رفيق سبيعي: أوصي السوريين أن لا ينتظروا أحداً

رفيق سبيعي: أوصي السوريين أن لا ينتظروا أحداً

منذ 9 سنوات

رفيق سبيعي: أوصي السوريين أن لا ينتظروا أحداً

فناجين القهوه وعلب التبغ الموضوعه بالقرب من سريره في الغرفه 23 في مستشفي الطلياني بدمشق، توحي للزائر ان رفيق سبيعي يقضي فتره استشفاء عاديه؛ فالرجل الذي تجاوز الثمانين بخمس سنوات من دون ان يصيبه سام زهير بن أبي سلمى؛ كان قد خرج للتوّ لاداء صلاه الجمعه العظيمه مع الراهبات في الكنيسه المقابله للمستشفي ـ هكذا اخبرتنا ممرضته وهي تدعونا لانتظاره ريثما يعود.\nوبالفعل لم يتاخر فنان الشعب عن موعده مع «السفير». حيث بدا «ابو صياح» علي كرسيٍّ متحرك تصحبه ابنته السيده هبه سبيعي وبعض اصدقاء العمر.\nمن دون مقدمات ابتسم الفنان السوري القدير في وجه زواره، مرحباً بهم، ومتجاهلاً بضحكاته الابويه تحذيرات الطبيبه المشرفه عليه من اجهاد نفسه في الحديث للصحافه، لكن حتي انبوب الاوكسجين الموصول الي انفه؛ لم يمنع صوته الهادر من التعبير عن حزنه وخوفه علي بلاده التي دخلت غرفه العنايه المشدده منذ اكثر من اربع سنوات.\nكيف لا امرض وانا اشاهد يومياً ما وصلنا اليه؟ ـ تساءل صاحب شخصيه «طوطح» مضيفاً: «سنوات طويله صرفناها انا ورفاق العمر كي يصير الفن والفنانون مقبولين في مجتمعاتنا، لقد حفرنا بعيوننا واعصابنا وقلوبنا كي ينتصر الفن في هذه البلاد. كيف لا امرض وانا اري علي الشاشات واشاهد بام العين ما فعله الطغاه بتمثال الزعيم ابراهيم هنانو، لقد حطموه، تخيل، فعل لم تقم به حتي سلطات الاستعمار الفرنسي والذي حمل الثائر السوري البطل بندقيه الشرف في وجهها. اليوم هؤلاء الكفره يحطمون التماثيل ويعتبرونها اصناماً، لكن هل هم مقتنعون بذلك؟ لا اظن، هؤلاء يستخدمون الدين الاسلامي وسيله لتنفيذ مخططات تم تكليفهم بها كي يشوهوا هذا الدين».\nيسترسل الفنان القدير في سرد ما الت اليه الامور في وطنه فيقول: «رجعتُ من بيروت بعد دعوتي من تكريم اقامه لي الرفاق في الحزب القومي السوري، وادهشني حجم الاحتفاء والحب الذي قوبلت فيه هناك، كنتُ ساحزن كثيراً لو لم احضر تلك الامسيه، فالحب لا يمكن الا ان تلبي دعوته، ورغم تعبي صحياً اثرتُ ان اكون مع من يحملون سوريه في عيونهم وقلوبهم».\nيتذكر بطل «حمام الهنا» بداياته مع فن التمثيل، وكيف كان «المشخصاتي» منبوذا من مجتمعه خمسينيات القرن الفائت: «دفعنا ضريبه باهظه في تلك الايام، ابو خليل القباني وحكمت محسن وعبد اللطيف فتحي ونهاد قلعي واخرون، كانوا في مقدمه الطليعة السوريه التي ناضلت طويلاً لتكريس الفن في مجتمعاتها، لقد كان الفنان محتقراً وقتذاك، لكن اليوم صار الفن مقبولاً والفنان محترماً بين ابناء قومه».\nهذا ما يجهله الجيل الجديد من الفنانين الذين يعتقدون ان المسارح الضخمه والمؤسسات التي ترعي الفن في سوريه من معطيات الطبيعه ـ يتابع سبيعي: «هم لا يعرفون ان هذه الاوابد الحضاريه هي نتاج كفاح مرير وطويل خضناه انا وابناء جيلي من اجل الحصول عليها».\nالفنان الذي خرج من جوقه منشدي الحضرات والاذكار في زاويه الشيخ محمد الهامشي، كان يصر منذ يفاعته علي ان يكون حاضراً كمنشد لاشعار ابن عربي وابن الفارض في جامع نور الدين الشهيد: «كنتُ اطير فرحاً وبهجه كلما اصطحبني اخي الكبير توفيق الي حلقات الذكر، حيث كانت بالنسبه لي المتنفس الوحيد؛ فابي الذي كان القاضي الاهل في سوق البزوريه بين تجاره كان غير راضٍ عن مزاولتي للفن، وكم من مره طردني من البيت بسبب وقوفي علي المسرح في فرقه عبد اللطيف فتحي. الطريقه الوحيده التي كنتُ ادخل فيها الي بيت اهلي كانت عبر القفز علي اسطح المنازل المجاوره، فتهمه الفن وقتذاك كانت امراً جللاً وغير مقبول، والفنان كان يُنظر في تلك الايام له كقواد».\nلا استطيع ان ابتعد عن هذه البلاد، عمري كله قضيته مشتاقاً لنسمه من نسمات الشام ـ يضيف الفنان السوري ويقول بصوتٍ تترجرج نبرته الرجوليه العذبه: «في جوله قمنا بها انا والراحل فهد بلان الي دول اميركا الجنوبيه مقتبل سبعينيات القرن الفائت، اذكر انني لم احتمل البقاء حتي انهاء الجوله، وقمتُ شخصياً بالتاثير علي متعهد الحفلات كي اقطع الزياره، واعود الي دمشق. الشام حبيبتي، امي، اختي التي لا طاقه لي علي مفارقتها، وعلي اطاله البعد عنها».\nتنفر دمعه من عينيه فيمسحها برجوله ويتابع: «اليوم اشاهد بام العين كيف يستفيق الواحد من نومه لينقض علي ابناء جلدته كالوحش، اين الانسان الذي كنا ننشده ونتوسمه في فننا وحياتنا العامه؟ الشر والحقد وحب الجاه والثروه والسلطه اعمت الجميع؛ لذلك اوصي السوريين الا ينتظروا احداً وان يغيروا قدرهم بانفسهم، وهم قادرون علي مواجهه الظلام والظلاميين وكل غربان الارض التي تحاول تمزيق وتدمير هذا الوطن العزيز الغالي، انظر انا الرجل الذي بلغت من العمر عتياً ارغب ان اخرج واقاتل هؤلاء الكفره، فما هو شعور من هم في عمر الشباب وهم يشاهدون وطنهم تنهشه الذئاب؟».\nللاســـف الشديد نحن شعوب تعبد المال ـ يعقب سبيعي ويضيف: «الاعمال التــلفزيونيه التي يوصي بها الخليج ويمولها، هي لتشويه سوريه والسوريين؛ هذه ماساه.. انا اضع اليوم عيني في عين الله، اموت اليوم او غداً هذا امر تركته للخالق، لكنني اليوم غير قادر علي محاربه كل هذا الظلام الا بقلبي، صدّقني؛ لو كنتُ شاباً لما تفرّجتُ عليهم وهم يستبيحون بلدي وثقافته وفنه».

الخبر من المصدر