آكلة لحوم الرجال... الجنية المغربية عيشة القنديشة

آكلة لحوم الرجال... الجنية المغربية عيشة القنديشة

منذ 8 سنوات

آكلة لحوم الرجال... الجنية المغربية عيشة القنديشة

في صغري، شاهدت فيلماً مغربياً علي قناه "دوزيم" المغربيه، ظهرت في منتصفه امراه بحله بيضاء وقوائم معزاه تلحق برجل يهرب منها لاهثاً من الخوف، وراحت تتهيا له في كل مكان يذهب اليه. خفت من المشهد وغيّرت القناه، ولكن بقيت تلك الصوره ملتصقه بذهني لسنوات.\nتتميز الثقافة المغربيه بكثره الاساطير والخرافات والحكايات والشخصيات السحريه والجنيه. تلك الاساطير هي تراث متوارث اباً عن جد ويصدّقه كثيرون. ففي كل بلده حكايه ولكل حكايه منبع يمثل مصدر القصه، ولكن انتقالها عبر العصور يشوه حقيقتها الي ان تصير عباره عن اسطوره يصعب تصديقها.\nعيشه القنديشه، او لاله عيشه، او عيشه السودانيه، او سيده المستنقعات هي اسماء اطلقت علي الجنيه الاكثر شعبيه في المغرب. ترسمها الخرافه علي انها امراه بالغه الجمال تخفي خلف ثوبها الابيض قدمين تشبهان حوافر الجمال او البغال او الماعز. ويُزعم انها تظهر ليلاً في الغابات وبجوار المجاري الراكده وان عشاءها المفضل هو لحم الرجال.\nويُقال ان جمال عيشه القنديشه فائق الوصف وانها تفتن كل رجل يراها فتغويه وتستدرجه الي وكرها وتمارس الجنس معه ثم تقتله وتتغذي بلحمه وتشرب دمه.\nوبحسب الاسطوره، لا شيء يقهرها الا النار. ففي احدي الروايات عنها، يحكي انها اعترضت سبيل رجال كانوا في طريقهم عائدين الي قريتهم فاوشكت علي الايقاع بهم الا انهم نجوا بعد ان احرقوا عمائمهم وذلك بعد ان لاحظوا ان ارجلها هي ارجل ماعز.\nقال الباحث الفرنسي في المدرسه العليا لدراسات العلوم الاجتماعيه في باريس جون كلود برنارد لرصيف22 ان "شخصيه عيشه القنديشه هي شخصيه فريده من نوعها، درسها الكثير من الكتاب والمخرجين عرباً واجانب، كما هنالك تشابه كبير بين ما يُحكي عنها وبين الكثير من المعتقدات المنتشره في اوروبا، ويعتقد ان قنديشه تعني الاميره".\nولا تحمل عيشه القنديشه صوره الجمال فقط. ففي روايه مقابله، يقال انها امراه عجوز شمطاء وقبيحه الشكل، ذات شعر منفوش ولها ذيل كلب وهدفها التفريق بين الازواج.\nوقالت نسيمه بلقاسم، طالبه في علم الاجتماع لرصيف22: "قبل ان تعرف التكنولوجيا طريقها الي المجتمع المغربي، كانت معظم الاسر المغربيه تجتمع ليلاً في جو حميم خاصهً في الاماكن القرويه والبوادي وهناك ينتشر هذا التفكير بقوه، وتاخذ عيشه القنديشه حيزاً اكبر من الاهتمام". ولفتت الي ان "لها اسماء كثيره، كبغله القبور، وتامغارت نمسدال او عيشه السودانيه".\nيربط الكاتب والانثروبولوجي الفنلندي وستر مارك الذي درس هذه الاسطوره بعمق كبير بين عيشه القنديشه وبين الهه الحب عشتار التي كانت مقدسه عند شعوب البحر الابيض المتوسط وبلاد الرافدين. وذكر كتاب الاعلام للقاضي السملالي انها كانت وليه صالحه عاشت في فتره سيدي عبد الرحمن الذي كان يزورها للتبرك بها.\nوقد تناولت قضيتها بعض الدراسات المعاصره للفرنسي بول باسكون والسوري مصطفي العتيري. اغلب الدراسات اكدت ان عيشه القنديشه هو اسم محرف لعائشه الكونتيسه، وهي امراه مغربيه موريه طردها المسيحيون من الاندلس ابان محاكم التفتيش اوائل القرن السادس عشر حين تم تهجير نحو 275.000 مسلم من المورسكيين، وقد اطلق عليها هذا الاسم البرتغاليون.\nوتؤكد بعض الوقائع التاريخيه ان عيشه كانت مسافره حينما هاجم الجيش البرتغالي القريه التي كانت تسكن فيها بنواحي ازمور في المغرب سنه 1558 وابادوا كل سكانها بما فيهم عائلتها وزوجها، وكان وقع هذه الفاجعه شديداً عليها، فقررت الانتقام مستغله جمالها الطبيعي.\nتعاونت عيشه مع الجيش المغربي في محاربه البرتغاليين، واظهرت مهاره وشجاعه كبيرتين في القتال، وكانت لها طريقتها الخاصه وهي اغواء المحاربين بجمالها وجرهم الي الوديان والمستنقعات حيث كانت تقوم بذبحهم بطريقه مرعبه.\nولما اظهرت عيشه شجاعه باهره في القتال خاف البرتغاليون من ازدياد شعبيتها وتوسع مناصريها، فروجوا بين المغربيين البسطاء انها جنيه وليست بشراً وانها تختطف الذكور الي وكرها الموحش لينفر منها الناس. وقد شاع هذا عنها واستمر الي اليوم. وتقول الدراسات التاريخيه ان عيشه لقيت حتفها بعد مشاركتها في معركه وادي المخازن سنه 1578 ولكن لم يتم العثور علي جثتها.\nوتقول الموظفه الحكوميه امينه زين العابدين لرصيف22: "سمعت من جدتي ان غرس سكين في الارض من الممكن ان يخيفها. هذا رائج في قبيلتي كلها".\nويذكر عالم الاجتماع الراحل بول باسكون في كتابه "اساطير ومعتقدات من المغرب" ان هناك اسطوره تقول ان استاذاً اوروبياً للفلسفه في احدي الجامعات المغربيه كان يعمل بحوثاً معمقه عن قضيتها، فوجد نفسه مضطراً الي حرق كل ما وصل اليه وايقاف بحثه ومغادره المغرب لاسباب مجهوله.\nوتنتشر اسطوره عيشه القنديشه بين مكناس وسيدي سليمان في المغرب انتشار النار في الهشيم، ويُحكي انها تظهر في بعض الاماكن مثل حفره لاله عيشه في قريه سيدي راشد في مكناس.\nوقال عبد الرحيم العمراني، مقدم في الزاويه الحمدوشيه في مدينه فاس: " تاتي الفتيات والنساء الي ضريح حدماشي كل خميس معتقدات ان هذا المكان مخصص لها" واكّد ان "هذه المعتقدات انتشرت بين الناس، ولكن هذا المكان هو مكان للعباده فقط".\nوتقوم النساء اللواتي يظنّن انهنّ مسلوبات ومسكونات من طرف عيشه القنديشه بطقوس غريبه من وضع الحناء علي الشعر لاكسابه اللون الاحمر، ولبس الاسود في احتفال يقام علي شرفها والرقص بشكل غريب علي موسيقي خاصه. ويتم التقرب منها بالشموع وبوضع الخبز والزيتون في اماكن ظهورها كقربان لها.\nوقال الباحث الاجتماعي المغربي مراد محمد ان "المغاربه معروفون بتشبثهم بالتقاليد، وهي في معظمها ترتبط بطقوس تدخل ضمن ما يسمي بالخرافه، فهناك مَن يخشي الجن اكثر من خوفه من الله، وهذا ناجم عن الياس".\nوقالت سكينه بوراوي، خريجه اختصاص علم الاجتماع: "اعتقاد شريحه كبيره من المجتمع المغربي بهذه الاسطوره هو واقع لا يمكن انكاره، ويصل الامر الي الاعتقاد بان مجرّد لفظ اسمها يجر اللعنه علي ناطقه".\nواكّد عبد الاله الغراوي، الباحث في الحضاره الشعبيه، ان "البحث العلمي لا يتفق مع هذا التفكير الخرافي ويترجمه علي انه هذيان او مرض نفسي، وذلك اعتماداً علي درجه التصديق والاعتقاد بهذه الاشياء".

الخبر من المصدر