رحل رأفت الميهي: اسأل “مجرّب

رحل رأفت الميهي: اسأل “مجرّب

منذ ما يقرب من 9 سنوات

رحل رأفت الميهي: اسأل “مجرّب

رحيل المخرج رافت الميهي عن 75 عاما\nتوفي منذ قليل المخرج رافت الميهي عن عمر ناهز 75 عاما وبعد معاناه مع المرض، ولد الميهي  في 25 سبتمبر 1940  وبدا كاتبا لسيناريو عدد من اهم الافلام في ستينيات القرن العشرين قبل ان يتحول الي الإخراج السينمائي ويصبح احد رواد التجريب في السينما المصرية\nوتخرج الميهي  من كليه الاداب قسم اللغة الانجليزية، ثم حصل علي دبلوم معهد السينما سنه 1964.\nكتب  اول سيناريو للسينما “جفت الامطار ” سنه 1966، ثم  تعاون مع المخرج كمال الشيخ في افلام: “غروب وشروق” و” شئ في صدري”  و “علي من نطلق الرصاص. ‏\nو‏في عام 1981 اخرج رافت الميهي  فيلمه الاول “عيون لا تنام” عن مسرحيه “رغبه تحت شجره الدردار” ليوجين او نيل، ثم تلي ذلك الفيلم سبعه افلام بارزه هي : الافوكاتو 1984\n1988 سمك لبن تمر هندي\nقليل من الحب كثير من العنف 1995\nعشان ربنا يحبك 2001 ).\nشاركت افلامه في اكثر من مهرجان دولي منها  فالنسيا ، برشلونه ، نيودلهي والقاهره).\nرافت الميهي : اصرار علي الاختلاف\nفي موضوعنا هذا سنتحدث عن مخرج مصري يعد واحداً من ابرز شباب السينما المصريه ، هؤلاء المخولون اكثر من غيرهم للاخذ بيد السينما المصريه والخروج بها من ازمتها . والمقصود بالشباب هنا ليس صغار السن ـ بالطبع ـ وانما من يقدمون سينما شابه بتقنياتها ومضمونها ، والذين كونوا تياراً سينمائياً بارزاً اطلق عليه فيما بعد »السينما المصريه الجديده «.. مخرجنا ، هو فنان اثيرت حوله ضجه كبيره علي جميع الاصعده ، من جمهور ورقابه وقضاء .. فمع كل فيلم جديد يقدمه ، هناك عده مفاجات يصر مخرجنا هذا علي تقديمها للمتفرج ـ بجميع طبقاته ـ تعرّي وتفضح سلبيات هذا المتفرج ومجتمعه. مخرجنا هو الفنان الفذ (رافت الميهي).\nرافت الميهي.. هذا القادم من مجال كتابه السيناريو ، بل ويعتبر من ابرز كتاب السيناريو في الستينات ، بعد تخرجه من معهد السيناريو عام 1964 ، حيث كان تلميذاً مجتهداً للمخرج “صلاح ابوسيف”.\n(…الحقيقه انني لا اجد سبباً واضحاً لتحولي للاخراج .. فقط شعرت اني اريد ان اُخرج ، وذلك مثلما اريد ان اشرب او انام .. لك ان تعتبره تطور بايولوجي ، انه تحول منطقي وعادل .. ربما كانت بداخلي رغبه في امتلاك العمل بصوره كامله…).\nهذا ماقاله الميهي في احد تصريحاته الصحفيه .. حيث ان تحوله للاخراج ليس فيه من الغرابه بشيء ، فقد سبقه الي ذلك العديد من الفنانين العرب والاجانب ، فكاتب السيناريو هو الاقرب الي العمل السينمائي ، وذلك لقيامه ببناء الشخصيات وتحركاتها وتدفق الاحداث الدراميه ، ولا يبقي بعد ذلك سوي اتقان الجانب الحرفي والتقني لتجسيد كل ذلك علي الشاشه . فمن السيناريو والمونتاج يخرج افضل المخرجين . لقد اكتسب رافت الميهي حرفيه الاخراج من خلال حضوره تصوير جميع ماكتبه للسينما ، واتصاله المباشر بمشاكل الاستوديوهات اثناء التصوير . كما ينفي رافت الميهي ، بان سبب تحوله الي الاخراج هو عدم نجاح المخرجين الذين عمل معهم في توصيل مايريده من افكار ، بل ويؤكد بان اعماله السابقه قدمت في صوره جيده.. (…عندما تحولت الي الاخراج لم اهرب من مازق وقعت فيه ، ولكنها الرغبه في استعمال طرق التعبير عن ذاتي الفنيه…).\nوبالرغم من ان رافت الميهي قد اثبت وجوده كمخرج في الوسط السينمائي ، واستطاع ان يجد له مكاناً مرموقاً بجانب اساتذته وزملائه المخرجين ، الا انه قد واجه عده مشاكل جلبتها له افلامه . فقضيه (الافوكاتو ) لا تخفي علي احد ، حيث حوكم الفيلم ومخرجه ومنتجه ، وكذلك بطله ( عادل امام ) ، من قبل القضاء المصري بتهمه تشويه مهنه المحاماه ، وهي قضيه تعد سابقه خطيره في تاريخ السينما المصريه .\nاما فيلمه ( للحب قصه اخيره ) فهي قضيه اخطر بكثير ، حيث اتهم المخرج وبطلا الفيلم ( معالي زايد ـ يحي الفخراني ) ومنتجه (حسين القلي ) بتهمه تصوير فعل فاضح واحالتهم الي نيابه اداب القاهره . كل هذا بسبب مشهد حب بين الزوجين .. علماً بان مشاهد الحب في الفيلم قد نسجت ضمن اطار فني هدفه الابداع وليس الاثاره ، مشاهد حزينه تنعي المصير الجسدي لعلاقه شاعريه مصيرها الموت .\nورغم كل هذه العوائق والاحباطات من الاخرين ، الا ان الميهي مازال مصمماً علي تكمله مشواره في تجسيد مايحمله من افكار ورؤي فنيه سينمائيه . فهو عندما قرر احتراف العمل السينمائي ، كان حريصاً ـ كما يقول ـ علي ان يبقي في ظروف معيشيه لا تشكل عبئاً او ضغطاً مادياً او معنوياً ، قد تجبره علي تقديم تنازلات ، متخذاً من السينما وسيله تعبير عن موقفه ورؤيته للواقع .\nومن خلال مناقشه بعض اهم افلامه كمخرج ، سنحاول التعرف اكثر علي اسلوب رافت الميهي الفكري والفني .\nقدم رافت الميهي فيلم (عيون لاتنام ) عام 1981 كاول تجربه اخراجيه له ، مستوحياً السيناريو من مسرحيه امريكيه هي (رغبه تحت شجره الدردار) للكاتب »اوجين اونيل« . غير ان الفيلم يبدو بعيداً جداً عن احداث واجواء الكاتب الامريكي .. فقد غيَّر رافت الميهي في الاحداث وفي بناء الشخصيات وعلاقاتها . فيقول الميهي ، في هذا الصدد: (…انا مسئول عن نص »عيون لاتنام« من اوله الي اخره (…) فانا لست ناشراً ، ولا اعيد نشر روايه ، فانا اتناولها واكتب وجهه نظري الخاصه…).\nكذلك يري الميهي ان للمخرج ـ ايضاً ـ استقلاليته عن كاتب السيناريو ، فالسيناريست ينتهي ابداعه علي الورق كمؤلف ، وعندما يقف المخرج وراء الكاميرا لا يكون مترجماً لما هو مكتوب علي الورق فقط ، وانما الاخراج في راي الميهي (…هو اضافه وابتكار وخيال اخر يضاف الي خيال السيناريست ، واذا لم اكن املك شيئاً اقوله ، فلا داعي اذن لاخراج الافلام .. اعتقد انني استطيع ان اشتغل باعمال اخري…).\nوقد حمَّل رافت الميهي فيلمه الاول فكره تعتمد ـ اساساً ـ علي الرغبه المرتبطه بالطبيعه الانسانيه ، وهي حب التملك . ولكنه قدمها بعيون ناقده ومتفهمه لمدي خطوره هذه الرغبه ، فهي عندما تسيطر علي الانسان تحطمه وتقضي عليه .\n(الافوكاتو ـ 1983) فيلم ينتمي الي ما يسمي بالكوميديا السوداء ، ليقدم لنا كوميديا راقيه وهادفه ، افتقدتها السينما المصريه منذ ايام نجيب الريحاني ـ ان صح التعبير ـ واضعاً نصب عينيه الرواج الجماهيري للفيلم الكوميدي ، ومستغلاً ذلك لتصحيح الاعتقاد الخاطيء والسائد عن الكوميديا ، خصوصاً ان الافلام التي تناولت الكوميديا ـ ومااكثرها ـ تناولتها بشكل تجاري بحت ، متخذه من التهريج طريقاً للربح المادي . فالكوميديا هي اكثر الفنون الدراميه تعرضاً للظلم والاجحاف ، في كل زمان ومكان . وذلك نتيجه ذلك الاعتقاد السائد بان الكوميديا هي فن الاضحاك والتهريج فقط . علماً بان الكوميديا ـ علي غير ما هو شائع ـ ليست بعيده عن مشاكل الانسان وقضاياه الحقيقيه . وهذا بالضبط ما فعله الميهي ، عندما قدم ( الافوكاتو ) ليكون نموذجاً للكوميديا الهادفه ، مبتعداً عن الاسفاف والتهريج .\nياتي فيلم رافت الميهي الثالث (للحب قصه اخيره ـ 1984) ليؤسس اسلوباً جديداً في السينما المصريه ، وليجمع بين الواقعيه المؤلمه والجمال الشفاف في نفس الوقت. واستطاع الميهي (كمخرج) بهذا الفيلم ان يصل بصورته السينمائيه الي درجه عاليه من الاتقان والجوده بقدر عنايته بمعالجه الواقع بصدق .\nان فيلم (للحب قصه قصيره) مزيج من العلاقات الانسانيه المتناقضه ، وهو ـ ايضاًـ مزيج من الحب والكراهيه .. الحياه والموت ، انه يتحدث عن الوضوح والغموض .. عن الصدق والزيف .. الصحه والمرض .. الخرافه والعلم .\nبعد فيلم (للحب قصه اخيره) ، قدم رافت الميهي ثلاثه افلام ، تتناول جميعها الواقع من خلال رؤيه كوميديه فانتازيه ، وهي (الساده الرجال ـ سمك لبن تمر هندي ـ سيداتي انساتي ) .\nان المتتبع لافلام رافت الميهي يجد بانها تتميز بعنصرين مهمين ، الاول هو ذلك التوازن بين عقلانيه مركزه تحكم علي الاشياء بمنطقها الخاص والذي يخرج عن المنطق المعتاد للاشياء .. وبين عاطفيه مغلفه بحنان خاص يصبه الميهي علي شخصياته ويجعلها قريبه من قلوبنا ، مهما كانت طبيعتها او خروجها عن التقاليد المعروفه .\nوبعد ان قدمنا لمجمل افلامه السينمائيه ، ماذا يمكن ان نقول عن المخرج والكاتب الفنان رافت الميهي . هل يصح لنا ان نقول بانه يمثل حاله خاصه ونادره في السينما العربية .. هل نقول بانه فنان يطلق خياله الجميل ويجنح الي كل ما هو غرائبي وفانتازي .. ام نقول بانه فنان يقدم الكوميديا في افلامه الاخيره ، باعتبارها لا تعتمد في تركيبتها علي تفاصيل الواقع بل تعلو علي هذا الواقع ، وبالتالي يستطيع ان يقدم رؤيه نقديه ساخره لما يحدث في هذا الواقع . ان كل ما ذكرناه ينطبق تماماً علي رافت الميهي ، فهو فنان يحاول الافلات من حصار الضحاله والثرثره التي تتحكم في غالبيه الانتاج السينمائي المصري .. فنان يقدم بابداعاته افتراضات لها اساس علمي صحيح ويبني عليها تداعيات ومشاهد تفجر الضحك من الاعماق ، دون اضطراره لاصطناع خفه الدم ، وهو بذلك يقدم افلاماً كوميديه بدون ممثلين كوميديين . اذن نحن امام فنان عاهد نفسه بان يكون مختلفاً ، ليس رغبه في التميز وانما لانه يفكر بشكل مختلف ، لا يقبل الا الجديد ولا يتحمس الا للابتكار .. هذا هو رافت الميهي .

الخبر من المصدر