هل ما زال هناك مستقبلٌ للعالم العربي؟

هل ما زال هناك مستقبلٌ للعالم العربي؟

منذ ما يقرب من 9 سنوات

هل ما زال هناك مستقبلٌ للعالم العربي؟

قد يزايد علينا البعض بالقول وهل ما زال هناك عالم عربي اصلاً حتي نتحدث عن مستقبل له؟\nكيف ننكر شرعيه السؤال ونحن نشاهد تفكك سوريا والعراق، تفاقم الحرب الأهلية في ليبيا واليمن والسودان، انفجار العنف في مصر وشروع السلطات التونسيه في بناء سور عازل علي الحدود الليبيه '' تتويجاً'' لقبر المرحوم الاتحاد المغاربي.\nنعم نحن امام منظومه بشريه تعدّ 350 مليون نسمه اخفقت بكل ما نجحت فيه المجموعات البشريه الاخري المماثله عراقه في التاريخ .\nهذه شعوب لم تنجح في تكوين اطار تعاون يجمع طاقاتها ويفتح اسواقاً واسعه لمنتوجاتها مثل الاتحاد الأوروبي بل وحتي مثل الاتحاد الافريقي .\nهذه شعوب لم تنجح في الحفاظ علي الحدّ الادني من استقلالها او في فرض تسويه عادله بخصوص احدي اهمّ قضاياها القوميه اي القضيه الفلسطينيه، وها هي لا تزن شيئاً بالمقارنه مع دول المنطقه مثل تركيا وايران واسرائيل.\nهذه شعوب لم تنجح حتي في بناء دكتاتوريات ''وطنيه'' تنهض بالاقتصاد ولو بثمن الحريه كما حصل سابقا في شيلي وكوريا الجنوبيه وحالياً في الصين.\nهذه شعوب لم تنجح اي من تجاربها الديمقراطيه حيث ها هي الثوره المضاده تنقضّ في تونس وفي مصر وفي ليبيا علي كل مكتسبات وامال الربيع العربي.\nهذه شعوب لم تنجح في اللحاق بالغرب كما نجح اليابانيون والكوريون والصينيون والان الهنود.\nهذه شعوب ما زالت تابعه علمياً وتكنولوجياً، حيث جامعاتها في اخر قائمه الجامعات العالميه ولا دور لها في تفجّر الاعلاميه والهندسه البيولوجيه والذكاء الصناعي والطاقات المتجدده اي في نحت معالم حضاره القرن الواحد والعشرين.\nباي قوي ستدخل امه فيها 97 مليون امي، 60% منهم اناث ، اقتصاد القرن الجديد وهو اقتصاد المعرفه بامتياز واي ديمقراطيات ستبني بهذا الكم الهائل من الاميين المعرّضين لغسيل دماغ غير مسبوق سواء كان ''الغاسل'' اعلام المال الفاسد او دعايه المجموعات المتطرفه.\nاي مستقبل اذن لامه فشلت كل مشاريعها وتتجه بخطي ثابته نحو التفكّك والتوحّش؟\nامام مثل هذا الوضع يصاب الفكر العربي بالدوار خاصه والحلول امامه قليله وعقيمه: الانكار السحري، اللجوء الي نظريه المؤامره، الفرار الي الخارج، الجلد الذاتي؟!\nمن حسن الحظّ ان هناك التفكيرَ الموضوعي الذي يرفض الاحباط رفضه للاوهام.\nاولي ضرورياته وضع الكارثه العربيه في سياقها التاريخي اي المقارنه بتاريخ المجموعات البشريه الاخري و بتاريخ المجموعه العربيه نفسها.\nخذ تاريخ المجموعتين الرابحتين حاليا: الصينيه والغربيه. اذا قارنت وضعنا بوضع الصين / وجدته لا يبعد كثيراً عما عرفه هذا البلد، لنقل من 1850 الي 1950. فابان هذه الفتره الطويله عانت الصين الفقر والمجاعه وفقدان الاستقلال والمكانه وتخبطت في حروب اهليه بدت لا اوّل لها ولا اخر واستطاع احد المنتصرين ان يكتب علي باب حديقه عموميه في قلب مدينه صينيه: ''ممنوع علي الكلاب وعلي الصينين''.\nمن كان يراهن، لنقل سنه 1940، علي ما ستصبحه الصين سنه 2015.\nخذ تاريخ اوروبا بين 1914 و1945. من كان يراهن علي مثل هذ الشعوب وقد وضعت الحرب العالميه الثانيه اوزارها او كان قادراً علي التنبؤ بانه سيخرج من ركام هذه الحرب الطاحنه السلام والديمقراطيه والتنميه والاتحاد الاوروبي .\nعلي فكره، وحتي ننصف انفسنا، لنذكّر نحن العرب المختصين في الجلد الذاتي, اننا لسنا من بنوا محتشدات اوشويتز وداشو وتربلنكا وغيرها من بؤر الهمجيه المطلقه وان تاريخ غزواتنا يشهد بالمقارنه مع الفظاعات التي ارتكبها جيراننا الاوروبيون علي ارضهم او في الارض التي غزوها في الامريكيتين واسيا وافريقيا، اننا كنا امه بالغه التحضر والانسانيه.\nمعني هذا ان علي الذين يحكمون علينا بالفشل ان يتريثوا قليلاً قد يفاجئهم مستقبلنا كما فاجا كل المتشائمين والمحبطين الذين اعلنوا ياسهم من الانسان في الصين وفي اوروبا.\nانظر الان لوضعنا بالمقارنه مع تاريخنا الطويل والبعض من شعوبنا بدات ملحمتها منذ خمسه الاف سنه.\nكم من حروب عرفنا! كم من ثورات،! كم من انتصارات وكم من هزائم! كم من مرّه خربنا البصره وكم من مرّه اعدنا بناءها!.\nما وراء الظاهره ؟ انه الصراع الازلي بين قوتين رئيسيتين تتحكمان في مصير كل ظواهر العالم: الاجناس الحيه، الاجساد، الامبراطوريات، الايدولوجيات.\nهناك دوماً قوه تدمّر القديم والبالي والمتعفّن وغير القادر علي الحياه .\nما نشاهده حولنا فعلها وهي تطيح سلماً او حرباً بانظمه استبداديه فاسده فاشله حكم عليها التاريخ بالاعدام... وهي تدمّر ايدولوجيات اثبتت فشلها... وهي تدمّر حدوداً اصبحت عائقاً غير قابل للتحمّل.\nلكن هناك قوه اخري تشيّد وتبني وتخلق علي انقاض ما دمّرت والقاعده التي لا يجب ان ننساها ان وراء قوه التدمير الصاخبه قوه خلق صامته تعمل ببطء واصرار علي تصحيح كل خلل وتدارك كل نقص واصلاح كل عطب او ايجاد الجديد والمفاجئ.\nنصرخ بالالم عندما نصاب بجرح لكن لا احد يصرخ باللذه او يعي بالاليات البالغه العبقريه والتعقيد التي تنطلق لوقف النزيف وبرء هذا الجرح.\nلقائل ان يقول لكن هناك امراضاً تقتل المريض وقد تكون امتنا اصبحت في طور الهالك الذي لم يعد ينفع فيه علاج. هنا علينا التذكّر انه خلافا للفرد الذي ليس له الا نسخه واحده من جسده، للامم الملايين منها اضافه لكونها لا تكفّ عن الولاده وكل مولود فرصه اخري وامل متجدّد.\nصحيح ان وضعنا ماساوي بكل المقاييس، لكنه اقل سوءاً منه لما كنا نعيش سؤدد العبوديه والاستعمار المباشر والفقر المدقع والجهل الضارب. صحيح ان هناك اليوم %30 من الاميين بين العرب لكن نسبتهم في القرن الماضي كانت.... 99%.\nكان توينبي وهو اشهر المؤرخين البريطانيين من انصار نظريه التحدّي في تفسير نشوء الامبراطوريات الكبري التي صنعت التاريخ. كان مقتنعاً انه لا حافز للبشر افراداً او امماً الا التحدي الذي تضعه امامهم الحياه، وان كل ما نصنع من عظيم الامور هو رفعنا لهذا التحدي . من هذا المنظار وامام ما تواجهه امتنا من تحديات مصيريه قناعتي ان قوي الخلق والابداع والاصلاح التي تعتمل داخلنا، وهي قوي الحياه نفسها، هي علي مستوي هذه التحديات وانها قادره علي ان تصنع من الامنا ما صنعه الصينيون والاوروبيون من الامهم.\nوفي كل الحالات هناك خبر سيء لكل المتفائلين، فمرحله التدمير التي نعيش بفظاعاتها قد تتواصل زمناً طويلاً لان هناك من البراكين التي تنفث لهيبها سنيناً وعقوداً قبل ان تفرغ ما تراكم داخلها من ضغط. ثمه ايضاً خبر طيب لكل المتشائمين، فاعنف البراكين تنتج ايضاً اخصب الاراضي التي يتهافت عليها ويتنعم بها من عانوا من ويلات الانفجارات المدمره.\nالمهمّ ان نصبر علي العسر وان نكون جزءاً من اليسر القادم ، نمهّد الطريق لامه مسالمه تصالحت مع ذاتها ومع العالم واستطاعت اخيراً ان تبني دولاً مدنيه ديمقراطيه تصنع لشعوبها المستقبل الافضل الذي هو حق الاجيال القادمه علينا.\nوما ذلك علي الله بعزيز وما ذلك خارج طاقه البشر الذين لو تعلقت همتهم بما وراء العرش لنالوه.

الخبر من المصدر