المحتوى الرئيسى

إبراهيم أحمد عيسى يكتب: إمارات أوروبا المسلمة (2) “فرخشنيط.. عصابات أم فاتحون؟” | ساسة بوست

04/25 20:29

منذ 1 دقيقه، 25 ابريل,2015

في عام 891 م نزل علي شاطئ بروفانس – بجنوب فرنسا – عشرون بحارًا اندلسيًا كانت قد تحطمت سفينتهم بفعل عاصفه هوجاء لتُلقي بهم الريح علي ذلك الشاطئ في خليج القديس تروبزر. تسللوا وهم لا يعرفون باي ارض هم، صعدوا علي تله حصينه مغطاه باشجار كثيفه وتحوي اثار حصن قديم يُسمي “فراكسينيتوم”. استقروا لبعض الوقت في ذلك الحصن الذي اسموه: “فرخشنيط” نسبه الي نبات الدردار المنتشر بكثافه في تلك المنطقه، الشيء الذي جعل منها غابه حصينه.

وما ان استتب لهم الامر واعادوا بناء الحصن حتي قاموا بغاره علي احدي القري المجاوره في محاوله لاستكشاف المكان وصالوا وجالوا في الانحاء، وبعد ان درسوا المنطقه جيدًا ارسلوا احدهم الي “الاندلس” برساله الي الخليفه عبد الرحمن الناصر وعرضوا عليه الامر وكيف وجدوا تلك الارض وحال اهلها من اختلاف مع الامراء والنبلاء المالكين لتلك القري، فاوفد مع الرسول مائه من الرجال ليتحقق من الاخبار الوارده له من تلك الاراضي في بلاد بروفانس، ومن هنا بدا مجد مدينه مسلمه اسسها المولودون الاندلسيون؛ مدينه حكمت جبال الالب واجزاء من سويسرا. انها اماره “فرخشنيط”.

كانت تلك البدايه لاحدي امارات اوروبا المسلمه، اماره خشاها الجميع وتوجست منها روما خيفه. لا يوجد في المراجع العربيه الكثير عنها ولكن وجدت الكثير من الكتابات لرهبان تلك الانحاء، كتابات ظلت محفوظه باديره نائيه تقص علينا كيف كان “سارازين” وهو لفظ اطلق علي العرب لكونهم غالبًا سمر الالوان. وقيل انها محرفه عن “سرا كنو” التي هي المسلمون بلغه الروم، و قد ذكر ابن بطوطه في رحلته ان قيصر القسطنطينيه سال عنه: هل هو سراكنو؟ اي مسلم.

ويظهر جليًا في تلك الاثار والمخطوطات ان المسلمين لم يكن هدفهم سياسيًا او امتدادًا جغرافيًا فقط، كانوا لصوصًا وقطاع طرق – هكذا تم وصفهم في المصادر الغربيه – اما في المصادر العربيه القليله يذكر ويسجل ابن حوقل ان المنطقه كانت عامره بمزارع المسلمين، الذين يرجع اليهم فضل العديد من الابداعات في الزراعه والصيد في المنطقه. ويدل حطام السفن في المنطقه ان فرخشنيط ربما كانت مركزًا ذا شان في التجاره مثلما كانت صاحبه الرياده في البحر باسطولها القوي المدعوم من الاندلس.

يَذكر محرر يوميات دير «نوفاليز» الذي يقع علي مقربه من بروفانس ان بدء الغارات للمسلمين علي النواحي القريبه من مدينتهم كانت في عام 906م وقد ذكر انه تم اجتياح القري من جماعات المسلمين واخضاع اهلها للاماره وقد روي علي حد وصفه “جرائم ترتعد لها الفرائص وفظاعات ارتكبها المسلمون”، وبعد ان تم اخضاع كل القري والمدن بين نهري البو والرون، توجه المسلمون لبناء ابراج تقع علي الطرقات الرئيسيه والمرتفعات المحيطه بها تمكنهم من رؤيه الطرق لمسافات بعيده وتكون ابراج اشاره ومراسله بالنيران في اوقات كثيره وبذلك اصبح المسلمون يتحكمون في طرق التجاره والحج من والي روما عبر مداخل جبال الالب.

وتذكر بعض الوثائق ان المسلمين قاموا بقطع الطرق علي بعض الحجاج وفرضوا عليهم رسومًا لعبور الطريق، وفي عام 921م لم يكن هناك سوي طريق واحد فقط لا يخضع للمسلمين وهو معبر سان برنار، ذلك الطريق الضيق بين الجبال الشاهقه، ومما يذكر ايضًا في السجلات طلب ملك انجلترا والدنمارك المسمي “كنوت” من رودولف ملك “بروغند” ان يؤمن طريق سان برنار للحجاج الانجليز مخافه من المسلمين المسيطرين علي المنطقه. وقد كانت اوروبا وخاصه تلك المنطقه مجرد ممالك تتكون احيانًا من مدينه واحده فقط. فلم يكونوا علي قلب رجل واحد بل يقومون بالاغاره والفتك ببعضهم البعض مما سهل للمسلمين ان ينزلوا للوادي الخصيب في سان برنار ويسيطرون عليه بسهوله ويقيمون عليه ابراجهم القويه التي كانت تحوي خزائن الاسلاب التي نقلت بعد ذلك الي فرخشنيط، ومنها الي ميناء بلنسيه في الاندلس ثم اودعت في خزائن قرطبه.

مع مرور الوقت استطاع المسلمون بسط نفوذهم حتي بحيره “جنيف” في سويسرا واصبحت معابر وطرق جبال الالب الشرقيه والغربيه اراضيَ تابعه لاماره فرخشنيط التي يهابها الجميع. وكالعاده بدات الاشاعات تنتشر عن هؤلاء السارازين الذين يفتكون بالحجاج والقري. ومع حلول عام 940م اصبحت سويسرا الالمانيه والتي تقع بها مدينه “كور” والتي تحتفظ الان باغلب وثائق تلك الحقبه في كاتدرائيتها، اصبحت اراضيَ تابعه للمسلمين الذين ارعبوا اوروبا وصاروا مصدر تهديد رغم قله اعدادهم. ومما هو ثابت ما فعله امير سويسرا الالمانيه “هرمان” بطلب تعويض من الامبراطور المقدس “اوتو” عن الاضرار التي تسبب بها غزو “كويدلونبرغ”، اي ان المسلمين وصلوا الي قلب اوروبا وساروا يعرفون دروب الجبال ومسالكها.

بعد ان قويت شوكه المسلمين واصبحوا مصدر تهديد لكل اوروبا كان علي احدهم ان يتصدي لهجمات تلك العصابات كما يصفونهم، فقام الكونت “هوجو” صاحب بروفانس بالتصدي لهم وطلب المدد من القسطنطينيه، وبالفعل وصلته السفن ذات النيران الاغريقيه والتي هجمت علي ميناء “فرخشنيط” ودمرت اسطولها بينما قام هو بحصار المدينه وقامت معارك شرسه وكاد ان يظفر بتلك الحرب ويقضي علي المسلمين، لكن جاءته الاخبار ان الكونت برنغار يسعي لدخول “لومبارديا” ويسلب الملك من تحت قدميه فعاد وترك الحصار وعاهد المسلمين الذين اصبحوا حلفاءه بعد تلك الواقعه. وكانت المعاهده تنص علي تامين المسلمين لجبال الالب وابقاء نفوذهم علي ما كان لهم، علي ان يصدوا اي هجوم محتمل عليه ياتي عبر الجبال.

وبذلك استطاع المسلمون ان يعيدوا تحصيناتهم مره اخري ويعالجوا ما كان في امارتهم من ثغرات. وبقي الحال كما هو عليه لفتره كبيره من الزمن، وكانت الطامه الكبري للاماره حين اغاروا علي ركب رجل دين من اكبر رجال عصره، القديس مايولوس، وكان يقود قافله كبيره من الحجاج تعبر ممر سان برنار، فهاجمهم العرب واخذوهم سبايا ونهبوا كل ممتلكاتهم. وتستفيض القصص في كرامات مايولوس، التي اهّلته ليرسـَّم قديسًا لاحقًا. ولم يطلقوا سراحهم حتي حصلوا علي فديه كبيره.

وكان لهذه الحادثه اثر كبير في نفوس الاوروبيين، ودفعت الملك وليام الاول حفيد هوجو من بروڤانس لحشد جيوش اوروبا والاتجاه لفرخشنيط. وتلاقي الجمعان في “معركه تورتور” والتي انهزم فيها جيش المسلمين واجتاحت القوات المدينه التي تحولت الي ركام ولم يبق سوي اثار ضئيله منها.

لم تحظ باهميه كبري في كتب التاريخ الاسلامي ولم يذكرها المؤرخون العرب بشكل مفصل بل تجاهلوها مع انها تعتبر فتحًا اسلاميًا في بلاد الغال (فرنسا)؛ ربما لانشغالهم بتدوين الثورات في الاندلس منذ دخول المسلمين فيها حتي خروجهم منها، وانشغال الحكام بقمع الثورات المتتاليه وكفاحهم للحفاظ علي دولتهم، وربما اعتبروها حمله متواضعه مقارنه بحملات وفتوحات اسلاميه اخري. لكن اكثر من تحدث عنها وبشكل تفصيلي هو “liudprand” رجل دين من ايطاليا قام بتدوين هذه الحمله وقت حدوثها في القرن١٠، والتي اعتبرها بعض المؤرخين الاوروبيين غاره من غارات القراصنه.

تبقّي من اماره فرخشنيط بعض اسماء المدن والطرقات من بازل السويسريه الي شاطئ فرنسا الجنوبي فنجد:

“الماجل”: وهي مدينه صغيره قرب سويسرا الايطاليه والكلمه تعني “ماء الجبل”، وقال ابن الاثير ان الماجل هو الماء الكثير المخزن بين الجبال.

“المشابل”: وهي قمم جبليه بجبال الالب واما ان تكون جمع مشبل بمعني اللبؤه ام الاشبال، او المشابيل جمع مشبول وهو مكان تربيه الاسود.

“وادي انزه”: وكما ينطق بالالمانيه Anzathale وهو وادي عنزه حيث كانت تسقي الماعز وترعي.

كما وجد بعض المصكوكات من النقود الفضيه والتي تحوي كلمات عربيه وبعض الاقمشه المطرزه بايات من القران الكريم والتي تُحفظ بعنايه في دير كور وخزائن دير سانت جيرمان. وكما هو الحال يحتفظ المنتصر بجزء من غنائمه كما يسُجل فظائع المهزوم وكيف كان السبيل للقضاء عليه. السؤال الذي يبقي حائرًا..

هل كانت فرخشنيط مجرد عصابات؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل