مؤمن المحمّدي: "ليالي قريش" تقرأ التاريخ الإسلامي كدراما اجتماعية

مؤمن المحمّدي: "ليالي قريش" تقرأ التاريخ الإسلامي كدراما اجتماعية

منذ 8 سنوات

مؤمن المحمّدي: "ليالي قريش" تقرأ التاريخ الإسلامي كدراما اجتماعية

كم مُسلماً فكّر في أن هناك قصّة للإسلام "غير مرويّة"؟ أو متى جرى القبول بأن الإسلام نفسه "قصّة"؟ حكاية في ثناياها قدرٌ من خيال، أو بعض المبالغات. "الحقائق التي نؤمن بها في صورة روايات دينيّة وأدبيّات إسلاميّة نكتشف أن بها قدراً كبيراً من الخيال، وأنا أريد مُسلماً له فهمه الخاص، يعرف أن هناك قصصاً في الإسلام ليس لها سند تاريخي خارج النصوص الدينية التي تَحكيها"، يقول مؤمن المحمّدي صاحب كتاب "ليالي قريش" - دار روافد للنشر والتوزيع، وهو أوّل محاولة لكتابة التاريخ الإسلامي أو بالأحرى "قراءته" بلغة معاصرة.\nالمختلف في ما يطرحه المحمّدي في "الليالي"، عدا الكتابة بالعاميّة المصرية، هو افتراض قارئ مُستجدّ، لا يعرف شيئاً عن الإسلام ويسمع لأوّل مرّة بقريش، وبناء الكعبة. عن قُصيّ بن كلاب والتجارة في مكة، وهاشم بن عبد مناف، وعبد المُطلب جدّ الرسول، وماذا فعل سيف بن يزن بأبرهة الحبشيّ، وقصّة بئر زمزم وغيرها. ومن الواضح أنه استفاد في طريقته، التي تعتمد على رواية الحكاية من "أوّل وجديد"، عبر تحليل اللغة وتأويل اللفظ، والبحث في الحكايات الجانبية وربطها بالحكاية الأم، من خبرته عشر سنوات في تدريس اللغة العربية ومبادئ الإسلاميّات للأجانب وغير الناطقين بالعربية. حتى أن هناك منهجاً باسمه في تبسيط اللغة العربية في الجامعة البابويّة في روما، عنوانه "الطريق إلى اللغة العربية".\nانتقل الشاب الصعيدي من أسيوط إلى القاهرة، طالباً في كلية الإعلام، بعد أن تشكّل وعيه في ظل صعود الجماعات الإسلامية المتشدّدة وموجة التطرف التي اجتاحت الصعيد أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات.\nشارك غرد"ليالي قريش"، أو كيف اخترعت السياسة أسطورة الدين\nشارك غردأوّل محاولة لكتابة التاريخ الإسلامي أو بالأحرى "قراءته" بلغة معاصرة\nعام 1993، كان المحمدّي ترك الصعيد نهائياً وأقام في القاهرة، ولم يُكمل عامه الأوّل في كلية الإعلام، حتى أدرك أنها بعيدة عن اهتماماته، فساعدته رفقته للدكتور نصر حامد أبو زيد من التوسّط، ونقله إلى كلية الآداب قسم اللغة العربية. تعاظم الشغف بقراءة التاريخ الإسلامي والبحث فيه والمداومة على القراءة المنتظمة. نمت محاولة لم تكتمل لكتابة تحليل لـ"البيان السياسي في القرآن"، وبدأ بالفعل في أبحاث أسماها "إن البقر تشابه علينا... قراءة في التحليل السياسي لسورة البقرة". وأعقبتها محاولات عدّة توقفت جميعها لأسباب تتعلّق بالتفرّغ المادي وضغط الأجواء.\nعام 2005، يحكي محمّدي أنه يئس من ظهور مشروع إعادة قراءة التاريخ الإسلامي إلى النور نهائياً. فقد بدا أن حراكاً من نوع مختلف، هو الذي يُدير دفة الصراع السياسي في مصر، الجميع ضد مبارك، والترويج على أشدّه لفكرة الاصطفاف، في مقابل خفوت أصوات كانت تعتبر التيار الإسلامي أكبر الأعداء والخطر الذي يستوجب مجابهته.\nالاتجاه الذي سلكه في موضوعاته الصحافية، التي اهتمت بكشف التحالفات الخفيّة مع الإخوان، كان كفيلاً بتعرّضه لمضايقات، ونذيراً بأن الصحافة الورقية ليست الوسيلة التي يبحث عنها أو تناسبه. سكت عن الموضوع، لكنه لم يفقد شغفه الخاص ومداومة القراءة.\nقال: "لم يكن هذا الكتاب مرتبطاً بالقراءة في التاريخ الإسلامي، كل ما في الأمر أنه كتاب مبسّط كذلك، في تحليل الأساسيّات التي يرتكز عليها الخطاب الأصوليّ في المجالات الاجتماعية وغيرها. أو تحليل طريقة تفكير المُسلم المتشدّد، وأفكار عن حرية العقيدة وغيرها. ورغم أنه لاقى مردوداً طيباً، لكنني اكتشفت أن الناس ما زالوا يجهلون عمّا نتكلم، وما نحن بصدده".\nفي أواخر 2012 وبدايات 2013، استضاف مركز ديالونا الثقافي لصاحبته الكاتبة أمنية طلعت، جلسات حكي عن ليالي قريش، وللإقبال الشديد، ظهرت الحاجة لنقل الحكايات إلى المحافظات. ومنذ ذلك الحين تفرّغ المحمّدي عاماً تقريباً يجوب فيه محافظات مصر واحدة واحدة، حتى عادت الأجواء للاحتقان بعد واقعة فض اعتصام رابعة، وقرّر مؤمن التوقف مرة أخرى حتى لا يتم تحميل أفكاره أغراضاً سياسية. إلى أن شجّعه خالد البري، الذي يظهر اسمه في إهداء الكتاب، على نشر الليالي كمقالات يومية، وهي الصورة التي ظهرت عليها في الكتاب.\nمع ولادة حفيد لعبد المطلب، يتيم، والده مات قبل جدّه، يُنهي مؤمن المحمّدي الليلة الخمسين من الجزء الأوّل من "ليالي قريش.. قبل الميلاد"، التي تحكي قصة مكّة قبل ميلاد الرسول، على وعد بإصدار جزء ثان انتهى منه، يحكي "ليالي قريش... قبل الدعوة" وفيها سبعون ليلة. ثم يليه "قبل الهجرة" و"بعد الهجرة". هذا المشروع قائم كله على خلخلة أفكار مثل "دولة الخلافة" و"الفتوحات" و"الجهاد" و"حد الردّة"، وغيرها من الأفكار التي دخلت بالخطأ وبتعمّد في دائرة المقدّسات والمسلّمات الممنوع الاقتراب منها أو تفسيرها.\nيقول المحمّدي في التقديم لكتابه إنه لا يوجد هناك تاريخ "تقدر تطمّن على صحته". الشك والاختلاف يشوبان كل القصص الإسلامية، كحادثة اغتيال عمر بن الخطّاب مثلاً. لهذا يبرز الحل الوحيد بالنسبة لمؤمن وهو "الاجتهاد".\nيبدأ المؤلف الحكاية من مستهلها، تسجيل أحداث التاريخ الإسلامي من نشأة مكّة حتى يومنا هذا، عن طريق "قراءة شخصية"، يُحاول فيها أن يكون "روائي بيحكي الحكاية زي ما فهمها من غير ما يفرض حكايته على الحكايات التانية". لأن الهدف كما يؤكد مؤمن، ليس معرفة الحقيقة، لكن التأكيد والبرهنة على "اتساع الرؤية".\nما يُريد مؤمن قوله عن التاريخ الإسلامي، أنه تاريخ بشري في النهاية، لعبت وتلعب فيه "السياسة" دوراً كبيراً في سير الأحداث وتأريخها، وفي "فلترة التاريخ". هذا "التأريخ المُختار" الرسمي "المُنتقى" يتم طوال الوقت تحت سمع وبصر، وبمعرفة المؤرخين ورجال الدين، ورجال التربية والتعليم. أما ما يدعو للسخرية فهو "عدم النضج في التعاطي مع الأعمال الفنية والأدبية" كما يرى، واعتبارها مصادر للتأريخ، إلى حد الاعتماد عليها في "التشريع"! يقول: "هناك مساخر في المسلسلات التاريخية، ومتى بدأنا في التنويه بأن هذا المسلسل يستلهم التاريخ وأي تشابه هو ضرب من الخيال، حينها لن يكون هناك داع لأن تراجع لجنة من الأزهر مسلسلاً تاريخياً".\nلا يوجد هناك تاريخ "تقدر تطمّن على صحته". الشك والاختلاف يشوبان كل القصص الإسلامية\nعلى هذا النحو، يظهر في "الليالي" كيف ظلّت الصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية اللاعب الأقوى في نشأة الإسلام. وهو ما يرفض غالبية أئمة المساجد والخُطب وشيوخ الفتوى ودعاة القنوات الدينية التسليم به. يقول المحمّدي في كتابه إن العرب مالوا إلى تبنّي الروايات التي تُرضي حس البلاغة الفطري، وتُساعد على صياغة الكليشيه والطُرف أو كما نقول بالتعبير الدارج "الإيفيه". فهناك "حكايات/ إيفيهات" في التاريخ الإسلامي "للمعايرة" و"المُكايدة"، على النحو الذي يوضّحه الكتاب، مثل قصة قُصيّ الذي اشترى ولاية البيت من غبشان الخزاعي "بإزازة خمرة وجمل"، أو "زق خمر وقعود"، وهو ما لا يُعقل.\nهذه الحكاية التي كانت بداية لاندلاع الاشتباكات، وانتهت بالتحكيم وطرد خزاعة وبداية الحكم القرشي لمكة، واردة مثلاً في كتب مثل "بداية ونهاية" لابن كثير، و"الأوائل" لأبو هلال العسكري، في حين لا يمكن تصديق هذه الرواية إلا في صورة كونها مكايدة للخزاعيين والتندّر عليهم، بما يفي بغرض التفاخر وتعظيم سادة قريش.\nفكّر مؤمن في كتابة الليالي على غرار "أولاد حارتنا"، رواية وبأسماء مستعارة، أو متوارية، وكانت هناك مسودّات لرواية اسمها "العزبة"، ثم عدل عن الفكرة بعد نصائح أصدقاء بأن الأجواء غير مواتية. وحين ساعده Facebook على طرح أفكاره في مساحة حُرّة وتفاعليّة، كان أن اعتاد النشر ليلاً حتى ساعات الصباح الأولى، من هنا جاء الإيحاء بأنها ليال مثل "ألف ليلة وليلة". أو كما الدراما المسلسلة "ليالي الحلميّة"، إذا ما نظر إلى الكتاب كمسامرات. عُني مؤمن، حسب تأكيده، بتقديم تحليل اجتماعي لأحداث سياسية، أو تحليل سياسي لأحداث اجتماعية، فيها روح الحكي والدراما.\nترتيب الأوراق وملء الفراغات هو سر اللُعبة. هذا ما سيواصل مؤمن فعله مع دراسة تاريخ الصحابة بعد ذلك، وهو التاريخ الذي لا ينجو من القدسيّة أيضاً. يرسم سيناريو لشخصية الصحابي، ثم يبدأ في طرح الأسئلة عن الفراغات التي لا تملؤها الأسطورة الدينية، أو التي لا تنظر إلى التاريخ الإسلامي إلا وفق المثل الإنجليزي: "لم ير الغابة لأنه كان يُحدّق في الشجرة".

الخبر من المصدر