"عرب ويهود"، هذه اللعبة التي يتوارثها أطفال فلسطين منذ عشرات السنين

"عرب ويهود"، هذه اللعبة التي يتوارثها أطفال فلسطين منذ عشرات السنين

منذ 8 سنوات

"عرب ويهود"، هذه اللعبة التي يتوارثها أطفال فلسطين منذ عشرات السنين

منذ زمنٍ بعيد يميل الأطفال في أرجاء فلسطين المحتلة إلى لعبة شعبية تُعرف بـ"عرب ويهود". يتوارثونها منذ النكبة إلى الآن وستأخذها عنهم الأجيال المقبلة.\nكل فلسطيني لا بد أنه خاض غمار هذه اللعبة العسكرية مع أولاد حارته بطريقةٍ أو بأخرى. فأبرز ما يُميز أطفال فلسطين هي الألعاب العسكرية الشعبية التي فرضت نفسها عليهم نظراً للواقع الذي يعيشونه في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي.\nجذور هذه اللعبة تعود إلى ما قبل نكبة 1948 وتحِمل اسم "عسكر وحرامية" أو "جيش وعرب". لكنها بعد ذلك، بدأت تنتشر في الأوساط الفلسطينية وتتغيّر بعض تفاصيلها وأخذت اسم "عرب ويهود".\nوقال الدكتور إدريس جردات مدير مركز سنابل للتراث الشعبي لرصيف22 إن "هذه اللعبة حُوّرت بين الأطفال بحيث ينقسمون فريقين، أحدهما يُمثّل الفئة المظلومة والمقهورة ولا يتسلّح إلا ببضعة حجارة وأسلحة بسيطة، أما الفريق الثاني فيرتدي بزّة عسكرية ويحمل بنادق بلاستيكية ليقوم بدور الجيش الإسرائيلي".\nشارك غردأطفال فلسطين يلعبون "عرب ويهود" في الأزقة وتفاصيل اللعبة تتغيّر مع تغيّر الظروف السياسية\nشارك غردمنذ ما قبل 1948، يلعب أطفال فلسطين لعبة "عرب ويهود" ويجسّدون من خلالها الواقع الذي يعيشونه\nويُفضل الأطفال اللعب في زقاق المخيمات والمناطق الوعرة، منذ ما بعد العصر إلى المساء. وتُوزّع الأدوار على المشاركين بين يهودي وفلسطيني. وتراوح أعمارهم بين ستة أعوام و13 عاماً.\nفي مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، غرب غزة، يلعب الأطفال بشكلٍ دوري لعبتهم المفضلة "عرب ويهود". وفي كل مرة يحدث صراع بينهم حول من سيكون في صفّ العدو ومن سيُمثّل دور المقاوم.\nوقال لؤي محمد، 13 عاماً: "لا يوجد طفل في العالم عايش الموت وكابده مثلنا، فنحن أولاد ثلاث حروبٍ متتالية، سمعنا أصوات الصواريخ ورأينا الموت آلاف المرات وتشردنا، فمن الطبيعي أن تكون لعبتنا المفضلة عرب ويهود".\nوأكثر ما يُحب الأطفال اقتناءه هو الألعاب العسكرية البلاستيكية، كالمسدسات والبنادق والطائرات وغيرها، ليترجموا بها واقعهم في ساحة لعبهم، لا سيما في الأعياد والعطل السنوية.\nوقال لؤي: "يكون الصراع دائماً بسبب أن الكل يريد أن يُمثّل دور المقاوم في اللعبة لا دور اليهودي".\nبين كرٍ وفر بين فريق المقاومة الذي يتبع له لؤي وفريق اليهود، تمتزج أصوات الرصاص الموجّه إلى صدور الشباب الفلسطينيين بعبارات التهليل والتكبير التي يصدرها الفلسطينيون.\nوأشار لؤي إلى أن "حُبّنا لهذه اللعبة لا يعني أننا عدوانيون ونحب الدماء، لكن واقعنا فرض علينا ذلك".\nخلال اللعب، يفضّل لؤي مشهد الاشتباك مع فريق اليهود ومحاصرته، "فيشعرون بالضعف، وحينذاك نبدأ بالتكبير للانتصار عليهم".\nلا يتقبّل مؤمن عماد، عشرة أعوام، الهزيمة ويحبّ الظهور دائماً كشخصٍ قوي بين أصدقائه. وهذا ما جعله يُمثّل دور اليهودي الذي يمتلك العتاد العسكري والقوة الخارقة ويدمّر كل مَن يُخالفه الرأي.\nأنت مقتنع بأن اسرائيل تمتلك القوة لتدمير الفلسطينيين؟ سألناه فأجاب: "ليس دائماً لكنهم يملكون الطائرات والدبابات والجميع يدعمهم ويقف معهم، أما الفلسطيني فيواجه وحده هذا الجيش".\nظلّ مؤمن يمثل دور اليهودي المتغطرس حتى الحرب الأخيرة على قطاع غزة. وقال: "بعدما استشهد أخي محمد، 13 عاماً، في حرب صيف 2014، لم أعد أحب تمثيل مشهد اليهودي، وأصبحت أميل إلى لعب دور المقاوم للانتقام لدماء محمد الذي كان دوماً يُبارزني في اللعبة كمقاوم".\nبعد اشتباك بالأسلحة بين مجموعة من المقاومين الفلسطينيين وعدد من جنود الاحتلال الإسرائيلي، أُصيب أحد الجنود ووقع على الأرض ولم يستطع التحرك. تركه زملاؤه وهربوا جميعاً، ليقع أسيراً لدى المقاومة الفلسطينية.\nهذا مشهد مثلّته مجموعة من الأطفال شمال قطاع غزة. أسر الجنود الإسرائيليين هو طريقتهم الخاصة لتحرير الأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية على غرار ما جرى في صفقة "وفاء الأحرار" التي تمت بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل بعد أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.\nيتابع الأطفال أخبار المقاومة ويطبقونها في ميدان اللعب. يندمجون إلى حدّ الانفعال مع مجريات أحداث اللعبة. وحين تسمع أصوات الضاحكين المستبشرين بالنصر، تظنّ أنك أمام مشهد حقيقي. كذلك يحدث في مشهد الهزيمة، فأحياناً يصِل الأمر بهم إلى البكاء لأن الفريق المضاد انتصر عليهم.\nلم ينفصل الفلسطيني يوماً عن واقعه حتى في لحظات الترفيه عن النفس. انجذاب الأطفال إلى هذه اللعبة هو تجسيد منهم لواقعهم الذي يعيشونه منذ سنواتٍ طويلة، فمَن لم يكن منهم وليد النكبة، هو وليد التهجير أو الحروب المتتالية.\nوعن قدرة الأطفال على تقمّص دور "اليهودي" قال إدريس جردات: "فعلاً هم يتقنون اللكنة اليهودية كاستبدال حرف الحاء بالخاء، ويردّدون بعض الكلمات العبرية، وكذلك بعض الألفاظ الجنسية البذيئة التي يستخدمها الجيش اليهودي ضد الفلسطينيين في هجماته واقتحاماته".\nبعد التوزيع على مجموعتين، يأخذ كل طفل مكانه، ومن ثم تبدأ أدوار اللعبة. يواجه الأطفال الدبابات والحواجز برشق الجنود الإسرائيليين بالحجارة، فيما يقوم الأطفال الذين يمثلون الجنود بإطلاق الرصاص عليهم، ويكون ذلك عن طريق تحريك الخشبة (البارودة) وتقليد أصوات الطلقات أو قذف عُلب زجاجية مليئة بالرمل (قنابل غاز). وبعدها يبدأ الأطفال الفلسطينيون بالهرب من الرصاص، ومنهم من يقع شهيداً أو أسيراً أو جريحاً.\nالأطفال الذين يُمثلون دور الشباب الفلسطينيين لا يقبلون الاستسلام ولا الضعف وإن سقط منهم الشهداء.و يتحدث جردات عن الأغاني التي يستخدمونها في جنازة الشهيد لرفع معنوياتهم مثل "بالروح بالدم نفديك يا شهيد" و"يا شهيد ارتاح ارتاح واحنا نواصل الكفاح" و"يا شباب التمّوا التمّوا هذا الثائر ضحى بدمه" و"يا أم الشهيد زغردي كل الشباب أولادك".\nأما في حال وقوع بعضهم أسرى فيهتف الشباب لأمه "يا أم الأسير تمردي الموت ولا المذلة". وفي حال تم الإفراج عنه يستقبلونه بزفّة كأنه عريس.\nوتشتد ميول الأطفال إلى هذه اللعبة مع تزايد الأحداث الواقعية كانتفاضة أو حرب أو حتى حدوث اقتحامات.\nوتأثرت هذه اللعبة بالمتغيرات السياسية والظروف الأمنية التي يعيشها الفلسطينيون سواءً في الضفة الغربية أو قطاع غزة، ويرى جردات أن هذا التأثر طبيعي جداً لأن اللعبة تعكس الواقع.\nومن المتغيّرات التي طرأت على اللعبة مُسمّى "الفدائي أو المناضل" الذي ظلّ حاضراً في ذهن الأطفال حتى انتفاضة الأقصى عام 2000. وبعدها تمّ استبداله بلفظ "المقاوم أو القسامي" نظراً لتأثرهم بالأحداث وما يسمعونه في وسائل الإعلام.\nكذلك، يستخدمون اللثام بالكوفية الفلسطينية أو اللثام الأسود مع عصِبة تحِمل اسم الجناح العسكري الذي يتبع له الطفل الممثل لدور الشاب المقاوم، وتحضر الأعلام الحزبية بقوة في جنازة الشهداء أكثر من العلم الفلسطيني.\nأما أحدث ما أُضيف على لعبة "عرب ويهود" فهو "البالونات الصاروخية" وتحمل أسماء صواريخ المقاومة التي كُشف عنها خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، ولاقت إقبالاً من الأطفال على شرائها.

الخبر من المصدر