الصحف الإلكترونية الساخرة في تونس، سلاح الشباب في مواجهة السياسيين

الصحف الإلكترونية الساخرة في تونس، سلاح الشباب في مواجهة السياسيين

منذ 9 سنوات

الصحف الإلكترونية الساخرة في تونس، سلاح الشباب في مواجهة السياسيين

في مواجهه الوضع السياسي الجديد في البلاد، اختارت مجموعه من الشباب التونسي اسلوب السخريه لنقد الفاعلين السياسيين، في السلطه كانوا او في المعارضه. هي سخريه تظهر علي مواقع التواصل الاجتماعي، وقد حاول بعضهم تنظيمها من خلال مواقع ساخره تنشر اخباراً وصوراً.\nوبرزت اخيراً صحافة إلكترونية ساخره بدات تجمع حولها الكثير من المتابعين والقراء. وبموازاه ذلك، اصدر معارضون سابقون صحفاً ورقيه ساخره، لكنها ما لبثت ان احتجبت عن الصدور.\nفبعد اربع سنوات من المخاض السياسي في تونس، منذ سقوط نظام الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي، تعاقبت علي البلاد حكومات عده من مختلف التوجهات السياسيه. وتدهورت الاوضاع الامنيه والاقتصاديه والاجتماعيه، وتعمقت خيبه الامل، خاصه لدي فئه الشباب، الامر الذي دفعهم الي السخريه من الجميع.\nوفي هذا المناخ من الخيبه ولدت صحف الكترونيه ساخره كـ"تونس نيوز" باللغه العربيه وصحيفه "ليربرس" بالعربيه والفرنسيه. وكان بعض هذه الصحف متاثراً بتجارب غربيه ناجحه وبعضها الاخر حملت قصه اطلاقه شيئاً من الطرافه.\nبدر السلام المرزوقي، احد الشباب القائمين علي موقع "تونس نيوز"، اشهر المواقع الساخره في تونس، قال لرصيف22 ان موقعهم ولد مصادفهً، وان "الموقع انطلق في البدايه متخصصاً في متابعه الاخبار الوطنيه والاقليميه الي حين نشر خبراً دون التحقق من صحته ومن مصدر غير جدير بالثقه، فكان ان انتشر علي الشبكات الإجتماعية وتناقلته وسائل اعلام وطنيه ذات صدقيه. ولكن الخبر لم يكن سوي مزحه طريفه من ناشط علي فيسبوك البسها لبوس الخبر الصحيح".\nهذه المصادفه الطريفه جعلت فريق الموقع يتمادي في نشر مثل هذه الاخبار. وبموازاه ذلك واصلت وسائل الاعلام المحليه، التي تقدم نفسها علي انها جاده وتعمل بمهنيه، اعاده تدوير اخبار الموقع الساخره، وتقديمها علي انها اخبار صحيحه.\nبعض تلك الوسائل كان يفعل ذلك بوعي خدمهً لتوجهات سياسيه والبعض الاخر عن جهل. وفي هذا السياق يضيف المرزوقي: "اكتشفنا ان الفضاء الافتراضي يتسع لكل انواع الشائعات، واننا امام وسائل اعلام لا همّ لها سوي الاثاره وارضاء القارئ وبعيده كلّ البعد عن المهنيه في تقصي حقيقه الخبر. فوفرنا لها ماده غزيره من "السخريه الخبريه"، ان صح التعبير، من ادائها واداء صحافييها والجهات السياسيه التي تدعم هذه المؤسسات الاعلاميه".\nاما بشان نظام العمل في الموقع، فيؤكد المرزوقي ان عملهم لا يرمي الي اي غايات ماديه ولا يتقاضون من اجله رواتب بل يعمل كل فريق الموقع بشكل تطوعي. وذلك ما يفسر تواصل عمله، خاصه في ظل ارتفاع كلفه تشغيل المواقع الاخباريه وعجز الصحف الورقيه عن مواصله الصدور بانتظام بسبب المشاكل الماديه.\nوبعد سقوط النظام، ظهرت صحف ورقيه ساخره، لكنها ما لبثت ان احتجبت، دون ان تقدم اسباباً واضحه لذلك. والارجح ان تكون الاسباب الاقتصاديه وراء اختفائها، وهي ماساه تعيشها اغلبيه الصحف الورقيه التونسيه الساخره والجاده. وصارت "الهجره" نحو الفضاء الافتراضي بما توفره من نفقات الطباعه والورق والتوزيع وسهوله العمل من البيت تغري الناشرين.\nواهم هذه الصحف، جريده "القطوس"، اي الهرّ باللهجه العامية التونسية، التي اصدرها الصحافي المعارض سابقاً، سليم بوخذير وجريده "ضد السلطه" التي اصدرها الصحافي والكاتب الساخر، توفيق بن بريك، احد ابرز معارضي نظام الرئيس زين العابدين بن علي. ويؤكد المرزوقي رفضهم تلقي اي مساعدات ماليه من ايّه جهه، ويذكر انهم رفضوا سابقاً العديد من العروض الماديه السخيه حفاظاً علي استقلاليه الموقع.\nيقوم اسلوب الكتابه في المواقع الساخره في تونس علي المبالغه والتضخيم والربط بين احداث وافراد لا يمكن الربط بينهم في الواقع والتصوير الكاريكاتوري بالكلمات كدافع للاضحاك. علي سبيل المثال، قامت شركه تونسيه متخصصه في تصنيع الخمور بالكشف عن منتج جديد لها، هو عباره عن برميل صغير يحتوي علي خمسه ليترات من البيره، فنشر موقع "تونس نيوز" خبراً ساخراً مفاده ان "وزارة الداخلية التونسية ستمنع تسويق براميل البيره باعتبارها تهديداً جدياً للامن القومي نظراً لتسهيلها عمليات صنع العبوات الناسفه والالغام الارضيه لاستهداف قوات الامن والجيش الوطني". والطريف ان عشرات التونسيين نشروا الخبر في صفحاتهم علي فايسبوك باعتباره خبراً صحيحاً.\nوتتمحور اغلب اهتمامات المواقع التونسيه الساخره حول الشان السياسي المحلي او الاوضاع الاقليميه ذات العلاقه بتونس، وتستهدف السخريه جميع المكونات السياسيه في البلاد بمختلف توجهاتها.\nوفي هذا السياق قال المرزوقي: "فريقنا يحمل توجهات سياسيه مختلفه ومن كل العائلات السياسيه تقريباً لكننا اخترنا التخلي عنها طواعيه عندما تعلق الامر بنقد الاداء السياسي للنخب الحاكمه والمعارضه علي السواء. وكان هذا باتفاق الجميع ولم تكسر هذه القاعده الي اليوم"، واضاف: "النقد الساخر اسلوب يسهل تمرير الافكار التي نريدها ان تصل الي المتلقي وليس لدينا ياس من باقي اشكال المعارضه، لكننا اخترنا هذه الطريقه لاننا نتقنها ونسعي الي تطويرها".\nشهدت تونس في عهد الاستعمار الفرنسي ربيع الصحافه الساخره. فبعد سنوات طويله تحت الاستعمار وانسداد الافق السياسي والاجتماعي في البلاد، توجهت مجموعه من "صعاليك" الادب والثقافه في تونس الي الكتابه الهزليه للسخريه من الوضع القائم ونقد سلطات الاحتلال والقصر الملكي وشيوخ الزيتونه. وقد تجلي هذا المد الساخر في العديد من الصحف والمجلات التي كانت تصدر لفترات قصيره ثم تختفي بسبب القمع الاستعماري او لضيق ذات اليد والفقر المادي الذي يعاني منه المشرفون عليها.\nوقد احصي الباحث التونسي الراحل، حمادي الساحلي، في كتابه "الصحافه الهزليه في تونس نشاتها وتطورها" اكثر من خمس وثلاثين جريده فكاهيه هزليه صدرت في تونس خلال النصف الاول من القرن العشرين، كانت اولاها جريده "ترويح النفوس"، لصحابها عزوز الخياري، والتي صدر عددها الاول في الاول من نوفمبر 1906.\nويعد الشاعر التونسي حسين الجزيري (1894 - 1974) ابرز رواد الصحافه الساخره في تونس والعالم العربي. فبعد انقطاعه المبكر عن الدراسه، سعي الي تثقيف نفسه بالاقبال علي القراءه ومخالطه الادباء. وكتب في الصحف الساخره واختص بتحرير "المضحك"، كما كتب في جريده "جحا" لفتره طويله، واصدر جريدته "النديم" عام 1921 وكان محررها الوحيد والقائم علي جميع شؤونها، وقد استمر صدورها 22 عاماً.\nوبعد استقلال تونس عام 1956 وتوجه النظام السياسي في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبه وخليفته زين العابدين بن علي الي التفرد بالسلطه وطغيان نظام الحزب الواحد، اندثرت اغلب الصحف الساخره في البلاد بسبب فقدان مناخ حريه التعبير، لتعود وتظهر في اشكال اكثر تطوراً علي المستوي التقني والاسلوبي بعد سقوط النظام.

الخبر من المصدر