هبة الله أحمد تكتب: موناليزا الاستيعاب | ساسة بوست

هبة الله أحمد تكتب: موناليزا الاستيعاب | ساسة بوست

منذ 8 سنوات

هبة الله أحمد تكتب: موناليزا الاستيعاب | ساسة بوست

منذ 11 دقيقة، 6 ديسمبر,2015\n“الموناليزا” أشهر بورتريه في التاريخ، لوحة نصفية لسيدة جالسة، زوجة أحد تجار فلورنسا بإيطاليا، رسمها الفنان الإيطالي  ليوناردو دا فينشي. ابتسامة الموناليزا الغامضة تخلب الألباب، بما تحتويه من غموض جمالي محيِّر. حيث امتزاج البراءة والسحر الأنثوي الذي لا يخلو من الدهاء بالخبث اللذيذ، وكأنها مناسبة كونية لاجتماع الأضداد، الهدوء الصاخب والملائكية المجنحة والقلق المريح للنظر.\nتصميمها الهرمى بوضعية جلوسها على الكرسي، يجلب الحيرة أيضًا هل هو كبرياء الأنثى الأرستقراطية المدللة الذي يمثل السيدة “ليزا” صاحبة الصورة، أم هي البراءة والصفاء الإنساني حينما يتجلى في أسمى معانيه التشكيلية المتجاوزة للمألوف، ربما تتجلى فيها معانقة الإنسان للطبيعة، وربما هي حالة اتصال فني بين العمل الإبداعي والرائي عبر حلقات اتصال خفية، أم شعور داخلي لدافنشي قام بنقله من اللاوعي إلى تفاصيل اللوحة لتبقى الموناليزا سرًا غامضًا محيرًا، وبعض الغموض جمال يتوقف على درجة الاستيعاب.\nفالاستيعاب نسبي بين شخص وآخر حسب وعيه، وثقافته، وفكره وما ينطبق على لوحة ليوناردو دافنشى الأشهر والأكثر غموضًا، ينطبق على مفاهيم ومبادئ وظواهر اجتماعية وقناعات شخصية عديدة .\nفما نراه بأعيننا قد يتفق أو يتناقض مع ما يختفي خلف المشهد من أسرار، فهناك ملامح لطيفة تسكن خلف كلمات قاسية، وكثير من الأرواح الممسوخة تختفي وراء مسحة من الجمال.\nمواقف سياسية تُفصل وتُحاك حسب ما تقتضيه الأمور.\nالعمليات الانتحارية في أعين كافة المجتمعات هي عمليات شريرة يقوم بها أشخاص فقدوا كل صفات الإنسانية، لكن في الوقت نفسه تعتبر هذه العمليات في نظر الجماعات الدينية المتطرفة والأيديولوجيات الراديكالية العدوانية هي غزوات وجهاد في سبيل الرب يفضي إلى مضاجعة الحوريات في الجنة، تلعب الأيديولوجيا الدور الرئيسي في تفسير ما يجري، وما يراه الرأسمالي ضروريات السوق وقوانينها يراه الاشتراكي رأسمالية متوحشة وتفاوتًا طبقيًا واعتداء سافرًا على حقوق الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، النصر المؤزر الكبير لفريق هو هزيمة نكراء ومذلة للفريق الآخر، إنها كوميديا الحياة التي لا تحتاج إلى مخرج عالمي لإبرازها.\nهل بلادنا مهد الأديان والحضارات، أم مصانع تفريخ الإرهاب والمتطرفين، وهل وصلنا لما وصلنا إليه من التردي بسبب الكسل والتواكل والفساد، أم بسبب الاستعمار الغربي لأوطاننا ومكائد الدول الكبرى ومؤامراتها علينا. هل نظرية المؤامرة حقيقة أم أننا نبحث عن أسباب لتفسير تأخرنا عن ركب التطور السياسي والاقتصادي والصناعي، بل وحتى الفكري أيضًا. نحن أمة لا تقرأ لأنها مهمومة بلقمة العيش وكسب الرزق في ظل ما تعانيه الأسرة فيها من ضغوط مادية ومشاكل وجودية.\nكل وجهة نظر لها وجاهتها ولو من زاوية واحدة، ثم لماذا نحن نريد أن نصل إلى الحقيقة وهل الحقيقة مريحة؟ لماذا لا نتقاسم الحقيقة ونتشارك في وجهات نظر فرعية تكون الرأي الكلي الجامع للتعددية التي نتغنى بها طوال الوقت، ولكنها تذهب إلى مدغشقر وموزمبيق مع أول اختلاف في وجهات النظر.\nإذا كان الغرب الكافر شريرًا ووغدًا فلماذا يهاجر أبناء بلادنا العربية الإسلامية إليه بالملايين بحثـًا عن مستوى معيشي أفضل ورعاية صحية أحسن، وحريات رأي مسلوبة في شرقنا وعدالة ومساواة، ومستوى تعليمي أفضل؟\nلكن في الوقت نفسه لماذا يكيل الغرب بمكيالين دائمًا، يصدعون العالم بالحديث عن حقوق الإنسان والحريات الشخصية ثم يحركون أساطيلهم وطائراتهم وجحافلهم للقيام بحملات عسكرية بسبب صراعات سياسية وغالبًا ما يدفع المدنيون الثمن.\nالغرب يؤيد حقوق الإنسان في بريطانيا وفرنسا والتشيك، لكن الإنسان في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا والسودان ومالي ونيجيريا قد يموت لفعل قذيفة أو مدفع هاون أو قصف لطائرة أمريكية، أو ربما بسبب الجوع والمرض ولا يهتز للغرب ساكن ولا نسمع بيانًا سياسيًا سخيفـًا حتى، بالمناسبة أنا أشعر بالقلق الشديد لأن الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون لم يُعرب عن قلقه منذ أكثر من ثلاثة أيام.\nالحركات المتطرفة تدعو إلى إقامة دول دينية ثيوقراطية شمولية، وطبعًا إسرائيل أرض الميعاد التي قامت على أسس دينية وعرقية بامتياز والتي يسيطر علي مؤسساتها الحاخامات من خلف الستار هي دولة مدنية لولبية تعتبر النموذج الأمثل في الشرق الأوسط في عين الأمريكان والأوروبيين، للمصالح ضروراتها.\nتحارب أمريكا الإرهاب والمتطرفين في دولة وتدعمهم في دولة أخرى حسب الاستراتيجية الراهنة والظروف المحيطة، وروسيا تكاد تحول حادثة شرم الشيخ لـ “لوكيربي” جديدة.\nاختفاء القطبين السالب والموجب من آراء الوطن العربى لينشأ قطبي أكثر حرارة وحماسة، قطبي “بوتين” وأردوغان ، بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية بنيران تركية.\nويغفل العرب وسط كل هذا “الميديا” بكافة مستوياتها،  الحصان الرابح  الذي يجري في المضمار نفسه الذي تجرى  فيه السياسة الدولية والثقل الاقتصادي، مصدر الحشد الشعبي والرأي العام العالمي والطريق أمام التذليل الشعبي للعنصرية السياسية  والقرارات الاستعمارية وبناء مصادر قوى وخلخلتها في العالم كله.\nالقوة المخابراتيه المعلنة، التي تشكل الاستيعاب الشعبي العالمي والتي إلى الآن لم ننتبه إلى أهميتها في الوطن العربي للأسف، لنفقد زمام المبادرة والحق لأغلب قضايانا العربية عالميًا، ليكون المواطن العربي المسلم في أذهان الشعوب الغربية قاتلاً، جاهلاً، مزواجًا، شهوانيًا يرتدى عقالاً ويطلق لحيته، لنكون صورة ممسوخة وأكثر شهرة من الموناليزا بوجه أقبح وأكثر شرًا!\nوغموضًا لكنه ليس كغموض الموناليزا الساحر، وإذا كان دافينشي أول من قدم الإسقاط المتوسط الذي يجمع بين الجانب والأمام في لوحات الأفراد؛ فالرؤى والتحليلات السياسية ومواقف الدول في عصرنا تصور كل حدث وكل كارثة حسب ما يقتضي الممسك بكاميرا القرار أيضًا، البلطجة الدولية تصبح دفاعًا عن النفس، والمقاومة تصبح إرهابًا، ومصائب قوم عند قومٍ دائمًا فوائد، لتصبح متلازمة الاستيعاب للموناليزا هي المسيطرة على المشهد.\nهذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

الخبر من المصدر