ومصير معلق، إذ ينتظر اللاجئ السوري الكردي في خيمته البلاستيكية منذ أكثر من شهرين أن تُفتح الحدود، لكن دون جدوى. كما ينتابه الخوف من أن يفقد طفليه موتاً بلدغة أحد الثعابين المنتشرة في المكان بسبب ارتفاع درجات الحرارة. بيد أنه ليس اللاجئ الوحيد الذي ينتظر في إيدوميني.\nآلاف الخيام البلاستيكية نُصبت في إيدوميني على الحدود اليونانية المقدونية\nأكثر من عشرة آلاف لاجئ أغلبهم من سوريا والبقية قدموا من العراق وأفغانستان وباكستان ينتظرون أن تفتح مقدونيا حدودها ليواصلوا رحلة العبور. حرارة الطقس في النهار تتجاوز 35 درجة وفي الليل الدامس تنخفض إلى ما دون عشر درجات. لذلك يعتبر الحطب للاجئين مصدراً مهماً للإضاءة والتدفئة.\nيقع مخيم إيدوميني في وسط سهل مفتوح ونائي تحيطه جبال شاهقة ويفصله عن مقدونيا سياج حديدي يحرسه عشرات الجنود المقدونيين بأسلحة ثقيلة.\nومن يرغب في سلك طريق آخر عليه بالمخاطرة عبر التوغل في الأدغال المقدونية، لكن نسبة عبورها على قيد الحياة ضئيلة للغاية. يخيم على المكان الهادئ حالة من اليأس بسبب النقص الكبير في المياه العذبة والمواد الغذائية والطبية. لكن ذلك لا يمنع اللاجئين من الاحتفال والغناء سوية وإعداد الشاي وتجاذب أطراف الحديث.\nوتساعدهم على تحمل هذا الوضع والتخفيف من حدته منظمات إنسانية كمنظمة أطباء بلا حدود والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما يمد المتطوعون يد المساعدة للتخفيف من معاناة اللاجئين، لكن طاقاتهم قاربت على النفاذ.\nصبر الشاب السوري يوسف قارب هو الآخر على النفاذ، فقبل عامين نزح يوسف من مدينة عفرين السورية مع عائلته إلى البقاع في لبنان وهناك واصل الشاب السوري (27 عاماً) مهنته كخباز لدى أحد أرباب العمل اللبنانيين.\nظهور الثعابين بسبب ارتفاع درجات الحرارة بات مشهداً يومياً في مخيم إيدوميني\nثم انتقل بعدها إلى أزمير التركية ليتعرض إلى الاستغلال المادي كما يقول لـDW عربية، مضيفاً: "كنت أعمل 14 ساعة في اليوم وأتقاضى مبلغ 40 ليرة تركية، فيما كان يتقاضى زملائي الأتراك ضعف ذلك وعندما اشتكيت أمري إلى صاحب المخبز، طردني من العمل". هذا الأمر دفع يوسف إلى المجازفة وركوب البحر مع صهره وعائلته إلى اليونان.\nبعد آلاف الكيلومترات من المشي وصل أخيراً إلى إيدوميني، لكن متأخراً. إذ كانت مقدونيا قد أغلقت حدودها قبل ثلاثة أيام من وصوله هناك. "ربما هو حظي البائس أو أن القدر شاء أن توصد الأبواب في وجوهنا"، تقول سافان زوجة يوسف. تتحسر سافان لإضاعتها الوقت في أثينا، إذ بقيت هناك مع زوجها وبعض الأقارب في أحد المخيمات لمدة أسبوع وبعدها شدوا الرحال إلى إيدوميني.\nوبعد مرور أسابيع، مازالت سافان تحلم يوماً ما بمواصلة الرحلة إلى ألمانيا رغم الظروف الإنسانية البائسة، وما يجعلها متفائلة هو إيمانها بحصول معجزة ما في أي لحظة. تفسر ذلك بالقول: "ربما تتدخل المستشارة الألمانية ميركل للضغط على المقدونيين ليفتحوا لنا الحدود". وتضيف سافان بالقول: "نجونا من الحرب وعبرنا البحر وقطعنا الحدود. نقف في منتصف الطريق ولا أريد أن نعود أدراجنا إلى أثينا لأن كل جهودنا ستذهب هباء".\nتخشى سافان العودة إلى أثينا لأسباب عديدة، فهناك احتمال - في رأيها- أن يحصلوا على حق اللجوء في اليونان وهي لا ترغب في ذلك لأن الحكومة اليونانية لا تقدم امتيازات مادية تمكن اللاجئ من بدء حياة جديدة.\nوهناك احتمال آخر يثير مخاوف سافان وهو ترحيلها هي وعائلتها من أثينا إلى تركيا بمقتضى الاتفاق الأوروبي التركي الذي يسمح بترحيل لاجئ سوري إلى تركيا مقابل عبور لاجئ آخر بصفة شرعية إلى دول الإتحاد الأوروبي.\nظروف الحياة الصعبة في المخيم وارتفاع درجات الحرارة تزيد من معاناة الأطفال\nفي المقابل، يصر زوجها يوسف على مغادرة المخيم والتوجه إلى العاصمة أثينا. "وصلت اليونان حاملاً معي مبلغ 500 يورو لتمويل رحلة الوصول إلى ألمانيا، والآن أفلست بعد أن صرفت كامل المبلغ هنا في هذا المخيم. لا أريد أن اقترض المال، لأني اقترضت الكثير للوصول إلى هنا".\nمنذ شهرين يضطر يوسف كل يوم للانتظار في طابور طويل لساعات للظفر بوجبة غداء لطفليه يتكون من برتقالة ورغيف خبز وصحن من حساء الخضروات. لكن ذلك لا يكفي ليبقى الرضيع باران على قيد الحياة.\nيتسائل يوسف في ختام حديثه لـDW عربية متعجباً: "هل سبق للعالم في الخارج أن سمع فعلاً بمأساتنا أم أن صمماً أصابه؟!".\nيأس الشاب السوري من إيجاد الدول الأوروبية لحل لأزمتهم زاده انتشار الأخبار بشأن استمرار غلق الحدود لأشهر أو إجلاء قوات الأمن اليونانية للمخيم بالقوة. هذه هي الدوافع التي ترغمه على الرحيل. إذ يقول: "في أثينا يمكن العيش بكرامة.. هناك غرف مزودة بالماء الدافئ ومطبخ وأسرة مريحة، يمكن النوم عليها باطمئنان".

الخبر من المصدر