في المستقبل.. القمر مصدر للطاقة

في المستقبل.. القمر مصدر للطاقة

منذ 8 سنوات

في المستقبل.. القمر مصدر للطاقة

منذ القدم كان القمر بجماله وروعة منظره مهوى أفئدة البشر، فنظمت القصائد والأشعار التي وصفت حسنه وجماله، ومع تقدم معارف الإنسان العلمية، وهبوط رواد الفضاء على سطحه، أصبح القمر محط اهتمام دول العالم المتقدمة، بالطبع ليس لجماله، بل للثروات الهائلة الموجودة في تربته، إذ على بعد أقدام قليلة في عمق تربة القمر، تكمن كميات كبيرة من الهيليوم3 القادر على إنتاج كميات هائلة من الطاقة تكفي البشرية عقودا طويلة.\nأظهرت الأبحاث التي أجريت على الصخور والتربة التي جلبها رواد رحلات أبولو الشهيرة التي تمت بين عامي 1969 و1972، احتواءها على غاز الهيليوم3. وقد قدر الخبراء في مركز جونسون لأبحاث الفضاء في هيوستن احتواء القمر على مليون طن من هذا الغاز قادرة على إنتاج طاقة تكفي الولايات المتحدة الأميركية ألف عام، مما شكل حافزا قويا للدول الرائدة في مجال استكشاف الفضاء كأميركا وروسيا والصين وكذلك اليابان والهند وألمانيا، لأن تعد مشاريعها المستقبلية لغزو القمر وبناء مستعمرات دائمة عليه.\nويعتبر عنصر الهيليوم3 نادر الوجود على سطح الأرض ويمكن إنتاجه بصعوبة عن طريق التفاعلات النووية، لكنه موجود بوفرة في الرياح الشمسية، إلا أن الطبقات الجوية الخارجية للأرض تمنع وصوله إليها، ونظرا لأن القمر يكاد يخلو من الغلاف الجوي الذي يعيق وصول هذا الغاز إلى سطحه، فقد تراكمت على سطح القمر وفي تربته كميات هائلة من هذا الغاز على مدار ملايين السنوات، إذ إن كل مليون طن من تراب القمر تحتوي تقريبا على سبعين طنا من غاز الهيليوم3. \nالعينات من تربة القمر التي جمعتها رحلات أبولو الشهيرة أكدت غنى تربته بغاز الهيليوم3 (رويترز)\nتشهد مشاريع الاندماج (الانصهار) النووي اهتماما عالميا ملحوظا، فبعكس عملية الانشطار النووي القائمة على فلق بعض الذرات كاليورانيوم والتي ينجم عنها نفايات مشعة خطيرة يتم طمرها في أماكن خاصة لآلاف السنوات، فإن عملية الاندماج النووي تبشر بأن تلبي حاجات الإنسان المستقبلية من الطاقة النظيفة، وهذه التقنية التي ما زالت في مراحلها الأولى حاليا، قائمة على استخدام نظيري الهيدروجين الديتيريوم والتريتيوم المشع، وهي تحاكي عملية إنتاج الطاقة في الشمس والنجوم.\nوتبين الدراسات النظرية التي تعود إلى عام 1985، أن استخدام الهيليوم3 كوقود اندماج نووي سيكون أحد الحلول المستقبلية لإنتاج الطاقة النظيفة، إذ سيتم مزجه مع الديتيريوم بدلا من التريتيوم، مما سينجم عنه تقليل نسبة الإشعاعات المنبعثة وإنتاج مقادير هائلة من الطاقة النظيفة الخالية من الإشعاعات الضارة بالإنسان والبيئة.\nوالحصول على الهيليوم3 على سطح الأرض صعب للغاية لندرته، كما أشرنا، ولكنه متوفر في تربة القمر ويمكن استخراجه بسهولة حسب ما ذكر الباحث غيرالد كولسينيسكي أستاذ الهندسة النووية ومدير معهد تكنولوجيا الاندماج النووي في جامعة "ويسكونسن ماديسون" الأميركية، إذ يمكن استخراج هذا الغاز بتسخين تربة وصخور القمر إلى سبعمئة درجة مئوية بواسطة الأشعة الشمسية الساقطة على القمر، حيث سيخرج الغاز من التربة ليتم جمعه في أوعية خاصة لنقله إلى الأرض.\nويقدر الباحثون أن غاز الهيليوم3 موجود على أعماق قريبة في تربة القمر، وهذا سوف يسهل عملية استخراجه، إذ يكفي أن تقوم مركبة آلية ذاتية الحركة بإجراء عملية تجريف للتربة القمرية وغربلتها وتسخينها، لاستخراج الغاز ثم إعادة طرح التربة على سطح القمر.\nيلعب غاز الهيليوم3 دورا مهما في عملية الاندماج النووي لإنتاج الطاقة (الأوروبية)\nتشير الحسابات إلى أن كل رطل من غاز الهيليوم3 قادر على توفير طاقة كهربائية تزيد مليون مرة على الطاقة التي ينتجها طن من الفحم، مما يجعل الحصول على هذا الغاز مغريا جدا للكثير من الدول والشركات العالمية التي تسعى إلى إنتاج طاقة ذات ديمومة عالية ونظيفة، وخصوصا في العقدين القادمين إذ يتوقع نجاح مشاريع إنتاج الطاقة عن طريق الاندماج النووي.\nوقد كشفت الولايات المتحدة الأميركية عن خططها الطموحة لإرسال رواد فضاء إلى القمر بحلول عام 2020، وأنها تسعى لبناء قاعدة دائمة لها على سطحه في عام 2024، كما أنها تدرس حاليا سطح القمر عن كثب لاختيار أفضل موقع لها عليه، كما تعمل على تطوير التقنيات الفضائية التي تمكنها من وضع قدمها مجددا على سطحه.\nوفي المقابل، أعلنت روسيا عن نيتها إرسال رواد فضاء للنزول على سطح القمر، وأن شركة "إينيرجيا" الروسية سوف تنشئ قاعدة دائمة على القمر قبيل حلول النصف الثاني من العقد القادم لاستثمار بعض خامات القمر ومن أهمها الهيليوم3، وقد تمكنت هذه الشركة من إرسال رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية.\nكما أبدت عدة دول أخرى في العالم تطلعاتها لاستثمار تراب القمر وصخوره واستغلال غاز الهيليوم3 الموجود فيه، كالصين التي تعد العدة للدخول في سباق الوصول إلى القمر، واليابان وألمانيا والهند الساعية إلى سد حاجتها المتزايدة من الطاقة.\nوتسعى أيضا شركات عدة للتنقيب عن المعادن الثمينة والنادرة على سطح القمر كالبلاتين والنيكل والعناصر الأرضية النادرة وكذلك وقود الهيليوم3، ومن بينها شركة "مون إكسبريس" التي سترسل مركبة فضائية آلية صغيرة إلى القمر بهدف استكشافه لغايات تجارية، وقد استفادت من المعلومات والخبرات الهندسية لدى إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، حيث حددت بشكل دقيق أفضل الأماكن للتنقيب عن ثروات القمر، ورسمت لذلك خرائط تبين تلك الأماكن.\nكذلك تتطلع كبرى شركات الطاقة في العالم والمؤسسات الاستثمارية لأن يكون لها نصيب من هذه الثروة الكامنة في تربة وصخور القارة الثامنة للأرض -كما يطلقون على القمر- وتنتظر من يصل إليها ويستثمرها في مشاريع مربحة على سطح الأرض.\n* كاتب علمي متخصص في هندسة تكنولوجيا الصناعات الكيميائية

الخبر من المصدر