«عاشوراء».. دماء الماضي لا زالت تُغرِق الحاضر

«عاشوراء».. دماء الماضي لا زالت تُغرِق الحاضر

منذ 8 سنوات

«عاشوراء».. دماء الماضي لا زالت تُغرِق الحاضر

"من زار الحسين بن عليّ في يوم عاشوراء من المحرّم يظل عنده باكياً لقي الله عزّوجل يوم يلقاه بثواب الفي حجّه والفي عُمره والفي غزوه كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسُول الله ومع الائمّه الرّاشدين"، هكذا روي ابو جعفر الطوسي المتوفي عام 460هـ والملقب بـ"شيخ الطائفه" في كتابه "مصباح المجتهد"، هذه الروايه التي تعد من الركائز الاساسيه التي يستند لها الشيعة الإمامية "الاثني عشريه" في احياء يوم عاشوراء الذي يمثل ذكري مقتل الحسين ابن علي ابن أبي طالب، ثالث الائمه عند الشيعه بعد ابيه واخيه الحسن.\nرغم استقرار البيعه ليزيد بن معاويه في الشام وسائر الولايات الاسلاميه قبل وفاه ابيه، وتوليه الخلافه في رجب من عام 60هـ، الا ان الحسين ابن علي سار علي خطي عبد الله ابن الزبير، ورفض مبايعه يزيد، وخرج ليلًا من المدينه صوب مكه معتصمًا بها.\nكان هذا قبل ان يرد الي الحسين نحو 500 كتاب من اهل الكوفه يعلنون فيها خلع بيعه يزيد ويطلبون قدومه الي العراق لمبايعته خليفهً للمسلمين، فما كان من الحسين الا ان ارسل ابن عمه مسلم ابن عقيل ابن ابي طالب الي الكوفه ليستطلع الامر، ويُعد العُده لاستقبال الخليفه المنتظر.\nلكن القدر لم يمهل بن عقيل طويلًا، فقد وردت انباء النيران المختبئه تحت الرماد الي يزيد بن معاويه في دمشق، فقرر عزل النعمان ابن بشير والي الكوفه لضعفه في التصدي للتمرد، وولي بدلًا منه عبيد الله ابن زياد ابن ابيه الذي توجه الي الكوفه فهدد اهلها واخضعهم وقتل ابن عقيل، وهو ما لم يعلمه الحسين قبل خروجه من مكه مع اهل بيته واصحابه.\nوصل الحسين الي كربلاء علي تخوم العراق في التاسع من محرم من عام 61هـ، بعد نحو 6 اشهر من بيعه يزيد، وبدلًا من ان يلتقي جموع المبايعين وجد نفسه في مواجهه جحافل الجيش الاموي بقياده عمر ابن سعد ابن أبي وقاص.. فشلت المفاوضات بين الطرفين ونشبت المعركه غير المتكافئه التي انتهت بمقتل الحسين واباده اهل بيته، حيث لم ينج من اولاده سوي علي "الصغير"، الذي ضمن استمرار نسله من بعده.\nلوحه تصور موقعه كربلاء في متحف بروكلين بنيويورك\nعن الحسين بن محمد القمي، عن ابي الحسن الرضا، قال "من زار قبر ابي عبد الله الحسين عليه السلام بشط الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه"، هكذا يعتقد الشيعه الاماميه الذين يبلغ عددهم نحو ربع مليار نسمه، وينتشرون في ايران والعراق ولبنان وباكستان وافغانستان، وباعداد اقل في بقيه الدول العربيه والاسلاميه، وهو ما لا توافقهم عليه الطائفه السنيه، التي تشكل نحو 80% من اجمالي عدد المسلمين في العالم.\nوجاء اغلاق السلطات المصريه لمسجد الحسين بالقاهره امس "منعًا للاباطيل الشيعيه التي تحدث يوم عاشوراء" - حسبما قال بيان وزاره الاوقاف - ليسكب المزيد من الزيت علي النار، حيث وصفه الناشط الشيعي البارز، احمد النفيس، استاذ الباطنه بكليه طب المنصوره، بانه "جريمه كبري" في حق مصر، فيما شبه زعيم التيار الصدري العراقي، مقتدي الصدر، اغلاق ضريح الحسين بـ"اغلاق بيت المقدس امام المسلمين"، مضيفًا ان "مسارعه السلطات المصريه الي اغلاق الضريح امام المحبين سيكون بدايه نهايه النظام كما حدث ايضا في العراق خلال عهد صدام حسين".\nربما كان اغلاق مسجد الحسين احدث حلقات المواجهه بين "السلطات السنيه" والطائفة الشيعية في اطار تحجيم الاخيره ومنعها من ممارسه طقوسها - التي يستنكرها السنه - بشكل معلن، ولكن القرار الاخير لا يمثل اكثر من حلقه في سلسله طويله تمتد بدايتها الي العهدين الاموي والعباسي.\nيري المؤرخون ان الشيعه كانوا العدو الداخلي الابرز للدوله الامويه، فطوال 70 عامًا لم يكف العلويون عن الثوره ولم يكف الامويون عن قمعهم، حتي كان سقوط دمشق في قبضه العباسيين ورفع الرايات السوداء عليها - بدعم  من الشيعه - في عام 132هـ.\nورغم ان الدعوه العباسيه كانت علويه في بدايتها، ورغم دعم العلويين لبني العباس للانتقام من اعدائهم الامويين، الا ان العهد العباسي اتسم باضطراب العلاقه وتذبذبها بين الجانبين، فبعد ان سمح اول الخلفاء ابو العباس "السفاح" للشيعه باقامه شعائرهم وماتمهم واعطاهم قدرًا كبيرًا من الحريه الدينيه، انقلب عليهم الخليفه الثاني ابو جعفر المنصور، فمنع المناحات وهدم ما يقول الشيعه انه قبر الحسين في كربلاء.\nوفي عهد الخليفتين المهدي والهادي عاد الشيعه الي حريتهم في ممارسه النياحه علي الحسين، قبل ان ياتي هارون الرشيد فيعود الي سيره جده المنصور في منع الطقوس الشيعيه، فيما سمح ابناؤه الامين والمامون والمعتصم وحفيده الواثق للعلويين بالزياره والعزاء في كربلاء.\nوكانت قاصمه الظهر للشيعه بمجيء المتوكل ابن الواثق، الذي طاردهم ومنع شعائرهم، وهدم قبر الحسين مجددًا، طبقًا لما رواه "ابو الفرج الاصفهاني"، قبل ان ياتي ابنه المنتصر فيعيد الحال الي ما كان عليه في عهد ما قبل المتوكل، واعقبه عدد من الخلفاء الضعاف الذين وهنت قبضتهم علي الدوله، ولم يعد في سلطتهم اقرار طقوس الشيعه او منعها، حيث انتقل الحكم الفعلي للبويهيين "الشيعه" ثم السلاجقه.\nومن بين طقوس الشيعه يوم عاشوراء يبرز "التطبير"، وهو ضرب الجسد بالالات الحاده حتي يدمي، ويري بعض المحققين ان للكلمه اصول تركيه او بابليه، وقد انقسم علماء الشيعه المحدثين حول هذه الشعيره التي لم تُعرف عند الشيعه المتقدمين، بل طفت علي السطح في القرون الاخيره، ويعزوها البعض الي العهد الصفوي في ايران "1501 - 1785".\nومن معتنقي هذا الراي المفكر الايراني علي شريعتي "1933 - 1977"، حيث يحكي في كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي"، قائلًا "ذهب وزير الشعائر الحسينيه الي اوروبا الشرقيه، وكانت تربطها بالدوله الصفويه روابط حميمه يكتنفها الغموض، واجري هناك تحقيقات ودراسات واسعه حول المراسيم الدينيه، والطقوس المذهبيه، والمحافل الاجتماعيه المسيحيه، واساليب احياء ذكري الشهداء، والوسائل المتبعه في ذلك، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها الي ايران".\n"فالتفتت زينب فرات راس اخيها، فنطحت جبينها بمقدّم المحمل حتي راينا الدم يخرج من تحت قناعها" - بحار الانوار ج 45 - تعد هذه الروايه هي الحُجه الاعظم لمؤيدي التطبير بين علماء الشيعه، مثل ابو القاسم الخوئي، وصادق الحسيني الشيرازي، حيث يحتج المؤيدون بكون زينب اخت الحسين قد ضربت راسها بعامود الهودج حتي سالت دمائها، عندما رات راس اخيها مقطوعًا في كربلاء علي يد شمر ابن ذي الجوشن، قائد ميسره الجيش الاموي.\nورفض التطبير اخرون من علماء الشيعه، مثل الخميني وخامنئي، فيما وقف البعض علي الحياد في المساله، وابرزهم المرجع الشيعي الاعلي في العراق علي السيستاني، ولكن بعض كتاباته قد اظهرت ميله للاباحه.

الخبر من المصدر