أزمة اليمن تنبش صراعا ثقافيا قديما

أزمة اليمن تنبش صراعا ثقافيا قديما

منذ 9 سنوات

أزمة اليمن تنبش صراعا ثقافيا قديما

عندما برزت الحركه الحوثيه عام 2004 كطائفه سياسيه وطائفيه وعسكريه؛ كان احد اثار ذلك البروز هو نبش تفاصيل صراع فكري وثقافي عرفته اليمن منذ بواكير نشوء الدوله الشيعيه الزيديه نهايه القرن الهجري الثالث.\nولان اساس الدعوه الشيعيه الزيديه كان حصر الامامه/السلطه في العلويين من ابناء الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم؛ فقد كان ذلك اعاده يمنيه للخلافات المعروفه في التاريخ الإسلامي بين القحطانيين والعدنانيين، او عرب الجنوب وعرب الشمال؛ الذي عرفته معظم الممالك الاسلاميه باشكال مختلفه كان ذروتها مواجهات عسكريه، واخفها تعبيرات فلكلوريه وادبيه وتاريخيه ينتصر كل طرف منها لقومه وعشيرته!\nويعيد باحثون كثر اسباب هذا الصراع المتعدد الجوانب الي شعور اليمانيين بانتقاص الاخرين لدورهم في نصره الاسلام منذ هجره النبي محمد صلي الله عليه وسلم، وحروب الفتح الإسلامي التي كان لهم فيها دور حاسم وعظيم، بالاضافه الي ايمانهم بتميز تاريخهم الحضاري والسياسي العريق قبل الاسلام.\nوفي المقابل فان معظم نظريات السلطه/الامامه اما انها محصوره في قبائل قريش عموما او في الاسره الهاشميه بفرعيها العباسي والعلوي، مع ما يستتبع ذلك من تمجيدهم والترويج لفضلهم وتفوقهم علي الاخرين!\nومع دخول الدعوه الشيعيه الزيديه الي اليمن عام 284هـ علي يد الامام الهادي يحيى بن الحسين جالبا معه نظريته بحصر الامامه/السلطه بابناء البطنين (الحسن والحسين)؛ انتقلت معركه القحطانيين والعدنانيين الي داخل اليمن نفسه.\nوقد لاحظ د. علي محمد زيد -وهو متخصص متميز في تاريخ الدوله والفكر الهادوي- ان حاله النفور اليمني والشعور بالانتقاص من الداعيه العلوي قد ظهرت في السنوات الاولي لعمر دولته؛ حتي ان دعوات عديده من معارضيه اليمنيين في التحريض ضده استندت الي كونه غريبا عن الارض اليمنيه.\nكما لوحظ ان الامام العلوي نفسه كان قليل الثقه حتي بمؤيديه اليمنيين، فلم يولهم قياده الجيوش ولا المناصب التي ظلت حكرا في معظمها علي اقاربه العلويين الذين جلبهم من الحجاز او علي الشيعه القادمين من طبرستان من بلاد فارس، واقتصر دور اليمنيين علي خوض المعارك ودفع الواجبات الماليه!\n كان الحسن الهمداني -وهو احد اشهر العلماء اليمنيين والعرب الموسوعيين- معاصرا للدور الاول للدوله الهادويه، و قد ساءته نظريه حصر الامامه في اسره معينه وحرمان اليمنيين من حكم انفسهم، كما ساءه التطاول علي اليمنيين وتحقيرهم، وممارسه نوع من التمييز التاريخي ضدهم، وقد اسهم في ذلك دراسته العميقه للتاريخ اليمني القديم والحضارات العريقه التي عرفتها بلاده الاسلام.\nوقد جاهر الهمداني بعداوه دوله الامام الناصر حفيد المذهب الهادوي، وكان ابرزها قصيدته "الدامغه" وشرحه لها التي اثبت فيها تفوق اليمن، انسانا وحضاره وتاريخا، وانه لا حق للامام الهادي واولاده في حكم اليمن، لا بدليل ديني ولا بحق مكتسب، واتهمت بالتالي اشعاره المعتزه بيمنيته والرافضه لاحتكار العلويين للسلطه بانها معاديه للنبي محمد وال بيته من قبل المدافعين المتعصبين للعلويين.\nوقد لقي الهمداني كثيرا من العنت بسبب ذلك من قبل الامام العلوي الناصر وحاكم صنعاء المتحالف معه الذي لجا اليه هروبا من مطارده العلويين، وتعرض للسجن عده سنوات قبل ان تنجح قصائده المثيره لحميه القبائل اليمنية في الافراج عنه.\nومع استمرار العلويين ودولتهم في اليمن بنظريتهم السياسيه المعروفه؛ لم يعدم التاريخ اليمني ظهور اكثر من دعوه مضاده لهم. وتمثل الدور الثاني والثالث لدعوه التميز اليمني ورفض حرمان اليمنيين من حق السلطه؛ في دعوه العلامه نشوان بن سعيد الحميري وجماعه المطرفيه. وهم رغم انتمائهم المذهبي للزيديه اعلنوا فكره مناقضه لنظريه العلويين السياسيه، وابرزها انكار افضليه بشر باعيانهم اعتمادا علي النسب والقرابه للنبي محمد صلي الله عليه وسلم، وانكار حصر السلطه في اسره واحده.\nجاهر نشوان الحميري -وهو علامه ولغوي ومؤرخ كبير- برفض نظريه التميز العرقي، وافتخر باليمن وانسابها، ولم ير غيرها افضل منها، وله اشعار كثيره قارع بها معارضيه مفتخرا بدور قومه في نصره الاسلام والنبي والخلفاء "يا رُبَّ مفتخر ولولا سعينا/ وقيامنا مع جدّه لم يفتخِرْ".\nوراي الحميري ان الامامه تكون للافضل من خلق الله كائنا من كان لانه اقرب للعدل وابعد عن المحاباه:\n"حَصَر الامامهَ في قريش معشرٌ/ هم باليهود احق بالالحاقِ\nجهْلا، كما حصر اليهود ضلاله/ ان النبوه في بني اسحاقِ".\nكما كان له صراع اخر حول مفهوم ال النبي، وهل هم الهاشميون ام المؤمنون قاطبه:\n"الُ النبي همُ اتباع ملته/ من الاعاجم والسودان والعربِ\nلو لم يكن اله الا قرابتَه/ صلّي المصلِّي علي الطاغي ابي لهبِ".\nوكما حدث مع الهمداني، فقد شن المتعصبون للعلويين حملات شعواء ضده نثرا وشعرا، واهدروه دمه وكفروه.\nواما جماعه المطرفيه الزيديه، فقد كان ابرز مواقفها رفض حصر الامامه في نسب معين، والجزم بان الشرف والافضليه غير متعلقه بنسب بل بالعمل.\nوبسبب كونها جماعه منظمه وذات نفوذ بين عامه الزيديه، فقد واجهها امام تلك الفتره (عبد الله بن حمزه) بحمله استئصال دمويه محتهم محوا من الوجود، فكرا وانسانا، علي غرار محاكم التفتيش التي عرفتها اسبانيا بعد ذلك.\nظلت المعركه المذكوره سابقا بين العلويين واشياعهم والقحطانيين قائمه بشكل او باخر علي طول الالف سنه الماضيه، وفي العصر الحديث كتب السياسي والاديب العلوي احمد الشامي قصديته "دامغه الدوامغ" ردا علي دامغه الهمداني القديمه.\nولم يكن غريبا ان تنبش ازمه اليمن الراهنه بظهور الحركه الحوثيه في تلك الصراعات التاريخيه، فالدعوه الحوثيه الجديده لا تزال تستلهم النظريه السياسيه القديمه التي جاء بها الهادي قبل 1050 عاما.\nوفي الوثيقه الفكريه التي اصدرها الحوثيون وعلماء من الزيديه قبل ثلاثه اعوام، اعادوا تاكيد ابرز بنودها مثل حصر الامامه في ال النبي، والايمان باصطفائهم علي الخلق، وانهم طريق الهدايه والنجاه وحجج الله علي عباده في الارض.\n وكما حدث في الماضي، فقد انبري مثقفون يمنيون لرفض فكره الاصطفاء الاسري، واختصاص البعض بالفضل والهدايه لمجرد النسب.\nوناضل كتاب عديدون ضد فكره هيمنه العلويين في اليمن بوصفهم غرباء عنه، ورفع اخرون شعار "كلنا عيال تسعه" رفضا لفكره تفضيل نسب معين بمعايير الجاهليه ولا علاقه لها بالاسلام وقاعدته الخالده: "ان اكرمكم عند الله اتقاكم".

الخبر من المصدر