العائد الاقتصادى للثورة

العائد الاقتصادى للثورة

منذ ما يقرب من 9 سنوات

العائد الاقتصادى للثورة

منذ اندلاع ثوره الشعب في يناير 2011 والسؤال الذي يتردد بالحاح: هل تسببت الثوره في تفاقم ازماتنا الاقتصاديه ام هي فقط كاشفه لتلك الازمات؟\nلكن الاجابه عن هذا السؤال ليست سهله كما يتوهّم البعض من المنحازين فكريا للثوره او ضدها، اذ يجب ان نبحث اولا في انجازات الثوره حتي تاريخه، ومدي اتصالها باهدافها المعلنه، وطبيعه المرحله التي تمر بها الدوله منذ ثورة يناير. هل يمكن ان نجزم ان الثوره قد استقرت توابعها؟ ام ان العدالة الاجتماعية المنشوده واطلاق الحريات وتوسيع قاعده المشاركه في الحكم.. وغيرها من اهداف الثوره مازال في مرحله التاسيس، ومن ثم لم يكتمل بعد التحوّل الديمرقراطي او ربما لن يكتمل ابدا علي الوجه المطلوب؟. الاجابه عن تلك الاسئله يضعنا فقط في مستهل الطريق لتحديد علاقه منتج الثوره الاهم وهو تحقيق الديمقراطيه بالتداعيات الاقتصاديه المختلفه، ام طبيعه تلك العلاقه فهي محل جدل واسع بين الاقتصاديين.\nاختلف الاقتصاديون حول الاثر الذي ينتجه النظام الديمقراطي علي الاداء الاقتصادي والمالي للدول. بعض الدراسات ابرزت الاثار الاقتصاديه والماليه الايجابيه لانظمه الحكم الديمقراطيه مقارنه بالانظمه الاستبداديه، والبعض الاخر اهتم بالاثار السلبيه لتلك الانظمه، بينما ابرزت مجموعه ثالثه ونادره من الدراسات والابحاث تباينا في طبيعه الاثر باختلاف المرحله الزمنيه التي تمر بها الدوله عبر عمليه التحول الديمقراطي من نظام سلطوي شمولي الي نظام اكثر انفتاحا وتعدديه.\nواذ يري «دوجلاس نورث» في كتابه «المؤسسات والتحول المؤسسي والاداء الاقتصادي» الصادر عام 1990 ان الديمقراطيه وحدها يمكنها ان تجبر الحكومه علي التصرف وفقا لصالح الشعب، لان افتقار نظام الحكم للضوابط الديمقراطيه يمكّن الحاكم الفرد من الاستيلاء علي الموارد عوضا عن توظيفها في التنمية الإقتصادية. فقد اكتشف الاقتصادي الامريكي «مانكور لويد اولسن» في مقال نشر عام 1993 بعنوان «الديكتاتوريه، الديمقراطيه والتنميه» ان الدول الاكثر تطورا اقتصاديا هي جميعا ديمقراطيات «مستقره»، وبالتالي سلّط الضوء علي دور المؤسسات الديمقراطيه في حمايه حقوق الافراد وممتلكاتهم مقارنه بالدور السلبي للنظم الاستبداديه في توفير الحمايه لتلك الحقوق. وفقا لـ«اولسن» تتسبب الاناركيه (الفوضي في غياب مؤسسات الدوله وحكم القانون) وعشوائيه المنافسه الي تدمير حوافز الاستثمار، كذلك راي ان الديكتاتوريات يمكنها ان تصنع معجزات اقتصاديه في الاجل القصير فقط، اما في الاجل الطويل، فوحدها الديمقراطيه هي التي تضمن النجاح الاقتصادي.\nباختصار، يري المعتقدون في قدره النظم الديمقراطيه علي تحقيق نمو اقتصادي اسرع ان الديمقراطيات تعمل علي تخصيص الموارد الاقتصاديه بصوره افضل من النظم المستبده، وان الديمقراطيات تحمي حقوق الملكيه بصوره افضل، وهو ما يقلل من عنصر عدم اليقين وبالتالي يشجع الاستثمار.\nاما عن النظريات المتشككه في الديمقراطيه، فهي ترتكز علي فرضيه عدم كفاءه الحكومه الشعبيه الممثله للاغلبيه، وقد حذّر «سامويل هنتنجتون» في كتابه «النظام السياسي في مجتمعات متغيره» الصادر عام 1968 من خطوره الاثار المترتبه علي زياده معدلات الطلب الاستهلاكي في الانظمه الديمقراطيه، كما دشّن «جاري بيكر» عام 1983 نموذجا يوضّح الاثر السلبي للديمقراطيه علي الكفاءه نتيجه لتنافس النخب المنتميه الي فصائل مختلفه علي النفوذ السياسي والسلطه، وذلك في مقال له بعنوان «نظريه المنافسه بين جماعات الضغط للتاثير السياسي». لكن من اشهر النظريات التي تشككت في الكفاءه الاقتصاديه لعمليه صنع القرار في النظم الديمقراطيه هي نظريه «الاختيار العام» التي وضع اساسها «جيمس بوكنان» و«جوردن تولوك» عام 1962 بالتركيز علي تداعيات تعارض المصالح بين السياسيين المنتخبين وبين الشعب، وعلي حرص الدوله علي ارضاء الكتل السكانيه الكبيره علي حساب الكفاءه ترجيحا لاهميه الصوت الانتخابي علي العائد الوطني. هناك مجموعه اخري من الدراسات التطبيقيه تنفي وجود ايه علاقه معنويه موجبه بين الديمقراطيه وايه تطورات ماليه لكن المجال لا يتسع لتناولها.\nالمهم في تلك الدراسات وغيرها مما يضيق به المقال، انه يمكن قياس درجه التحوّل الديمقراطي في مصر بصوره كميه دقيقه، وهناك مؤشرات عالميه شهيره لتقدير حاله الديمقراطيه منها مؤشر polity2، هو مؤشر صادر عن مشروع polity IV يصدره «مركز دراسات السلام المنتظم والانظمه الاجتماعيه» وياخذ القيمه بين ــ10 و10 حيث تشير القيمه سالب 10 الي اقصي درجات الاستبداد بينما القيمه 10 هي الدرجه القصوي لدرجه اكتمال الديمقراطيه في الدوله.\nجدير بالذكر الي ان قيمه المؤشر لمصر في عام 2011 هي ( ــ2 ) وتصنّف مصر ضمن الدول التي يسودها نظام الانوكراسي Anocracy وهي الدول التي لا تمارس السلطه فيها من خلال مؤسسات ديمقراطيه بالشكل الذي يوجد بالديمقراطيات التقليديه وانما تتنازع السلطه فيه مراكز للقوي داخل الدوله). كذلك يمكن تقدير العلاقه بين هذا التحوّل (لدي حدوثه) وبين مؤشرات اقتصاديه وماليه كثيره بشكّل قياسي عالي الدقه، وهو ما قمت بدراسته عام 2013 في مرحله مبكره جدا من اندلاع ثوره يناير، واشارت بعض نتائجه الي استجابه النمو الاقتصادي والنمو في القطاع المالي غير المصرفي بصوره كبيره نسبيا للصدمات (التغييرات الحاده) في مستوي الديمقراطيه في مصر بعد مرور فتره تتراوح بين 7 و9 سنوات، كما يكون التاثر بالصدمه في ادني مستوياته عندما يتعلق الامر بالنمو في القطاع المالي المصرفي والذي يبدو مستقلا الي حد كبير عن التحول الديمقراطي. لكن الخلاصه انه سيكون من الممكن معرفه والتنبؤ باثر ثوره يناير علي النمو الاقتصادي والتنميه الماليه بشكل علمي في وقت قريب.

الخبر من المصدر