المحتوى الرئيسى

جرتي كوري.. أمجاد العقل البشري

06/01 14:36

كانت "جرتي كوري" اول امراه تفوز بجائزه نوبل في الطب، لمساهمتها في اكتشاف تسلسل التحول المحفز للجليكوجين، واول امريكيه تحصل علي جائزه نوبل في مجالاتها العلميه علي الاطلاق، بعد ان قدمت اكتشافات هامه في مجال الامراض المرتبطه بالتمثيل الغذائي للكربوهيدرات، ومنها السكر، وطرق علاجها.

في اغسطس 1896، ولدت "جرتي ثيريزا رادنتز" في براغ، عاصمه جمهورية التشيك، التي كانت جزءا من الإمبراطورية النمساوية المجرية انذاك، كانت "جرتي" هي الابنه الكبري بين ثلاث بنات، لاسره يهوديه يعمل عائلها "اوتو رادنتز" مديرا لمعمل تكرير سكر، بينما كان عمها، استاذ طب الاطفال، سببا رئيسيا في ولعها بالعلم منذ طفولتها المبكره.

درست "جرتي" في منزل العائله، كعاده البنات في ذلك الزمان، ثم التحقت بمدرسه ثانويه خاصه للبنات، وكان دخول الجامعه يتطلب اجتياز اختبار للقبول، وهو ما حدث بالفعل، لتلتحق وسط نفر قليل من الطالبات بمدرسه الطب في جامعه فرديناند الالمانيه، في براغ، في عام 1914، وهناك التقت بـ"كارل كوري"، الذي سيشاركها كل شيء: العلم والحب وهوايه تسلق الجبال.

عندما اشتعلت الحرب العالميه الاولي، افترق العاشقان الي حين، فذهب "كارل" الي الجبهه الايطاليه ضمن الخدمات الطبيه، وذهبت "جرتي" الي مستشفي للاطفال.

خرجت اوروبا من الحرب مثخنه بالجراح، وتردت اوضاعها الاقتصاديه والاجتماعيه، كما ضربت المجاعات بعض مناطقها، ورات "جرتي" الاف الجرحي والمرضي، وعانت هي شخصيا من سوء التغذيه.

بعد الحرب، عادا الي الجامعه، ليتخرجا في عام 1920، ثم انتقلا الي فيينا، لتعمل "جرتي" كمساعد طبيب في مستشفي للاطفال، وتحولت الي الكاثوليكيه، في حين عمل "كارل" في مستشفي جامعه فيينا، وفي قسم الصيدله بجامعه جراتز، وتزوجا في نفس العام، لكنهما عاشا اياما صعبه، ولم تكن تلك هي الحياه التي يريدانها، لذلك قررا الهجره، بحثا عن حياه افضل.

بعد عامين وصل الزوجان الي الولايات المتحده الامريكيه، لكن البدايات دائما ما تعتريها الصعوبات، ووافق "كارل" علي الالتحاق بوظيفه كيميائي في معهد دراسات الامراض الخبيثه بولايه نيويورك، ثم لحقت به "جرتي"، بعده بشهور، للعمل كمساعد في قسم الباثولوجي "علم الامراض"، وان باجر رمزي وقتها.

لم يكن لدي الزوجان خبره سابقه بالامراض الخبيثه، محط اهتمام المعهد، كما لم يرحب مسؤولوه هناك بتعاونه مع "جرتي"، بل نصحوه بالا يتعاون معها لما في ذلك من ضرر بمسيرته المهنيه، لكنهما تجاوزا كل ذلك، وبدءا مشروعا بحثيا هاما.

كان الاعتقاد السائد -انذاك- ان تحول الجليكوجين (نوع من الكربوهيدرات) الي جلوكوز، لا يحتاج الي انزيمات، بل يكفي اتحاد جزيء ماء مع الجليكوجين لينتج الجلوكوز، لكن "جرتي وكارل" اكتشفا مركبا وسيطا، صار يعرف باسمهما "كوري استر"، يتكون بفعل انزيم الـ "فوسفوروليز"، وكان هذا الكشف هو الاساس المتين لفهم عمليه التمثيل الغذائي للسكر، او الكربوهيدرات عموما، ودور الانزيمات فيها، والامراض المرتبطه بها، ومن ثم طرق علاجها.

وبعد ان اصبحا مواطنين امريكيين، انتقلا الي مدرسه الطب بجامعه واشنطن، حيث عمل "كارل" استاذا لعلم الادويه والعقاقير، ثم بعد ذلك، استاذا فرئيسا لقسم الكيمياء الحيويه، وعملت "جرتي" باحثا مساعدا، وباجر رمزي ايضا.

وضعت "جرتي" طفلهما الوحيد، في عام 1936، لكنها لم تتوقف عن العمل،  فنشرت 11 بحثا مستقلا، حول اثار الاشعه السينيه علي عمليات التمثيل الغذائي، وتاثير افرازات الغده الدرقيه علي نمو اعداد طحالب البرامسيوم، وحول مقارنه مستويات السكر في الاورده والشرايين، تحت تاثير هرمون الانسولين، المكتشف حديثا، كما نشر الزوجان معا 50 بحثا مشتركا.

شجع اجتهاد "جرتي" الجامعه علي منحها درجه استاذ مشارك في الكيمياء الحيويه، في 1943، وبعد 4 سنوات نالت درجه استاذ الكيمياء الحيويه، وفي نفس العام، اصيبت جرتي بمرض نادر من امراض الدم، ظلت تقاومه لعشر سنوات، دون ان تتوقف خلالها عن بحوثها، بل اكتشفت مسارات انتقال الطاقه في الجسم، من العضلات الي الكبد ثم العوده الي العضلات، وصارت تلك الدوره تعرف بـ "دوره كوري"، وادخلا عليها تعديلات بعد ذلك.

ساهمت "جرتي كوري" مساهمه اساسيه في فهم ومعالجه الامراض المختلفه المرتبطه بالتمثيل الغذائي، مثل مرض السكر، ووضعت اساسا لتصنيف امراض الاطفال، وبرهنت علي دور الانزيمات في بعض الامراض الوراثيه، ووصفت انجازاتها بانها "انجازات علميه لا مثيل لها".

كانت "جرتي" عضوا في الجمعيه الامريكيه للكيمياء، والجمعيه الامريكيه للكيمياء الحيويه، والاكاديميه الوطنيه للعلوم، والجمعيه الفلسفيه الامريكيه، ومنحت جوائز متعدده منها جائزه "سكويب لعلم الغدد الصماء"، و"ميداليه جارفان" المرموقه للنساء الكيميائيات، وجائزه مؤسسه ابحاث السكر مرتين، كما منحتها عده جامعات الدكتوراه الفخريه في العلوم، لكن اكبر تقدير لها كان فوزها، بمشاركه زوجها والارجنتيني "برناردو هوساي"، بجائزه نوبل في الطب والفسيولوجيا، في عام 1947.

"هناك لحظات لا تنسي في حياتي، هي تلك اللحظات النادره، التي تاتي بعد سنوات من العمل الشاق، عندما ينكشف النقاب فجاه عن سر من اسرار الطبيعه، ويبدو ما كان غامضا ومجهولا وفوضويا، واضحا وجميلا ومرتبا"، هكذا قالت "جرتي".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل