لايسلم من إجراءاتها الأطباء والتجار والسائقون.. "المطرية" دولة أمناء الشرطة

لايسلم من إجراءاتها الأطباء والتجار والسائقون.. "المطرية" دولة أمناء الشرطة

منذ 8 سنوات

لايسلم من إجراءاتها الأطباء والتجار والسائقون.. "المطرية" دولة أمناء الشرطة

"نحن أسياد البلد" جملة قالها أحد أمناء الشرطة، وهو يضع قدمه فوق رقبة طبيب مستشفى المطرية أثناء التعدي عليه هو ومجموعة من زملائه في الواقعة الشهيرة بمصر، وفق الرواية التي سردها الطبيبان صاحبا الواقعة التي تحوّلت إلى قضية رأي عام في مصر.\nبعد تصعيد الأطباء وإغلاق المستشفى لمدة 9 أيام احتجاجاً على الواقعة وعقد جمعية عمومية حضرها أكثر من 10 آلاف طبيب فيما عرف بـ"ثورة الكروت الخضراء" الأسبوع الماضي قررنا دخول حي المطرية شرق القاهرة لاكتشاف حقيقة تلك المقولة أو حقيقة الاتهامات التي يتناقلها الكثيرون في مصر ضد أمناء الشرطة.\nالواقع يقول إن مشكلة الأمناء ليست قاصرة على التعامل الذي حدث مع الأطباء فقط حيث يشير بعض أهالي المنطقة إلى ما يمكن تسميته تجاوزاً بـ"دولة أمناء الشرطة " في المنطقة لم تكن قسوة سطوتها على الأطباء سوى نموذج لممارسات تمارس على مدار الساعة من تلك الفئة على أفراد المنطقة.\nالجغرافيا تسهم في رسم الموقف وتعطي إشارة إلى واقع فعلي، فمبنى قسم الشرطة الجديد يلاصق مبنى حي المطرية في شارع الكابلات، ما قد يجعل التنسيق بين الحي والشرطة كاملاً عبر شراكة فيما يتعلق بفرض الإتاوات، أو عقاب من يخالف السطوة الأمنية التي جعلت من قسم شرطة المطرية رمزاً للقمع بعدما تداول النشطاء أخبار وفاة أكثر من 15 سجيناً في القسم بسبب اعتداءات عليهم كما تروي تقارير منظمات حقوقية مصرية.\nوكانت البداية من مستشفى المطرية العام في ميدان المطرية الذي يتفرع منه شارع الحرية الذي يوجد به المستشفى، وشارع الكابلات حيث مقر قسم الشرطة وبينهما مسافة قصيرة لا تتجاوز عدة دقائق سيراً على الأقدام.\nوهنا يروي محمد كمال الطبيب بالمستشفى كيف تعامل أفراد نقطة شرطة المستشفى المنوط بهم حماية الأطباء مع الموقف، فقال "كان من المفاجئ ألا يتصدى هؤلاء الأفراد للتعدي الذي قام به أمناء شرطة قسم المطرية، بل إنهم قاموا بمساعدة هؤلاء في التعدي على الأطباء وخطفهم إلى قسم الشرطة".\nويذكر كمال لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن الواقعة كشفت لي ولزملائي الترابط بين تلك الفئة، وكان من المفاجئ لنا كأطباء، أننا وجدنا تعاطفاً كبيراً من أبناء المنطقة الشعبية معنا رغم قيامنا بإغلاق المستشفى لأكثر من 9 أيام متتالية، وطالبونا بأن نكمل الموقف "الرجولي" ضدّ ما وصفوه بـ"العصابة".\nوفور خروجك من المستشفى ستجد أمامك موقف سيارات الأجرة بجوار مسجد الأنوار المحمدية الذي يتوسط ميدان المطرية.\nوما إن عرف عدد من السائقين بوجود صحفي، حتى سارعوا، من دون توجيه سؤال لهم، بالحديث عن سطوة أمناء الشرطة عليهم، فروى العديد منهم كيف يتعامل معهم الأمناء، والبداية كما يقولون تكون بفرض إتاوات يومية عليهم، حيث تضطر سيارات خطوط السير الأربعة بالميدان إلى دفع 100 جنيه عن كل وردية إلى محصل "الكارتة"، وهي ضريبة أمنية لا يقرها قانون في مصر، لكنها صارت عرفاً يطبقه كل سائقو سيارات الميكروباص التي تنقل الركاب وتعمل كل سيارة ورديتين إحداها نهارية والثانية ليلية.\nمحمد خلف أحد سائقي الميكروباص يقول "إننا مضطرون للانصياع وإلا سيتم التنكيل بمن يرفض الأوامر، وهو ما يحدث يومياً مع السائقين المغضوب عليهم، حيث يتم سحب سياراتهم، وتحرير عدة محاضر أمنية لها، ولا تخرج السيارة إلا بعد أن يدفع صاحبها مع السائق أكثر من 8 آلاف جنيه مصري".\nوأكد خلف أن الأمناء يأخذون 3 سيارات في الصباح وخمسة في المساء مع سائقيها في دوريات أمنية، كاشفاً عن نوعين من المأموريات التي يقوم بها الأمناء بتلك السيارات، الأول هو مداهمة منازل المطلوبين سواء من "بتوع المظاهرات" على حد قوله، أو الجنائيين، ونشاهد يومياً كيف يتم التنكيل بمن يتم القبض عليه، ومن يعترض على أساليب الأمناء ورجال الشرطة أثناء تلك المداهمات.\nوالنوع الثاني من المأموريات صار معروفاً بـ"طلعة التحلية"، وهي تتم خارج إطار القسم ومن دون وجود ضابط المباحث، وهي "سبوبة" دائمة للأمناء يتم خلالها تحصيل الإتاوات من التجار والعائلات المتعاملة معهم، أو يتم تقديم خدمة مدفوعة الأجر بالتعدي أو ترهيب أحد الأشخاص أو العائلات.\nالتوك توك .. الدفع أو التكسير\nتلك الشهادة أكّدها العديد من السائقين، بل والبائعين داخل الموقف، ولم يكن الأمر قاصراً على سيارات الأجرة فقط، فقد كشف عددٌ من سائقي الـ"توك توك" في المنطقة عن إتاوات يفرضها أمناء الشرطة عن طريق مجموعة من البلطجية المتمركزين في المواقف الشهيرة، مثل موقف ميدان المطرية، أو موقف محطة مترو المطرية، أو موقف المسلة الفرعونية، ويتم تحصيل عشرة جنيهات من كل سيارة يومياً، في ورديتي الصباح والمساء "ليصل المبلغ التقريبي المحصل من تلك الإتاوة إلى أكثر من 60 ألف جنيه شهرياً، في ظل وجود أكثر من 200 توك توك تعمل بالمنطقة، بحسب ما قاله إبراهيم خالد صاحب أحد مركبات التوك توك لـ"هافينغتون بوست عربي".\nوأشار إلى أن تلك الإتاوات يتم تحصيلها بمعرفة حي المطرية، ودون حصول السائق على أية أوراق رسمية، وهو الأمر الذي يكشفه قيام أفراد الحي بحملات بالتنسيق مع شرطة المرور وأمناء الشرطة، ويتعرَّض رافض الأوامر لأنواع من التنكيل أخطرها يتمثل في أخذ مركبته وتكسيرها في الحي، في ظل أن جميع عربات التوك نوك تعمل بدون تراخيص رسمية.\nولا تتوقف أركان سيطرة أمناء الشرطة على سطوة الشرطة، أو موظفي الحي أو أتباعهم من السائقين، حيث استطاع الأمناء تكوين علاقات متداخلة مع الكثير من العائلات أصحاب التجارة المخالفة للقانون، وهي علاقات ترجع إلى عشرات السنين، كما يروي محمد عبد الفتاح الصحفي المصري، وأحد أبناء المطرية لـ"هافينغتون بوست عربي"، أنه من المعروف في المطرية ارتباط عددٍ من العائلات بمصالح مع أمناء قسم المطرية، تكون وفق منظومة نفعية متبادلة، وتحظى برضى الضباط، حيث يقوم الأمناء بتسهيل تجارة هؤلاء، سواء بمشاركة بعضهم معهم، أو بغض النظر عن تحركاتهم، وتسهيل خروج من يتم القبض عليهم، في مقابل تقديم تلك العائلات لخدمات مالية وسياسية للأمناء.\nوذكر الصحفي أن الأمر لا يتوقف على عائلة واحدة، فهناك العديد من العائلات التي تغطي تقريباً أحياء المطرية المختلفة، ومنها عائلة "بلبل" وعائلة "العجوز" وعائلة "عرب الحصن"، ويكون لكل عائلة مناطق نفوذ خاصة بها يتم الإشراف عليها بمعرفة الأمناء، تختص العائلة بممارسة تجارتها داخل تلك المنطقة، و تقديم الخدمات المطلوبة للشرطة بها.\nوروى عبد الفتاح، العديد من الأحداث التاريخية التي شهدت دوراً كبيراً لتلك العائلات، سواء أثناء ثورة 25 يناير 2011، وكيف قام أفراد تلك العائلة برفض سطوتها على الشارع ومنع المشاركة بالمظاهرات عن طريق ما عرف بـ"اللجان الشعبية"، والتعدي على من يخالف ذلك، أو في المظاهرات الضخمة التي شهدتها المطرية بشكلٍ مستمر عقب أحداث فض رابعة في العام 2013.\nوعند انتقالنا إلى ميدان النعام داخل المطرية، روى عبد الرحمن محمد أحد أصحاب الأكشاك، كيف كان يحدث ذلك في المظاهرات التي كانت تتم كل جمعة، وأنه في\nإحدى المرات كان تمركز أمناء الشرطة والبلطجية بجواره، بعد مرور المظاهرة من\nأمامه، وقيامهم بإطلاق النار الحي عليهم بشكل عشوائي طال اثنين من العمال\nبالمنطقة تصادف وجودهم أثناء الأحداث.\nويتذكر عبد الرحمن كيف تعامل معه أحد البلطجية حين حاول إبعاده عن مكان عمله حتى لا يحدث أذى له، حيث قام بوضع فوهة السلاح الآلي أمام رأسه، وقال له "ادخل كشكك، وإلا أخرك طلقة"، وذلك في وجود عدد من أمناء الشرطة، وعقب مغادرتهم تتكشف حجم الجثث التي تنتج عن إطلاق النار، وهو ما وصل حينها إلى أكثر من 10 وفيات، و50 إصابة.\nوامتدت سطوة إمبراطورية أمناء الشرطة إلى أصحاب المحلات والتجار بالمطرية، وذلك بمساعدة أفراد الحي، ومن المفارقة أن يكون أحد التقارير التي نشرها موقع جريدة "التحرير" المصرية المستقلة، الذي يكشف الإتاوات التي يفرضها أمناء الشرطة على التجار، مرتبطاً بأمين الشرطة محمد رضوان، المعتدي على طبيبي مستشفى المطرية، صاحب مقولة "نحن أسياد البلد".\nانتظرنا ـ أن يتم تكذيب التقرير من قبل الشرطة لكن أحداً لم يقم بتكذيب القصص التي تم نشرها ولم يتسن لـ"هافينغتون بوست عربي" الحصول على تصريحات من الشرطة لتفنيد الاتهامات الموجهة إليهم سواء ممن قابلناهم في جولتنا الميدانية أو في التقارير الصحافية المنشورة.\nوكشف التقرير أن أمناء الشرطة كوَّنوا ما يمكن تسميته ب "مأمورية ضرائب متحركة"، تضع تسعيرة إجبارية على كل تاجر، وهو ما كشفه عددٌ من تجار الدواجن بالمطرية، الذين سردوا حكايات «تجبر» الأمناء وكيف كانوا يقسمون المصالح والأرزاق على التجار، وفقاً لرغباتهم، ووصلت الـ"بونديرة" المطلوبة من كل تاجر إلى 100 جنيه يوميّاً، أو فى حالة تكرم الرجل، تكون الإتاوة بمعدل كل يومين 100 جنيه، وهي إحدى مأموريات "التحلية" التي يتم فيها استخدام سيارات الميكروباص لتحصيل تلك الأموال.\nويعد قسم شرطة المطرية أحد أشهر أقسام الشرطة في مصر، سيئة السمعة، وهو القسم الذي وصفه الناجون منه بـ"السلخانة"، بما يحدث به مساء كل يوم من حفلات تعذيب للسجناء، سواء سياسين أو جنائيين، وهو ما كشفته الروايات التي روى أصاحبها معاناتهم داخل القسم، ووثقته منظمات المجتمع المدني، أو كشفته تقارير الطب الشرعي لعديد من الوفيات التي حدثت داخل القسم على مدار العامين الماضيين، وهي الأمور الموثقة بعشرات البلاغات إلى النائب العام حول تلك الوقائع، والتي أخذ بعضها صدىً كبيراً حينها، مثل قضية تعذيب المحامي كريم حمدي الشهيرة، والتي صدر فيها حكمٌ قضائي ضد ضابطي أمن وطني بالسجن 5 سنوات.\nوكشفت تقارير الطب الشرعي، كيف يتم استخدام أبشع وسائل التعذيب داخل القسم، ومنها الاعتداء الجنسي على المعتقلين بأدوات خشبية، أو خلع الأظاهر وتكسير الضلوع،. ووفقاً لما رصدته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن القسم شهد 14 حالة وفاة على الأقل خلال العامين الماضيين بواقع6 حالات خلال عام 2014 و8 حالات خلال عام 2015.

الخبر من المصدر