ألبرتو مانغويل. . المكتبة المثالية

ألبرتو مانغويل. . المكتبة المثالية

منذ 8 سنوات

ألبرتو مانغويل. . المكتبة المثالية

إذا اشتهر ألبرتو مانغويل بشيء فهو حبه المفرط للمكتبات، والمكتبة المثالية بالنسبة له هي خليط مفتوح متواصل مع الجميع وثمة هناك المكتبة لقارئ واحد، ومانغويل لا يكتفي بتعداد آلاف الكتب التي ينبغي تحويلها ولكن أيضاً بأثاثها وجدرانها ونوافذها، المكتبة المثالية في عرفة هي لقارئ واحد.\nلماذا نختار، في لحظة معينة من حياتنا، صحبة كتاب معين دون كتاب آخر سواه؟ قائمة العناوين التي طلبها أوسكار وايلد في سجنه تضمنت جزيرة الكنز لستيفنسن ودليلا أوليا للمحادثة بالايطالية والفرنسية. مضى الاسكندر المقدوني في حملاته ومعه نسخة من الإلياذة لهوميروس. فكّر قاتل جون لينون بأن يحمل معه رواية ج. د. سالينجر الحارس في حقل الشوفان عندما كان يخطط لارتكاب جريمته.\nالكاتب الأرجنتيني، ألبرتو مانغويل، يحوّل كل الأسئلة المطروحة حول الأدب والكتب وجدوى القراءة، إلى أسباب رائعة لكتابة نصوص عدة قوامها «الكتب والمكتبات» مثل: «يوميات القراءة، المكتبة في الليل، تاريخ القراءة، الأساطير التي نحيا بها». في مؤلفه الأخير: «فنّ القراءة»، الصادر حديثاً عن دار الساقي، ترجمة جولان حاجي، يقدم لنا ألبرتو مانغويل تسعة وثلاثين تأملاً في بهجة القراءة، يأخذنا عبرها في رحلة أدبية استثنائية ترفدها مرويّاتُ هوميروس ودانتي، وموضوعات تمتد من بورخيس إلى تشي غيفارا.\n«لماذا لدينا مكتباتٌ مليئة بالكتب؟»، «لمَ التفريط بمساحة ثمينة لتخزين كميات غير متناهية من النصوص المطبوعة التي يمكن احتواؤها بكل سهولة في رقاقة مرنة ضئيلة الحجم؟ الاجابات على مثل هذه الأسئلة تغوي ألبرتو مانغويل بحيث كتب أبدع النصوص التي يمكن أن تُقال في هذا الشأن؛\nعندما أبحر، مانغويل، إلى اوروبا سنة 1969 تركها وراءه، قبل فترة من حكم الديكتاتورية العسكرية. نجت مكتبته من التلف، فلو كان قد بقي في الأرجنتين، كما فعل الكثير من أصدقائه لتعيّن عليّه إتلاف مكتبته خوفا من مداهمات البوليس. ففي تلك الأيام الرهيبة كانت تهمة التخريب واردة لأتفه الأسباب، حتى إذا شوهد المرء ومعه كتاب مشبوه. «اعتقل شخص أعرفه، بتهمة الشيوعية، لأنه كان يحمل معه رواية، الأحمر والأسود، لستندال». اكتشف السمكريّون الأرجنتينيون أنّ هناك إقبالاً غير مسبوق على خدماتهم، لأن قرّاءًا كثراً حاولوا إحراق كتبهم في أحواض مراحيضهم فتصدع بورسلانها.\nاخيرا أقام ألبرتو مانغويل في منزل حجري قديم كان صاحبه كاهن كنيسة، في قرية تعداد بيوتها أقلُّ من عشرة، جنوب وادي اللوار في فرنسا. اختار مانغويل المكان لأن هناك حظيرة تجاور المنزل نفسه، تداعت أجزاء منها منذ قرون، كبيرة بما فيه الكفاية لتستوعب مكتبته التي تناهز كتبُها ثلاثين ألف كتاب لملمها على امتداد ستة عقود من الترحّل.\n«ليست مكتبتي، في هذه الحظيرة، بهيمة واحدة، بل هي هجين من بهائم أخرى كثيرة، حيوان فانتازي يتركّب من المكتبات العديدة التي بنيتها ثم هجرتها، المرة تلو الأخرى، طوال حياتي. لا أستطيع أن أتذكر وقتاً لم تكن لدي فيه مكتبة ما».\nقلم مانغويل يسوح بنا في أرجاء مكتبة منعزلة ومشاع للجميع في آن معاً، حميمية ومفتوحة للتواصل الاجتماعي، مصممة للتأمل والحوار، للتبحر والتساؤل، تضنّ وتجودُ، ملأى باليأس من كثرة ما ينبغي قراءته وبالرجاء المتطلع إلى ما لا يُقرأ.\nإنها تلك المكــتبة المثــالية: عامة وســريّة في آن معاً. إنها تحــتوي كل الكلاسيــكيات المجــمع عليها وكل الكلاسيكــيات الــتي لا تعرفــها إلا قلّة قلــيلة من القراء.\nالمكتبة المثالية مصمّمة من أجل قارئ واحد معين. يجب أن يحسّ كل قارئ، أو قارئة، بأنه القارئ المختار.\nالمكتبة المثالية افتراضية ومادية في آن واحد. إنه توفر النصوص بكل الأشكال والتجليات والتقنيات المتاحة. المكتبة المثالية مكتبة يسهل الوصول إليها. لا ينبغي أن تحول بين القارئ والكتب أدراج عالية، أو أرضيات زلقة أو أبواب متعددة مشوشة أو حرّاس مخيفون.\nللمكتبة المثالية مقاعد وثيرة مدعّمة بمسندَين للذراعَين وظهر مقوّس، ومناضد فسيحة، حبّذا سطوحها من جلد أملس، ومآخذ كهربائية للأجهزة الألكترونية «شريطة تشغيلها بمطلق الصمت» ومصابيح فردية خافتة الإنارة.\nللمكتبة المثالية جدران دافئة من القرميد او الخشب، وكذلك نوافذ زجاجية باردة قليلا ترين السكينة على إطلالتها المفتوحة. ليست المكتبة المثالية جنةً موصدة أبداً. المكتبة المثالية تحتوي الكتب بشكل رئيسي، لكنها لا تقتصر عليها. إنها تجمع ايضاً الخرائط والرسوم والحواسيب والموسيقى والتسجيلات الصوتية والأفلام والصور الفوتوغرافية.\nرفوف المكـــتبة المثــالية مفتوحة أمام كل قارئ. يجب منــح فرصة الحريــة إلى القــارئ لملاقاة ما لا يتوقع.\nلا رفّ في المكتبة المثالية أعلى أو أخفض مما تطاله يد القارئ. لا تحــتاج المكتــبة المثالية إلى حركات بهلوانية.\nمهمة القارئ في المكتبة المثالية هي قلب النظام الراسخ.\nيتباين عدد الكتب في المكتبة المثالية، يقال إن مكتبة الاسكندرية احتوت سبعمائة ألف لفافة مخطوطة. لم يتجاوز عدد الكتب على رفوف خورخي لويس بورخيس خمسمائة مجلد. كان للأطفال في معسكر الاعتقال النازي مكتبة سرية تتألف من ثمانية كتب ثمينة كان إخفاؤها واجباً في مكان مختلف كل ليلة.\nتقع المكتبة المثالية في العقل، حتى عند تشييدها من الجدران والرفوف والكتب. المكتبة المثالية هي المكتبة المستعادة عبر الذاكرة.\nتوحي المكتبة المثالية بنص واحد مستمر ليس له بداية واضحة المعالم ولا نهاية يمكن التكهن بها.\nليست هناك في المكتبة المثالية كتب ممنوعة ولا كتب يُوصى بها.\nالمكتبة المثالية ليست مستودعاً لحفظ عظام الموتى. بعضٌ من أقدم المكتبات صانها الكهنة المصريون القدماء الذين أمدّوا الأرواح الراحلة بكتب لترشدهم عبر مملكة الموتى. تحافظ المكتبة على وظيفة إرشاد الروح هذه.\nتكون مكتبتنا مطواعة، تجدد مجموعتها وتحافظ عليها في آن واحد.\nثمة كتب معينة كلّ منها، بحد ذاته، مكتبة مثالية. أمثلة: موبي ديل لمليفل، الكوميديا الالهية لدانتي، مذكرات ما وراء القبر لشاتوبريان.\nيبيّن مانغويل كيف تضفي الكلمات التناغم على العالم وتمنحنا «أمكنة آمنة قليلة، حقيقية كالورق ومنعشة كالحبر، فتهبنا مأوى ومائدة في عبورنا الغابة المظلمة والمجهولة الاسم».\nالمهندس المعماري للمكتبة المثالية هو، أولاً وأخيراً، قارئ مثالي.\nالمهمة المستحيلة لكل طاغية هي تدمير المكتبة المثالية.\nالمهمة المستحيلة لكل قارئ هي إعادة بناء المكتبة المثالية.\nتحتوي المكتبة المثالية «كأي مكتبة أخرى» سطراً واحداً على الأقل كُتب خصيصاً من أجلك.

الخبر من المصدر