الفيدرالية الصومالية: عودة الي زمن رعاة الإبل؟

الفيدرالية الصومالية: عودة الي زمن رعاة الإبل؟

منذ 8 سنوات

الفيدرالية الصومالية: عودة الي زمن رعاة الإبل؟

استبشرت الأوساط السياسية في الصومال عندما طُرح مشروع الفيدرالية كنظام للحكم في البلاد، وتم تصوير المشروع على أنه بوابة إلى الديمقراطية والحكم الرشيد في البلاد، التي عانت من سنوات طويلة من حكم الحزب الواحد ذي الخلفية العسكرية والقبضة الحديدية للحكومة المركزية. ويرجع أصل مشروع الفيدرالية إلى مخاوف قبلية غريزية من عودة الحكم التسلطي، الذي انهار في بداية التسعينيات، ولم يكن مشروعاً مبنيًّا على حاجة مدروسة إلى هذا النظام من الحكم يعبر عن ظروف موضوعية.\nوبعد مرور أكثر من خمسة عشر عاماً على طرح مشروع الفيدرالية، فإنه لا يزال الشغل الشاغل للأوساط السياسية، على الرغم من عدم الاهتداء بعد إلى نموذج فيدرالي يمكن تطبيقه على الصومال كنظام للحكم، ويتوزع دعاة الفيدرالية الصوماليون بين النماذج السويسرية والأميركية والإثيوبية والإماراتية والبرازيلية والنيجيرية والماليزية.. وكل ما يخطر بالبال من الدول والأمم، في مشهد أقرب الي المخيال الجامح أكثر منه إلى الطرح العقلاني أو التصور السياسي الممكن.\nوعلى الرغم من الرنة الجميلة لمشروع الفيدرالية، إلا أن محور هذا المشروع انتهى إلى "الفيدرالية القبائلية" أي إلى كيانات قبلية صريحة لا تختلف عما كانت عليه الأوضاع قبل الاستقلال، بحيث إن كل قبيلة تدعي ملكية مساحة من الأراضي ترعي فيها إبلها، ويحكمها شيخ عشيرة واحد أو أكثر، يستمد نفوذه العسكري والأدبي من أبناء قبيلته، على أن يكون لها حق الانتشار والتحرك في أراضي القبائل الأخرى بشكل ودي.\nونسي دعاة الفيدرالية أو يتناسون بأن هذا الوضع كان مناسباً لأجدادنا (الذين كانوا بطبيعة الحال أكثر حكمة ورجولة من سياسيينا اليوم. وهذا له قصة أخرى) ولم يعد يناسب دولة عصرية مهما يكون حجمها أو عدد سكانها، وسواء كانت في العالم المتقدم جدًّا أو المتخلف جدًّا.\nليس لي موقف ضد أو مع النظام الفيدرالي، ولكنني أنظر إلى الأمور من زاوية رئيسية ومهمة، وهي: هل تحقق الفيدرالية الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية أو السياسية في الصومال، هل تساهم في تعزيز الوحدة والديمقراطية والحكم الرشيد في البلاد؟ بالطبع لا. فالفيدرالية في نسختها الصومالية تساهم في تعميق المشكلة الصومالية وستفرخ مشكلات ونزاعات أخرى بين الصوماليين في المستقبل، هذا إذا لم تؤدِّ إلى تفكيك البلاد بشكل فعلي.\nوهناك أسئلة مشروعة لا يريد أي من دعاة الفيدرالية الإجابة عنها وهي: هل الفيدرالية بصيغتها القبائلية الحالية إجبارية أم اختيار شعبي؟ من يحدد عدد الأقاليم الفيدرالية؟ من سيرسم الحدود بين الأقاليم؟ من يحدد تداخل العلاقات السياسية والأمنية والإدارية بين الأقاليم الفيدرالية والحكومة المركزية؟ من يدير العلاقات مع دول الخارج وتحديداً دول الجوار.. الحكومة المركزية أم الأقاليم؟ من يكون مسؤولاً عن حماية الحدود، وكذلك إدارة المعابر التي هي بمثابة الحدود، مثل الموانئ والمطارات؟ من يكون مسؤولاً عن الطرق والمواقع السيادية؟ من سيكون مسؤولاً عن سياسات التعليم؟.. إلخ.\nهذه الأسئلة وغيرها هي من الأشياء المسكوت عنها حالياً، وهي بمثابة ألغام ستنفجر على الجميع واحدة تلو الأخرى، ومع ذلك فهي غائبة حالياً عن التداول في المؤتمرات والاجتماعات التي تعقد في الداخل والخارج حول مشروع الفيدرالية الصومالية.\nإن مشروع الفيدرالية الذي لا يزال في مراحله الأولى حالياً هو الذي يسمم العلاقة بين قادة الحكومة المركزية وبعض حكام الأقاليم، بحيث وصلت الأمور إلى أوضاع سياسية في غاية السوء، وتراشق بالتصريحات خارجة عن الأدب واللياقة، ما استدعى أحياناً أن تكون هناك وساطات خارجية بين الطرفين، لم تخلُ من ليٍّ للأذرع وإملاءات من هنا وهناك.\nويظهر من بعض مواقف قادة إقليمي "بونت لاند" وجوباً أنهم في حالة تمرد علنية ضد الحكومة المركزية في مقديشو، وهذا الأمر يرجع إلى أسباب عدة لكن النعرة القبلية المغلفة بالمطالب السياسية المشروعة وغير المشروعة، هي الغالبة على هذه المواقف. وهذه المواقف المتمردة لن تكون قاصرة على هذين الإقليمين، وإنما في نظري سيكون هناك تبادل للمواقع بين حكام الأقاليم في الموقف تجاه الحكومة المركزية.\nعلى سبيل المثال الرئيس الحالي، "حسن شيخ محمود"، ينتمي إلى قبيلة "الهَوِيَا"، وكل من السيد "عبد الولي جاس"، حاكم إقليم "بونت لاند"، والسيد "أحمد مدوبي" حاكم إقليم "جوبا لاند" ينتميان إلى قبيلة الـ"دارود"، وبناء عليه فإن المزايدات السياسية من الإقليمين على الحكومة المركزية تكون على أشدها في حال وجود رئيس من قبيلة "الهَوِيَا" في رئاسة الدولة. ولكن إذا حدث العكس، وجاء رئيس من قبيلة الدارود إلى الحكم، فإن العلاقة مع "بونت لاند" و"جوبا لاند" ستكون برداً وسلاماً، وسيرفع إقليما "جلمدغ" و"هيران/شبيلي" (وهما من قبيلة "الهَوِيَا") لواء التمرد من جديد.\nوقد تكون القصة مختلفة في حالة مجيء رئيس من القبائل الصومالية الأخرى، وهذا سيكون سابقة سياسية في الصومال، إذ إن منصبَيْ رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، كانا حكراً على قبليتي "الهَوِيَا" و"الداورد" منذ الاستقلال وحتى الآن، ويبدو أن هذا العرف الرديء سيستمر إلى أن تكون هناك معطيات جديدة في البلاد سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، أو الديمقراطي.\nإن مشروع الفيدرالية الصومالية بنسخته الحالية لا يصب في صالح الدولة الصومالية، وإنما يصب في مصالح دول الجوار التي تريد أن يعود الصوماليون إلى وضعية رعاة الإبل قديماً، وإلهائهم بقضايا تافهة حتى لا يكون لهم تأثير في مجريات الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، وأعتقد أن دعاتها لن يجنوا من اللهاث وراءها إلا قبض الريح، أما نحن -غالبية الشعب الصومالي- فيكون نصيبنا مزيداً من الألغام الفيدرالية المتفجرة التي ستكون الانفجارات المحسوسة حالياً في البلاد مجرد لعب عيال.. والأيام بيننا.\nالتدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الخبر من المصدر