هارفارد وقمة العالم الأكاديمى

هارفارد وقمة العالم الأكاديمى

منذ ما يقرب من 9 سنوات

هارفارد وقمة العالم الأكاديمى

عندما يقوم طلاب الثانويه الامريكيون بالمفاضله بين 4140 جامعه لاكمال دراساتهم تكون جامعه هارفارد Harvard University هي الاختيار الاول. ولا يقتصر الامر علي امريكا، فالكثير من الطلاب حول العالم يفضلون التقدم لهارفارد، وفي الغالب يصابون بخيبه الامل حينما يصلهم الرد! حيث انها لم تقبل سوي 5.9% من المتقدمين لها العام الماضي. وحينما يثار التساؤل حول سبب تقدم هذا العدد الكبير من الطلاب للجامعه خاصه مع تكلفهم عناء دفع تكاليف استمارات تبلغ 75 دولارا فان الاجابه تكون معروفه لانها افضل جامعه علي مستوي العالم، واحتمال القبول والدراسه بهذه الجامعه يستحق هذه المخاطره.\nبدايه يثار تساؤل مهم حول كيفيه وصول هارفارد الي قمه الهرم الاكاديمي العالمي. واذا ما استعرضنا تاريخ تاسيسها سوف نجد دلالات مهمه حول محددات نجاحها كمؤسسه، فلقد تم تاسيس هارفارد في عام 1636 بقرار من المجلس التشريعي لمستعمره ماساشوستس. وبذلك يمكن اعتبارها اقدم مؤسسه للتعليم العالي في امريكا. وفي عام 1639 قام جون هارفارد، رجل الدين البروتستانتي، بالتبرع بنصف تركته و400 كتاب من مكتبته الخاصه لصالحها. وعلي الرغم من ان الجامعه والمقررات الدراسيه بها لا تتبع انتماء دينيا بعينه، فانها قد تشبعت بالفلسفه البروتستانتيه. لكن مع تولي جون ليفيرت لرئاسه الجامعه كاول علماني من خارج طائفه رجال الدين البروتستانت في 1708، بدات هارفارد في فقدان طابعها البروتستانتي، وتم وضع اللبنات الاولي في تحويل هذه الجامعه لتتبوا مكانتها الراهنه علي قمه العالم الاكاديمي الحديث. في حين قام رئيس اخر للجامعه وهو تشارلز اليوت بادخال اصلاحات من قبيل المقررات الاختياريه، ومحدوديه عدد الطلاب في قاعات الدراسه، وامتحان الدخول للجامعه، واضعا بذلك اسس النظام الامريكي الحالي للتعليم العالي.\nلم تكن اجراءات الاصلاح الاكاديميه وحدها السبب الرئيس في ازدهار جامعه هارفارد، حيث يضاف الي ذلك تلقيها لتمويل كبير من جانب الحكومه الامريكيه علي مدي قرنين من عمرها. ولكن في عام 1824 تم اصدار قانون يحرم تقديم اي تمويل حكومي للجامعات الخاصه. من هنا خلقت هارفارد وقفا ماليا لها بلغت قيمته العام الماضي 36.4 مليار دولار، حقق لها دخلا قيمته 4.2 مليار دولار في 2014.\nلكن لماذا استطاعت هارفارد ان تعتلي قمه هرم الاكاديميه العالميه وتحافظ عليه؟ اربعه اسباب يمكن ان تكون مدخلا مناسبا لفهم ظاهره نجاح هذه المؤسسه الفريده. اولا تعتاد هارفارد علي قبول اكثر الطلاب تاهيلا علي مستوي العالم، كما ان القائمين علي اداره الجامعه يقدرون قيمه التنوع، من هنا فهي تضم طلابا من شتي بقاع الارض.\nوتضم الجامعه اكثر من 50 جماعه اثنيه وثقافيه، وعددا اخر من اتحادات الطلاب والمنظمات الخدميه وجماعات النشر والنقاش. كما تحرص هارفارد علي وجود طلاب من خلفيات اقتصاديه واجتماعيه وطبقيه مختلفه، لذا توفر منحا ماليه متعدده للطلاب الفقراء المميزين من داخل امريكا وخارجها. وتم تخصيص 160 مليون دولار العام الماضي كمنح لا ترد للمميزين من الطلاب داخل وخارج امريكا ممن لا يقدرون علي دفع تكاليف الدراسه. وكان متوسط ما حصل عليه الطالب من مساعدات ماليه في مرحله البكالوريوس ما يقرب من 46 الف دولار. ويتمثل العامل الثاني في تميز هيئه التدريس بها، وتضم هارفارد نحو 2400 أستاذ جامعي منهم 47 ممن حصلوا علي جوائز نوبل في مختلف المجالات، اضافه لـ 48 فائزا بجوائز بوليتزر الصحفيه الرفيعه. نعم يصاب بعض الاساتذه بالتعالي في بعض الاحيان، الا ان اداره الجامعه تدفع وتضغط علي اساتذتها لادراك ان الطالب له الاولويه. اما العامل الثالث لنجاح هارفارد فهو الموارد الاكاديميه والماليه التي توفرها لطلابها والتي لا يمكن مقارنتها بموارد اي مؤسسه اخري تعليميه علي مستوي العالم. فنظام المكتبه الجامعيه بها علي سبيل المثال يعد الاضخم بعد مكتبه الكونجرس الامريكي والمكتبه البريطانيه والمكتبه الوطنيه الفرنسيه، يتكون من 80 مكتبه فرعيه تضم نحو 18.9 مليون اصدار علمي، اضافه الي ملايين اخري من الكتب النادره والمخطوطات والوثائق المتاحه لمساعده الطلاب في ابحاثهم، ولتحقيق تقدم اكاديمي مضطرد.\nيمثل العامل الرابع في تفوق جامعه هارفارد في فرص التوظيف واسعه النطاق التي يحظي بها خريجوها. وتخرج من هارفارد 32 طالبا اصبحوا فيما بعد رؤساء او ملوكا في دولهم. ومن رؤساء امريكا الكبار هناك فرانكلين روزفلت وجون كيندي وباراك اوباما. وفي مجال المال والاعمال بيل جيتس مؤسس ميكروسوفت، ومارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك. ورؤساء عدد من الدول منها كولومبيا وليبيريا والمكسيك وشيلي وبوليفيا وولي عهد اليابان وسكرتير عام الامم المتحده. وتخرج كذلك اعداد كبيره من المفكرين المرموقين والساسه والممثلين والموسيقيين، ولذا يظل السبب الاول للاقبال علي الالتحاق بهارفارد هو ضمان الانضمام لنادي الخريجين المميزين الذي يضم حاليا 323 الف خريج منهم 271 الفا داخل امريكا و52 الفا حول العالم منتشرين في 201 دوله.\nتمكنت جامعه هارفارد علي مدي اربعه قرون من الارتقاء بادائها الاكاديمي لتصبح من اعظم المؤسسات التعليميه والبحثيه علي مستوي العالم، بالنظر الي اكتسابها لمكانه مرموقه وهو ما يرتبط بنجاح القائمين علي ادارتها في تحقيق التوافق بين مختلف عوامل النجاح من اجتذاب الطلبه المتميزين واعضاء هيئه التدريس المرموقين وتطوير الموارد الاكاديميه والماليه غير المتواجده في اي مؤسسه جامعيه اخري في مختلف انحاء العالم، ولذا لا يجد الطلاب بيئه اكاديميه مثاليه كهذه تراعي التنوع الفكري والثقافي والمشاركه الطلابيه سوي في جامعه هارفارد. ويحسب لاداره الجامعه حفاظها علي تفوقها خلال القرون الاربعه الماضيه، ولا يبدو ان هناك مصادر تهديد محتمله لهذه المكانه رغم التميز الكبير للعديد من الجامعات داخل وخارج امريكا.

الخبر من المصدر