الغجر في السينما العالمية (1): توني جاتليف

الغجر في السينما العالمية (1): توني جاتليف

منذ 9 سنوات

الغجر في السينما العالمية (1): توني جاتليف

 توني جاتليف الذي ربما يعرفه الكثير من السينفيلز المصريين من خلال فيلمه "Vengo, 2000" الذي احتوي علي ابتهال راقص للمنشد الراحل أحمد التوني، هو مخرج غجري فرنسي ذو اصل جزائري، ولد بالجزائر في 1948.\nكرّس جميع افلامه لما بات يُعرف بـ”سينما الغجر”، التي تحكي تفاصيل حياه ومعاناه طائفه الغجر في فرنسا خصوصا وشرق اوروبا عموما؛ برؤيه علي النقيض للصوره النمطيه الغرائبيه التي كانت هوليوود تروج لها بشان الغجر في افلامها كلصوص، قطاع طرق، مجرمون ومشبوهون. \nبعد حياه صاخبه ومضطربه بدا في انجاز الافلام، وبعد فيلم قصير يتعرض لاوضاع الغجر في غرناطه واشبيليه؛ انجز «Les princes , 1983» " الامراء" الذي يحكي عن مجموعه من الغجر قررت الاقامه والاستقرار في ضواحي باريس، وتحدي اوامر سلطات الشرطه والبلديه المعنيه، التي كانت تسعي بشتي الوسائل القمعيه لطردهم، وتهجيرهم من تلك المناطق التي نزلوا، ونصبوا خيامهم فيها، وحاز الفيلم اعجاب النقاد وتقديرهم، وتحمس له كثيرا الفيلسوف الفرنسي الراحل جي ديبور الذي طاف شوارع باريس، وهو يحمل يافطه تقول:"امراء جاتليف ليسوا خونه".\nبعد حوالي ثلاثين عاما سيتكرر مشهد مشابه في قسوته وعنفه في نفس المكان وسينجز جاتليف ايضا فيلماً للرد علي الممارسات القمعيه للسلطات الفرنسيه بحق الغجر.\nبعد عشر سنوات سيحقق الفيلم الذي سيجذب اليه الانتباه والشهره في «Latcho Drom, 1993»  وتعني "رحله امنه" ياخذ المشاهد في رحله توثيقيه وممتعه لموسيقي الغجر في العالم، وصوره مع مجموعه فنيه صغيره انتقل معها اثناء التصوير الي الهند واسبانيا، ومصر وتركيا ورومانيا والمجر، وعرض الفيلم في قسم " نظره خاصه " في مهرجان " كان" واستقبل بحفاوه كبيره، وسافر بعدها الي مهرجانات وشاشات العالم.\nفي «Mondo, 1995» يستند الي قصه للاطفال للكاتب الفرنسي جون – ماري لي كليزيو، ويصنع فيلمه الذي تدور احداثه في مدينه نيس الساحليه الفرنسيه في خمسينيات القرن الماضي، والشخصيه المحوريه في قصه الفيلم هو الفتي «موندو» ابن العشر سنوات، غجري روماني، متشرد لا ينتمي لاسره وليس له ماض او شيء يتذكره ولا يملك شيئا، كما انه لا يتمتع باي مهاره سوي ابتسامته العريضه وروحه المرحه التي تسحر الغرباء وتفتح له قلوبهم، وهو يتجول في شوارع المدينه ويعرض نفسه للتبني.\nويتمتع «موندو» بمقدره طبيعيه علي استعطاف الغرباء بحثا عن الطعام ويقيم علاقات وديه مع عدد من الاشخاص، وبينهم صياد عطوف يعلّمه كتابه احرف اسمه ومتسول يملك حمامتين يروي له القصص وبائعه في مخبز تقدم له قطع الخبز ويعرّفه علي ساحر متجول في الشوارع يقوم الفتي بمساعدته، ثم يلقي هذا الفتي مساعده من امراه عجوز فيتناميه طيبه وحكيمه تقوم باحتضانه.\nكما يتمتع هذا الفتي بمقدره طبيعيه علي التهرب من رجال الامن وتجنب الاشخاص الشريرين، تعثر السلطات المحليه علي موندو وتحتجزه في قسم للرعايه الا انه يهرب، يختفي موندو عن الانظار في النهايه ولا يعرف احد مصيره، غير ان اختفاءه سيترك بعده فراغا وسينعكس علي مصائر من كان يتعامل معهم، لا توجد قصه بالمعني الحقيقي في الفيلم انما هو مصنوع في شكل يمكن وصفه بالقصيده السينمائيه الخالصه.\nفي «Gadjo dilo, 1997» او "الغريب المجنون" في هذا الفيلم، يصل ستيفان وهو شاب فرنسي، الي قرية غجريه نائيه في رومانيا بحثا عن مغنيه تدعي نورا لوكا، لا يعرف عن تلك المغنيه شيئا سوي صوتها الذي سمعه علي شريط كاسيت، كان سلوي ابيه طوال فتره احتضاره ليله وصوله الي القريه، يلتقي ستيفان الغجري العجوز ازيدور، سكرانا وحزينا، يبكي ابنه الذي اعتقلته الشرطه بتهمه ملفقه، يتصاحب الاثنان، ويصر العجوز علي ان يرافقه الشاب للمبيت في بيته من هنا تبدا رحله الاكتشاف المتبادله.\nاعتمد المخرج علي اثنين من الممثلين المحترفين فقط، رومان ديوريس في دور ستيفان، ورونا هارتنر في دور الغجريه سابينا عدا ذلك استخدم الفيلم اشخاصا عاديين قاموا بتمثيل انفسهم، ومن هؤلاء ايزادور العجوز الذي ادي دوره بشكل لافت، بل انه كان يقود المخرج في كثير من الاحيان لاقتراحات عديده.\nففي رحله البحث عن موسيقي غجري مشهور، قد يكون علي علم بالمغنيه نورا، يفاجا ايزادور ومن معه انه توفي منذ ايام، هنا يري المتفرج طقساً غريباً. يرقص العجوز علي قبر رفيقه الراحل يصحبه عزف موسيقي غجريه، ثم يزرع زجاجه الفودكا قرب قبره بدل الزهور.\nاعتمد المخرج اعتمادا كبيراً علي عفويه الطقس اليومي للغجر، وبالتالي فان ما يراه المتفرج من مشاهد، هو الحياه العاديه لايزادور وابناء عشيرته، يعترف جاتليف في حوار معه، انه عندما ذهب الي رومانيا للتصوير، حمل معه سيناريو مبدئيا ثم راح يعدل فيه حسب تطور علاقته مع تلك الفئه من الغجر، واستقرّت القصه في النهايه علي بحث ستيفان عن المغنيه نورا، واعتقال الشرطه الرومانيه لابن ايزادور بتهمه سرقه ملفقه، بالتالي يكشف الفيلم عن عنصريه الرومانيين تجاه الغجر.\nيتحرّر جاتليف كعادته من البنيه الكلاسيكيه للفيلم ويتكيء علي شخصيه الشاب الفرنسي لياخذنا في رحله استكشافيه الي عادات الغجر وتقاليدهم و فولكلورهم الفاتن في وثيقه ساخره ومليئه بالحب والحياه لمجموعه بشريه مهمشه في كل مكان.\nوتاتي خصوصيه الغجر الرومانيين من كونهم مضطهدين هناك، ويترافق الفيلم مع تدفق هجرتهم في السنوات الاخيره علي دول اوروبا الغربيه كلاجئين، ما جعلهم قضيه مطروحه في الاعلام الغربي، كمواطنين لا يتمتعون باي من الحقوق في بلادهم.\nفي «Exiles, 2004»، نتابع بطليه، شاب وفتاه من اصول جزائريه ويعيشان بفرنسا في حياه هامشيه صعبه ويقرران الذهاب الي ارضهم الاولي ومحاوله البحث عن التذكارات والاحداث الماضيه التي طالما كان يتحدث عنها والداهما. \nبامكانيات بسيطه وتحايلات علي الصعوبات الماديه يتغير مسار الرحله ويجدا نفسيهما في المغرب، وهناك يتابعان مشوارهما بمغامره اخري عندما يكتشفان ان الحدود المغربيه - الجزائريه مغلقه، ولا مجال لعبورهما الا عبر التهريب.\nالفيلم يقوم باطلاله اخاذه علي عمق حياه الشابين وتفاعلهما مع محيطهما الانساني ووجودهما بين انماط بشريه عديده فهما في مغامرتهما يلتقون مع جماعه من الغجر، وسائحين واندلسا لا يزال محتفظا بتراثه وموسيقي مصاحبه لا تكاد تتوقف طوال مده الفيلم تمتزج فيها الاغنيات المغاربيه والفلامنكو الاسباني، وموسيقي واغنيات الغجر، وصولا الي موسيقي التصوف في البيئه الشعبيه الجزائريه.\nفيلم طريف بامتياز رحله الامير زانو مع الاميره نعيمه الي الجزائرللتعبير عن واقع صارم مليء بلحظات من الاحاسيس والمشاعر الانسانيه المختلطه. \nفي «Korkoro, 2009»، يحكي قصه مجموعه من الغجر، عانوا من اضطهاد قوات الشرطه الفرنسيه في عهد حكومه فيشي.\nويقول جاتليف ان هذا الفيلم هو ”واجب للذكري؛ يناسب الشعب الاوروبي وخاصه الفرنسي، لان الاحداث جرت في فرنسا، والفرنسيون لديهم كل شيء، ولان الغجر الذين يتحدث عنهم كانوا فرنسيين مسجونين من قبل الجكومه الفرنسيه، فهي ذكري حقيقيه، ذكري جماعيه تعني كل فرنسيي ذلك العصر”.\nويضيف غاثليف، ان الذي سبب معاناه الغجر في فرنسا هو ”سياسه ذلك العهد، ومن الجيد شرح قانون فيشي وشرح كيف سجنهم ووضعهم تحت الاقامه الجبريه”.\n "عندما هاجرت عائلتي الي فرنسا عام 1962 كان عمري 13 عاماً لم استطع العوده الي الجزائر وقد اتاح لي الفيلم ذلك. لقد كانت المشاعر قويه ولقد بعثت في ذاكرتي عن قريتي ولكني لم اجدها واكتشفت انني غريب اينما ذهبت. فانا مواطن فرنسي ولكني لا اؤمن بمبدا الوطن وكل بلد متوسطي هو وطن لي. ان حياه البدو في ثقافتي الغجري يعني الحريه في اي مكان. \nويري توني جاتليف ان " الغجر ضعفاء ومسالمين ليس لديهم جيش ويستطيعون ان يدافعوا عن انفسهم فقط بصوره فرديه. ان بحثهم عن الحريه يدفعهم الي اساليب لا تتفق في بعض الاحيان مع عادات الدول التي يمروا بها، ولكن هذا لا يفسر الظلم الذي تعرضوا له من عصر النازيه وفي بلاد شرق اوروبا، ولم تحرك محاوله القضاء عليهم مشاعر احد". 

الخبر من المصدر