دلالات التصعيد التركي الكردي

دلالات التصعيد التركي الكردي

منذ 8 سنوات

دلالات التصعيد التركي الكردي

اسئله كثيره تطرح عن الاسباب الحقيقيه للمواجهه الجديده بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بعد سنوات من اطلاق عمليه السلام بينهما، فالقضيه لا تتعلق بتعثر الاخيره فقط، بل بالدوافع الجديده للجانبين.\nوهي دوافع فرضتها متغيرات الداخل التركي وتداعيات الأزمة السورية والاتفاق النووي الايراني والصعود الكردي في المنطقه ودخول داعش (تنظيم الدولة الاسلامية) علي ساحه الاحداث، وعليه فان المواجهه الجديده بين الجانبين تاخذ طابع الرهان علي تحقيق مجموعه من الاهداف المتداخله سياسيا وعسكريا.\nفي سياستها تجاه قضيتها الكرديه في الداخل ربما لم تعد تركيا تري انها امام عمليه مصالحه مع المكون الكردي الذي تعرض للانكار والاقصاء طوال العقود الماضيه، بل امام صدام مع حركه كرديه عابره للحدود، تسعي الي اقامه دوله كرديه حركتها المستقبليه تتجه نحو الجغرافيه التركيه التي ما زالت تستحضر اتفاقيه سيفر. ولعل ما زاد من الهواجس التركيه بهذا الصدد، عاملان اساسيان:\nالاول- سيطره وحدات حمايه الشعب الكرديه علي مناطق واسعه من شمال شرق سوريا، والسعي الي الربط الجغرافي بين مناطق الجزيره وعين العرب (كوباني) وعفرين بعد سيطرتها علي مدينه تل ابيض، بما يعني ملامح اكتمال نشوء اقليم كردي جديد علي حدودها الجنوبيه، يمتد من جبال قنديل علي الحدود العراقيه الايرانيه التركيه الي البحر المتوسط.\nولعل ما زاد من المخاوف التركيه هو احساس تركيا بان من يقف وراء هذا المشروع هو عدوها اللدود حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل مقرا له، ومن هناك يدير التنظيمات التابعه له في سوريا والعراق وتركيا وايران واوروبا.\nالثاني- وبموازاه هذا التطور الميداني برز تطور سياسي في الداخل التركي، لا يقل اهميه وربما خطوره عن الوضع الميداني علي مشروع حزب العداله والتنميه في الحكم، اذ ادي الانتصار السياسي الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطي بحصوله علي قرابه 13% من الاصوات في الانتخابات البرلمانيه الي فقدان حزب العداله اغلبيته البرلمانيه، وهو ما شكل ضربه لطموحات الرئيس رجب طيب اردوغان في الانتقال من النظام البرلماني الي الرئاسي والذي كان يراهن عليه في التطلع الي تحقيق تركيا جديده بحلول العام 2023.\nولعل ما زاد من مراره الموقف التركي، الانفتاح الغربي (الاميركي) علي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وبروز ما يشبه التحالف الامني بين الجانبين انطلاقا من الحرب ضد داعش. وقد شكل هذا التحالف نقطه اساسيه في انتصار الكرد في معركه عين العرب التي كانت لها تداعيات كبيره علي العلاقات التركيه الكرديه.\nيضاف الي ما سبق جمله من العوامل الاقليميه والدوليه التي وضعت السياسه الخارجيه التركيه امام تحديات كثيره، من اهمها تداعيات الاتفاق النووي الايراني واحتمال تصاعد النفوذ الايراني في ساحات الشرق الاوسط ولاسيما في سوريا والعراق ولبنان.\nولعل المفارقه هنا، هي ان تركيا -الحليفه التاريخيه للغرب والعضو في الحلف الاطلسي- بدات تري في التقارب الاميركي الايراني تراجعا لدورها في المنظومه الامنيه للحلف لصالح تحالفات اقليميه جديده في المنطقه. وعليه ربما وجدت تركيا في حرب جديده ضد الكردستاني والمواجهه مع داعش رهانا لتحقيق جمله من الاهداف الداخليه والاقليميه، غير ان هذا التطلع التركي تقابله لهجه كرديه غير مسبوقه لجهه النديه وطرح المطالب واداره الصراع بلغه القوه.\nجاء التحرك العسكري التركي ضد كل من حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدوله في لحظه اتفاق اميركي تركي علي وضع قاعده انجرليك التركيه في خدمه حرب التحالف الدولي ضد داعش مقابل تفهم اميركي ضمني لتحقيق مطلب تركي قديم، وهو اقامه منطقه امنيه عازله علي الحدود السوريه وتحديدا في المنطقه الممتده بين مارع وجرابلس. ومثل هذا الامر يعبر عن مرحله جديده في السياسه التركيه والسعي الي تحقيق جمله من الاهداف، لعل اهمها:\n1- وضع حد للخطر الكردي القادم من سوريا عبر منع التواصل الجغرافي بين المناطق الكرديه وقطع الطريق امام اقامه اقليم جغرافي، ولعل هذا ما يفسر التصريحات التركيه التي تقول ان خطر الكردستاني اكبر من خطر داعش، اذ انها تري في الخطر الكردي خطرا استراتيجيا ومصيريا، نظرا لان الامر يتعلق بمستقبل وبنيه وجغرافيه الدوله التركيه حيث الطموح الكردي الي اقامه دوله كرديه مستقله شكل هاجسا لتركيا علي الدوام، بينما تري في داعش خطرا مؤقتا.\n2- ان تركيا بحصولها علي اقرار اميركي ضمني باقامه منطقه امنيه عازله تري انها حققت احد اهم شروطها في الانضمام الي التحالف الدولي في الحرب علي داعش، ولعل الاهم لها هنا هو ان تشكل هذه المنطقه منطلقا للمعارضه السوريه المسلحه في معركتها لاسقاط النظام السوري والذي يشكل هدفا استراتيجيا لتركيا.\n3- ان معركه الانتخابات البرلمانيه التركيه حاضره في مجمل التحرك التركي الجديد، فالرجل (اردوغان) الذي له طموحات كبيره جامحه لن يقبل بالاستسلام والارتهان لنتائج الانتخابات البرلمانيه التي جرت يوم 7 يونيو/حزيران الماضي، وهو يبحث عن ما يشد عصب الناخب التركي في الداخل نحو حزب العداله والتنميه بغيه استعاده الحزب بعض ما فقده من الاصوات، والتطلع الي نيل اغلبيه برلمانيه في الانتخابات المبكره تمكنه من تشكيل الحكومه وحده كي يبقي علي اجندته بعيدا عن شروط الاحزاب التركيه التي هي في خلافات سياسيه كبيره مع حزب العداله والتنميه.\n4- ان انقره في حربها علي داعش تامل اعاده الدفء الي علاقاتها مع واشنطن بعد ان تراجعت في السنوات الاخيره علي خلفيه اختلاف الاولويات بشان الازمه السوريه والخلافات مع اسرائيل وغيرها من القضايا الاقليميه، ولعلها تراهن علي هذه العلاقه في الحد من تداعيات الاتفاق النووي الايراني اقليميا، خاصه ان تركيا تحس بالمراره من تراجع وتيره علاقاتها مع واشنطن مقابل التحسن في علاقات الاخيره مع طهران التي كانت تصف اميركا بالشيطان الاكبر.\nبغض النظر عن هذه الاسباب والدوافع والتطلعات، فان الحرب التي اعلنتها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني وداعش لن تكون دون تداعيات داخليه واقليميه. دون شك، قد تحقق تركيا نجاحات عسكريه وامنيه ضد داعش وحزب العمال، الا انه من الصعوبه الحديث عن تحقيق مكاسب سياسيه كبيره من الحرب ضد الاكراد، بل قد يكون العكس هو المنتظر، خاصه ان التجارب السابقه من الحرب بين الجانبين تؤكد عقم الخيار العسكري.\nولعل اول هذه التداعيات انتهاء عمليه السلام الهشه مع حزب العمال الكردستاني وخطر العوده الي فصل دموي جديد بين الجانبين، لن يكون الداخل التركي بمناي عنه امنيا واقتصاديا وسياسيا، خاصه بعد القوه الانتخابيه التي اظهرها الاكراد في الداخل والتطورات الدراماتيكيه علي الحدود مع سوريا والخلايا العسكريه الكثيره لحزب العمال في الداخل، وهو ما قد يفجر في تركيا عنفا يقضي علي الاستقرار ويمنح الجيش حجه للتحرك سياسيا ليصبح المشهد التركي برمته امام خيارات مجهوله.\nوفي التداعيات، قد تحمل التطورات الميدانيه معها سيناريوهات خطره لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي تقضي علي انجازاته السياسيه، لعل اهمها احتمال انجرار الحزب الي التورط في العنف علي خلفيه المواجهه بين الجيش التركي وحزب العمال، وهو ما قد يضعه امام احتمال الحظر القانوني بحجه دعم الارهاب، خاصه في ظل الحديث عن وجود خلايا عسكريه وامنيه له بعد تصريح زعيمه صلاح الدين ديمرطاش عن ضروره لجوء الاكراد الي الدفاع الذاتي.\nولعل السيناريو الاقل سوءا هنا، هو افقاده النصر الانتخابي الذي حققه عبر الحيلوله دون حصوله علي نسبه 10% في الانتخابات المبكره ان جرت، فتجير اصواته قانونيا لصالح حزب العداله والتنميه الذي يطمح الي مثل هذا السيناريو لاستعاده غالبيته البرلمانيه.\nفي تداعيات هذه الحرب ايضا، انها اخرجت الاصطفاف بين الاحزاب الكردستانيه الي العلن بما يكشف عن خلافات سياسيه وايدولوجيه عميقه، فبقدر ما اظهرت العمليات العسكرية التركيه ضد حزب العمال تفهما من رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني، فضلا عن انتقاد واضح لسلوك حزب العمال، فانها اظهرت رفضا وتنديدا من قبل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامه جلال الطالباني، وهذه معادله تحمل معها اصطفافات وانقسامات اقليميه لها علاقه بتركيا وايران، فالدور التركي المؤثر علي اربيل يقابله النفوذ الايراني في السليمانيه معقل الطالباني.\nوفي التداعيات ايضا، كان من اللافت دعوه واشنطن انقره الي التمييز بين الحرب علي حزب العمال والحرب علي داعش، وهو ما قد ينبئ بتغير حصل في المفهوم الاميركي لتصنيف حزب العمال في قائمه الارهاب، والاهم منع تحول حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي حقق نصرا كبيرا في الانتخابات الي لاعب في الساحه الداخليه التركيه له القدره علي رسم الابعاد الدستوريه والسياسيه لتركيا وبنيان نظامها السياسي.\nلكن الذي ينبغي قوله هنا، ان الحسابات التركيه هذه قد لا تكون دقيقه علي صعيد نتائج العملية العسكرية سياسيا، فعلي الاقل لا احد يستطيع ان يضمن ان لا تزيد الغارات التركيه علي مواقع حزب العمال من التفاف الاكراد -وخاصه في الداخل التركي- حول الحزب، وبما يساهم في زياده شعبيته بوصفه حزبا يحارب نظاما يرفض الاعتراف بالحقوق القوميه الكرديه، وهو ما قد يضع البلاد امام فصل دموي جديد بعدما استبشر الجميع بعمليه سلام تحقق الهويه للاكراد والاستقرار لتركيا.

الخبر من المصدر