جولة في أجمل المدارس حول العالم

جولة في أجمل المدارس حول العالم

منذ 8 سنوات

جولة في أجمل المدارس حول العالم

فازت المعلمة الأمريكية نانسي أتويل بجائزة "المعلم العالمي" في أول تدشين لها، وكانت في لندن في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني حيث انتهزت الفرصة لتعلن رسالتها البسيطة والمدوية: الأطفال يواجهون مخاطر متزايدة بسبب "اختبارهم بدلاً من تعليمهم".\nاختيرت نانسي لنيل "جائزة المعلم العالمي" من بين أكثر من خمسة آلاف مرشح، من 127 بلداً. وبحسب نانسي، ينبغي على حجرة الدراسة أن تكون مكاناً "للحكمة والبهجة" بدلاً من القلق والخشية من الفشل.\nكانت كلمات نانسي ستطيب لأسماع خبراء التعليم المستنيرين على مرّ القرون، وخاصة أولئك الذين أضافوا سمات الجمال لـ"الحكمة والبهجة" التي تقصدهما نانسي.\nمدرسة "ستو" في مقاطعة "باكينغهامشير" هي بدون شك إحدى أجمل المدارس في العالم\nتأسست المدرسة عام 1923 في واحدة من أكثر المقاطعات الانجليزية رومانسية، وقد كانت مهددة بالخراب آنذاك.\nأُنقذ المبنى من الخراب، بعد معركة حماسية قادها المعماري كلاف وليام إليس لتحوّل بعد ذلك إلى مدرسة. كان جون فيرغسون روكسبوروه، المدير المؤسس لمدرسة "ستو"، قد صرح بأنها ستكون مدرسة ليستمتع كل طالب فيها "بمعرفة الجمال عندما يراها لبقية حياته."\nتأسست مدرسة "ستو" عام 1923 في واحدة من أكثر المقاطعات الانجليزية رومانسية\nكان الجمال يلف طلبته كل يوم، من الحدائق ذات المناظر الطبيعية للمعماري كابيبلتي براون التي تملأ المنظر، والتي تزينها أعمال باهظة الكلفة أنتجها فنان ساحر، إلى مبان كلاسيكية تزينها أشكال آلهة بناها معماريون إنجليز عظام من القرن الثامن عشر.\nمن بين هؤلاء، جون فانبرة، وويليام كينت، وروبرت آدام و جون سون. ومنذ عام 1989، أصبحت الحدائق تحت رعاية "مؤسسة التراث القومي"، في الوقت الذي قامت فيه المباني الجديدة المدروسة بعناية ـ مثل سكن البنات الذي صممته شركة "ريك ماثر آركيتيكتس"ـ بإضافة مظاهر الهدوء إلى البريق الذي تتمتع به تلك المدرسة.\nلن تكون أية مدرسة مثل "ستو"، فهي مدرسة إنجليزية عامة ومكان له خصائصه. ومع ذلك فإنه يمكن مشاهدة الجمال حتى في أقل الأجواء تميّزاً. ولكن مهلاً، أي مدرسة تتمتع بخصوصية أكثر من المدرسة العائمة في "ماكوكو"، تلك البلدة المبنية من منازل الصفيح وتطفو على الماء قبالة ساحل "لاغوس".\nصممت شركة "إن.إل.إي. آركيتيكتس"، وهي شركة معمارية هولندية يرأسها كونلي آدايامي المولود في نيجيريا، مدرسة بسيطة مصنوعة من الخشب، وهي في نفس الوقت جميلة بشكل يثير الشجن. وتطفو هذه المدرسة فوق الماء، بين منازل البحيرة.\n"ماكوكو" هي مكان للفقراء رغم أنها، وعلى شاكلة "ستو"، كانت مهددة بالدمار قبل 90 عاماً من قبل السياسيين والمسؤولين الذين يعتبرونها منازل عشوائية (أو مجرد مبان بدون ترخيص).\nالمدرسة العائمة في ماكوكو تطفو فوق الماء، بين منازل البحيرة.\nأما الآن، وبوجود المدرسة التي نالت إعجاب الناس حول العالم، فقد أصبحت "ماكوكو" مصدر فخر لعدد متزايد من النيجيريين. ومن خلال عملها مع السكان المحليين، لم تجعل شركة "إن.إل.إي" التربية والتعليم في متناول أطفال "ماكوكو" فقط، بل جلبت لهم أيضاً احترام الذات، ومنبعاً جديداً للجمال في هذه البلدة الفقيرة.\nكان الجمال جوهرياً، وفي نفس الوقت طبيعياً، بالنسبة لمؤسسي أولى المقاعد الدراسية بالنسبة لمن كان يعتبر تعلم المواضيع الروحانية والأكاديمية وجهين لعملة واحدة.\nفعلى سبيل المثال، جرى الاحتفاء بجمال كليات من القرون الوسطى مثل أوكسفورد وكامبريدج على مدى قرون من الزمن، وفي ذات الوقت فقد أثبتت فعاليتها من ناحية التطبيق العملي. أضف إلى ذلك أنها ألهمت تصميم جامعات في كثير من بلدان العالم.\nيختار بعض طلبة الدراسات الجامعية كليات مثل ماجدلين، بجامعة أكسفورد، على الأكثر لجمالها، فقد صُمم ديرها وبرجها من القرون الوسطى من قبل ويليام أورتشارد. أما مبانيها المضافة لاحقاً، فقد صممت وفق هندسة "بالاديو" والعهد الفيكتوري.\nإنها تشرف من جهة على نهر "آيسيس"، ومن الخلف تطل على حديقة رائعة ، وهذا بالطبع بالنسبة لفضائلها التدريسية. لعله ليس من قبيل المصادفة أن تحوي مكتبة كلية ماجدلين مجموعة نادرة من الكتب عن الهندسة المعمارية، بما في ذلك أول مقتنياتها، الطبعة الهولندية لعام 1649 من كتاب "دي أركيتيورا" لمؤلفه فيتروفيو.\nتحمل ماجدلين كوليدج بجامعة أكسفورد تصميمات من القرون الوسطى\nويعد الكتاب دراسة أثرية يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد. ويذكّر فيتروفيو المهندسين المعماريين بأنه يقع على عاتقهم واجب البناء بحزم وابتهاج، وأيضا من أجل إنتاج سلعة للبيع.\nكما نجد على الدوام معظم الأماكن الممتعة للتعلم وقد اصطفت على جدرانها الكتب. فعند التجول في "الغرفة الطويلة" ضمن "المكتبة القديمة" في جامعة الثالوث بمدينة دبلن، يبدو الأمر وكأنك تمر بعيد الغطاس مثلا، وذلك من الناحيتين الأدبية والمعمارية.\nوتمتد مثل تلك "الغرف الطويلة" لمسافة 213 قدماً (65 متراً) وهي مبطنة بالأخشاب بكاملها.\nوترتفع جدران الغرفة عالياً، منذ عام 1860، لتتوج في الأعلى بقبب كبيرة من أخشاب البراميل. وتصطف على جدرانها كتب مجلدة، وتضم أيضا تماثيل نصفية لأبرز عمالقة الفلسفة والأدب.\nتمثل "المكتبة القديمة" بجامعة الثالوث بمدينة دبلن نموذجا للبناء المعماري المذهل\nبُنيت المكتبة وفق تصاميم للكولونيل توماس بوروه، وكان مهندساً حربياً ومعمارياً وعضواً في البرلمان. عندما أُكمل بناؤها في عام 1732، كانت المكتبة إحدى أكبر المباني المدنية الحديثة، وفي نفس الوقت أكثرها طموحاً، في هذه المدينة الناشطة أدبياً، ذات الهمة الأكاديمية والمعمارية المكثفة.\nاعتمدت مباني الكليات تصاميم معمارية للأديرة والساحات تعود إلى العهد الكلاسيكي في أوروبا، أو أنماطاً شائعة في شمال أفريقيا أو الشرق الأوسط أو من تلك المنتشرة على "طريق الحرير". زودتنا تلك المباني، ولا زالت تزودنا، بمشاعر الهدوء والسكينة والتأمل، وهي مشاعر ضرورية للكتابة والبحث والتعلم من الكتب.\nيتمثل أحد أفخر المباني الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية في "كلية سكريبس"، وهي من الكليات الليبرالية للنساء. وقد أسستها عام 1926 السيدة إلين براونينغ سكريبس، التي كانت تبلغ 89 عاماً، في بلدة "كلاريمونت" الصغيرة المشهورة بـ "أشجارها، والحاصلين على شهادات الدكتوراه".\nمن الجدير بالذكر أن البلدة تبعد 35 ميلاً (56 كيلومتراً) إلى الشرق من مدينة لوس أنجيليس. ويغلب على طابعها المعماري طراز العهد الاستعماري الإسباني أو "البعثات التبشيرية". وذلك يبعث على الهدوء ويعد مناسبا سواء للمناخ في كاليفورنيا أو لبيئة الكلية التي تقع أسفل "جبال سان غابرييل".\nلقد تم تصميم المجالات الرحبة مثل فناء "يوكاليبتوس" العائد لـ"مبنى بالتش"، من قبل معماريين اثنين في لوس أنجيليس هما سومنر هنت وسيلاس آر. برنز. هنا، تولد هذه الفناءات شعوراً بـ"الحكمة والبهجة"، كما وصفته نانسي أتويل. وفي ذات الوقت فهي جميلة أيضاً.\nإن كليات "ماجدلين" و "الثالوث" و "سكريبس" هي أماكن خاصة تأسست من خلال وجود أموال وفيرة. وقد استُكمل معظمها من خلال بناء مدارس وكليات وجامعات في سنين لاحقة. وأكثر هذه تنوعاً هي جامعة موسكو الحكومية (1953) الشاهقة التي صممها المعماري "ليف رودنيف".\n"مركز روليكس للتعليم" في مدينة لوزان يضم تصميما رائعا يتحدى الجاذبية، وهو من أعمال شركة "سانا" المعمارية اليابانية\nهناك أيضا "مركز روليكس للتعليم" في مدينة لوزان (2010)، الذي يتشكل مبناه من حلقات ودوائر بديعة تتحدى الجاذبية، والتي صممتها شركة "سانا" المعمارية اليابانية. ويمكن للجمال، فيما ذكرنا من أمثلة، أن يُجسد بتكاليف منخفضة وفي أية بيئة كانت، سواء حضرية أو ريفية.\nفور انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأ مجلس بلدية "هارتفوردشير" الانجليزية في اتباع نهج لتشييد المدارس بسرعة. تم تصميم هياكل خفيفة الوزن من الحديد الصلب وجرى صقلها من قبل معماريين يعملون لدى السلطات المحلية، وخاصة ستيرات جونسون مارشال وديفيد آند ماري ميد، وقد عرضا تصاميم لحجرات دراسية مشرقة وواسعة وذات هواء متجدد.\nكما شملت العروض قاعات وأماكن أخرى الغرض منها ضمان بهجة ورفاهية الطلبة والمدرّسين على حد سواء. وتضمنت بعض الأماكن عرض منحوتات للفنان"هنري سبنسر مور. كانت تلك تصاميم مستنيرة وتبعث على الإيثار في وقت كانت فيه بريطانيا قد أفلست.\nواليوم، يحاول بعض المعماريين إضفاء شيء من منطق الإيثار هذا على جيل جديد من مدارس المدن البريطانية. وقد صمم المبنى الجديد بالكامل لمدرسة "هاكني الجديدة" شرقي لندن، وهو بناء منخفض التكلفة، المعماري هينلي هيلبراون روريسون.\nوينحسر المبنى في موقع من المواقع المكتظة داخل المدن، حيث تجده متلاصقاً بمباني صناعية سابقة، ولا يمكن لذلك المبنى أن يقدم رحابة أماكن ما بعد الحرب العالمية الثانية الموجودة في مدرسة "هارتفودرشير" أو الجمال الكلاسيكي لمدرسة "ستو".\nشيد المبنى الجميل لمدرسة "دروك وايت لوتس" في بلدة "شي" بأعالي المناطق الجبلية لمقاطعة "لداخ" في الهند\nمع ذلك، فإنه يستغل بأكبر قدر ممكن المجال المتوافر داخله، وذلك بالاستغناء عن الممرات الطويلة التقليدية، وذلك في رد هاديء على العديد من المدارس والمعاهد الأكاديمية التي شيدت في العقود الأخيرة والتي كانت أشبه بمصانع أو معامل أو عمارات مكتبية، من ناحية الراحة.\nوبشكل مستنير مماثل، شيد المبنى الجميل لمدرسة "دروك وايت لوتس" في بلدة "شي" بأعالي المناطق الجبلية لمقاطعة "لداخ" في الهند، مع أنه مختلف تماماً في الواقع.\nوقد صمم المبنى المعماريان آروب أسوشيتس و أوفي آروب آند بارتنرز. كان المبنى قيد الإنشاء خلال السنين الـ15 الماضية. وحصل ذلك بغرض التوسع واستيعاب الأطفال القادمين من القرى الجبلية، كلما توفرت الموارد المالية وسنحت الأحوال الجوية والطقس القاسي بذلك.\nوتهدف المدرسة إلى تقديم أحدث الوسائل التعليمية الممكنة لأطفال الهيمالايا، وفي نفس الوقت تقديم الاهتمام بتنشئتهم على ثقافتهم البوذية في منطقة التيبت. وقد أثبتت المدرسة أنها توفر مقعداً دراسياً يدل على الحكمة والبهجة والجمال.\nعند تصميم المدارس والكليات، ينبغي أن يكون التأمل والتخيل هو ما يوضع في الحسبان في المقام الأول، وليس الكلفة. أضف إلى ذلك الفكرة التي مفادها أن مراكز الدراسة، فوق كل شيء، هي أماكن للاستزادة والنمو.

الخبر من المصدر