فينيسيا 72 وأزمة الحضور السينمائي العربي في المهرجانات العالمية - BBC Arabic

فينيسيا 72 وأزمة الحضور السينمائي العربي في المهرجانات العالمية - BBC Arabic

منذ 8 سنوات

فينيسيا 72 وأزمة الحضور السينمائي العربي في المهرجانات العالمية - BBC Arabic

يعكس الحضور العربي في المهرجانات السينمائيه الدوليه الكبري، امثال كان وفينيسيا، ازمه واضحه في صناعه السينما في البلدان العربية، وتراجعا واضحا في المنجز الابداعي لهذه الصناعات التي ما زالت ناشئه في العديد من هذه البلدان او وئدت وهي في مهدها.\nفمنذ سنوات نادرا ما نري في مثل هذه المهرجانات انتاجا سينمائيا يمثل هذه الدول العربية. ويقتصر الحضور في الغالب علي افلام الانتاج المشترك المنفذه من قبل مخرجين عرب وتدور احداثها في بلدان عربيه او شرق اوسطيه وبتمويل شركات اجنبيه (فرنسيه في الغالب) وبكادر تقني اجنبي في الغالب.\nواختفي عنوان تقليدي كان النقاد العرب يكتبونه في تغطياتهم في كل مهرجان وهو الحضور العربي، او المشاركه العربيه في المهرجان الفلاني.\nفي العام الماضين علي سبيل المثال لا الحصر احترنا في تصنيف فيلم تمبكتو لعبد الرحمن سيسكو (بعيدا عن اللافتات الرسميه التي قدم تحتها)، فهو انتاج فرنسي ومخرجه فرانكوفوني يعيش في فرنسا ومن اصول ماليه وتربي في موريتانيا، وترافق انتاجه مع التدخل العسكري الفرنسي ضد الجماعات الاسلاميه المتطرفه في مالي، هل هو فيلم فرنسي ام افريقي (مالي) (كما يؤكد موضوعه) ام موريتاني (حيث صور لظروف انتاجيه) ووضعه البعض تحت تلك اللافته العريضه الفضفاضه التي اسمها السينما العربية؟\nولا شك ان ذلك لم يجر بمعزل عن الازمه المستحكمه في واقع الدول الوطنيه في المنطقة العربية وانحدارها من دول حداثه ناشئه، كانت محمله بالوعود والطموحات في اعقاب المرحله الاستعماريه، الي نظم قمعيه مستحكمه، وبني اجتماعيه مازومه، ارتد كثير منها الي بني ماقبل الدوله.\nكما ترافق ذلك مع نمو مشوه فرضه تدفق البترودولار، خلق مراكز قوي جديده في المنطقه تقودها دول تحكمها تركيبات عشائريه وعائليه.\nويخفي واقع تدفق الثروه البترودولاريه تناقضاتها الصارخه (بعضها ما زال اسم الدوله مشتقا من العائله فيها)، فملات الفراغ الذي خلفه تراجع الدول (الوطنيه)، التي نشات في احضان مشروع الحداثه الغربيه او كرد فعل له، بعد فشلها في تحقيق حكم رشيد يحافظ علي بني الحداثه فيها ويدفع بها الي الامام.\nلناخذ السينما المصريه، فهي الصناعه السينمائه الابرز في المنطقه، وكيف ادت هيمنه الراسمال البترودولاري الي تدمير كامل للنظام القيمي فيها وسياده نمط افلام المقاولات، لا سيما في ثمانينيات القرن الماضي.\nحدثني المخرج الكبير يوسف شاهين بمراره عن كيفيه اضرار البترودولار بالنظام القيمي الذي قامت عليه السينما المصريه، كيف اضطر المنتجون الي فرض اعراف رقابيه غير رسميه قائمه علي القيم البدويه والدينيه السائده في مجتمعات التمويل، فكانت المشروبات الكحوليه تحول الي عصير في المشاهد المصوره، ولك ان تتخيل ما يطال المشاهد العاطفيه، بل ان احد ابرز الكتاب الدراميين في مصر كان اسمه يغير في التايتل الاعمال الدراميه والافلام من لينين الرملي الي (ل الرملي) خشيه الرقابه في هذه الدول.\nوالمثير للمفارقه هنا ان هذه الدول لم تكن تمتلك صالات سينما، فانعكس ذلك في ولاده نمط مشوه من المشاهده والتلقي السينمائي قائم علي الفيديو، وترافق ذلك بالتاكيد مع عامل تقني ايضا، هو تطور وسهوله هذا النمط من التلقي.\nبيد ان العقد الاخير، انتج ظاهره جديده، تمثلت في ان تكون لدول الفائض النفطي (والغازي) مؤسساتها السينمائيه ومهرجاناتها، من دون ان تتوفر فيها بني الصناعه السينمائيه (من كوادر بشريه واستوديوهات وفنانين.. الخ)، لذا انصب جهدها علي الانتاج السينمائي وتقديم منح ماليه للانتاج السينمائي في بلدان اخري.\nوفي ظل تراجع الانتاج السينمائي وتعثره في الدول العربيه الاخري، بات هذا الدعم الانتاجي المقدم من الدول الخليجيه تحديدا، عاملا بارزا في الانتاج السينمائي في المنطقه، و يسعي اليه الكثير من مخرجيها، لا سيما الشباب منهم.\nفشاهدنا هذا العام ورود اسم قطر كاحدي الدول المساهمه في دوره هذا العام في الكتاب التعريفي لمهرجان فينيسيا، لكنها منتجه لفيلم المخرج التركي امين البير "ابلوكا" او "نوبه جنون".\nاقتصرت المشاركه العربيه في الدوره 72 لمهرجان فينيسيا السينمائي هذا العام علي فيلم في تظاهره افاق (اورزنتي) الموازيه للمسابقه الرسميه، وهو فيلم المخرج الجزائري مرزاق علواش "مدام كوراج" (سبق ان تناولناه بالتحليل في هذا الموقع)، وقدم كانتاج مشترك فرنسي جزائري مشترك.\nوكان هناك فيلم اخر للتونسيه ليلي بوزيد (ابنه المخرج المعروف نوري بو زيد) حمل عنوان "علي حله عيني" شارك في تظاهره ايام فينيسيا علي هامش المهرجان، وكان انتاجا فرنسيا تونسيا بلجيكيا مشتركا، وهو فيلم غنائي يتناول اوضاع شريحه من الشباب التونسي قبيل الانتفاضه ضد حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وقد وضع الحان واغانيه وموسيقاه التصويريه الموسيقي العراقي الشاب خيام اللامي.\nوكلا الفيلمين قد حصل علي دعم صندوق الانتاج السينمائي في مهرجان ابو ظبي (سند).\nوالظاهره اللافته للنظر مقابل هذا الغياب في تظاهرات المهرجان الرسميه، نجدها في وجود مشاركه عربيه كثيفه في ورشات انتاجيه لتطوير الافلام، للحصول علي تمويل او دعم ترويجي من شركات الصناعه السينمائيه اوالدعايه للافلام وبيع حقوق توزيع هذه الافلام لشركات التوزيع والتلفزيونات مقابل المساهمه في انتاجها.\nفالافلام القادمه من بلدان عربيه هي الاغزر في مثل هذا الورشات، كما هي الحال في الورشه التي تحمل عنوان "فاينل كت" والتي تعني بالافلام التي في مراحل انتاجها النهائيه.\nوواقع الحال ان المحرك الاساس لهذه الورشات التي تعقد علي هامش مهرجاني كان وفينيسيا، هو تقديم منحه سند (التي يقدم صندوق دعم الانتاج السينمائي في ابو ظبي، والذي سعي الي عقد شراكه مع هذه المهرجانات لتقديم منحته عبر هذه الورشات.\nوقد شارك في ورشه هذا العام فيلم "طريق الجنه" لعطيه الدراجي من العراق، وفيلم "علي معزه وابراهيم" لشريف البنداري من مصر، "بيت في الحقول" لتالا حديد المخرجه المغربيه العراقيه الاصل، "طلاق" للمخرج الكردي العراقي هكار عبد القادر، "ديك بيروت" للسوري زياد كلثوم، وفيلم "زينب تكره الثلج" للتونسيه كوثر بن هنيه (هذا فيلمها الثاني بعد "شلاط تونس".\nوقد اسفرت نتائج الورشه عن حصول فيلم "زينب تكره الثلج" علي منحه 10 الاف يورو من صندوق ابو ظبي لدعم الانتاج السينمائي (سند)، ومبلغ 6 الاف يورو تقدم في صيغه تغطيه تكاليف ترجمه الفيلم الي الايطاليه والانجليزيه من شركه "سب تاي ليتد" في لندن، فضلا عن مبلغ 5 الاف يورو من تلفزيون راي الايطالي مقابل حقوق بث الفيلم لعامين، ومشاركه مهرجاني اميان (فرنسا) وفرايبورغ (المانيا) في تكاليف انتاج النسخ الرقميه من الفيلم (Digital Cinema Package - DCP).\nوحصل فيلم "علي معزه وابراهيم" علي الدعم التالي : مبلغ 10 الاف يورو من المركز الوطني لسينما الصور المتحركه في باريس علي ان تصرف علي تكاليف ما بعد الانتاج في فرنسا، و10 الاف يورو اخري لعمل المؤثرات البصريه والمؤثرات الخاصه من شركه "نايتسوورك". و10 الاف يورو من تلفزيون "تيترا" في باريس لانجاز تصحيح الالوان وانتاج النسخ الرقميه النهائيه بترجمه انجليزيه وفرنسيه.\nوحصل فيلم تالا حديد "بيت في الحقول" علي دعم بـ 15 الف يورو من "ليزر فيلم" الايطاليه لتغطيه 50 ساعه عمل في تصحيح الوان الفيلم. فضلا عن تخفيض بقيمه 15 الف يورو من شركه "ماكتاري للهندسه الصوتيه " لمزج الاصوات في الفيلم (ساوند ميكسنغ).\nودعمت شركه "ماد سوليوشن" فيلم هكار عبد القادر "طلاق" بالمشاركه في عمليات تسويق الفيلم والترويج له وتوزيعه في العالم العربي.\nوتكشف المقارنه بين كثافه الحضور والسعي للحصول علي دعم انتاجي في مثل هذه الورشات، والفقر الواضح في المشاركه في تظاهرات المهرجانات الاساسيه عن حقيقه مؤلمه وواقع انتاجي مزر.\nفبعد ان كانت هذه المهرجانات تحتفي بسينمات قادمه من هذه المنطقه لها خصوصياتها ورموزها، كما هي الحال مع يوسف شاهين والاخضر حامينا وغيرهما، كانوا يقدمون افلاما متكامله تفرض موضوعاتها وخصوصياتها الاسلوبيه وتمثل بقوه المجتمعات القادمه منها، بتنا نري مخرجين لاهثين وراء دعم انتاجي من هذه الجهه او تلك، وتستحيل افلامهم الي ورشات (عمل شعبي!) في استشارات تلك الجهات الانتاجيه وميولها وانماطها في السوق السينمائيه.

الخبر من المصدر