الهندي "كبير".. شاعر مسلم يضارع طاغور

الهندي "كبير".. شاعر مسلم يضارع طاغور

منذ 9 سنوات

الهندي "كبير".. شاعر مسلم يضارع طاغور

هذا ما يتجلّي لنا في الديوان الصادر حديثا عن دار نشر "غاليمار" الباريسيه بعنوان "ناي اللا متناهي" الذي يضم ٢٢ قصيده لهذا الشاعر ترجمها جيد عام ١٩١٦ وبقيت مخفيه داخل ارشيفه قبل ان يتم اكتشافها مؤخّرا بالصُدفه.\nوبما ان هذا الكاتب لم يكن يتقن اي لغه من لغات الهند الكثيره، فقد اعتمد في مهمّته علي الترجمه الانجليزيه التي وضعها صديقه طاغور لهذه القصائد. وهو ما دفع بدار "غاليمار" الي نشر هذه الترجمه ايضا داخل الديوان.\nوتجدر الاشاره اولا الي ان كبيرًا (١٤٤٠ م ـ ١٥١٨م) يتمتّع بشهرهٍ واسعه في الهند منذ خمسه قرون، ليس باعتباره شاعرا فحسب بل باعتباره حكيما وقائدا روحيا ايضا يبلغ عدد اتباعه اليوم عدّه ملايين، معظمهم يوجد في ولايه تشهاتيسغار وسط الهند حيث وُلد وعاش الجزء الاكبر من حياته، وفي مدينه مجاهر بشمال البلاد حيث توفي.\nولا يعرف سوي القليل عن حياته التي نسجت حولها اساطير كثيره. لكن الاكيد هو انه مارس مهنه النسج وكان يمضي معظم وقته في حانوته بمدينه بنارس. ورغم انه هندوسي الولاده، اعتنق كبير الديانه الاسلاميه، كما يشهد علي ذلك اسمه ومضمون قصائده.\nومع ان بعض المختصين شككوا في هذه النقطه من منطلق المراجع الهندوسيه الحاضره في اقواله، فان ايمانه بالهٍ واحد وتصوّفه العميق يبددان هذا الشك. ونظرا الي شموليه فكره، دُمجت بعض النصوص المنسوبه اليه بالكتاب المقدّس لمذهب السيخ، واعتبر مؤسّس هذا المذهب، بنجابي ناناك، نفسه تلميذا لكبير.\nوما نعرفه عن كبير ايضا هو انه تخلّي تدريجيا عن مهنه النسج وانطلق في التبشير بالله وبالحب الالهي فتحوّل حانوته الي مكان تجمّعٍ وصلاه وتعليم. وبما انه كان بعيدا كل البُعد عن اي عقائديه، كان يهزا دائما من المتزمّتين مهما كان انتماؤهم الديني. وفي البدايه، اعتبره الناس مجنونًا ثم متنوّرًا قبل ان تُسبّب حرّيه تفكيره له مشاكل جدّيه. اذ سيندّد اعداؤه بتعاليمه امام الامبراطور سيكاندر الذي سيضطهده ثم يحكم عليه بالاعدام فيُضطرّ الي مغادره بنارس.\nومنذ تلك الفتره، عاش كبير حياه تيهٍ وتنسّك مبشّرا بالله الواحد حيثما حلّ فكثر عدد اتباعه حتي ولو لم يفهم جميعهم عُمق فكره. وبعد وفاته، تعارك تلاميذه وبعض الامراء علي جثمانه وذاكرته وتم تشييد ضريحٍ له في مدينه مجاهر تردّد عليه المسلمون والهندوسيون قبل ان تقع صدامات بين الطرفَين اضطرّ الهندوسيون علي اثرها الي تشييد ضريحٍ اخر له الي جانب الاوّل.\nومثل حياته، تتميّز اعمال كبير الشعريه بجانبٍ تكهّني واسطوري لسببٍ بسيط هو انه لم يكتب في حياته سطرا واحدا بل اكتفي بنقل تعاليمه واقواله واناشيده (او قصائده) شفهيا الي المستمعين اليه ولم يسع ابدا الي لعب دور القائد الروحي.\nوفور قراءتها، نستشفّ هذا الجانب الشفهي في النصوص الغزيره المنسوبه اليه التي تملا عشرات الكتب، وفقا الي المؤرّخه شارلوت فودفيل. وقد خطّ هذه النصوص اتباع كبير اثناء استماعهم اليه، وبالتالي نجدها بلهجه الافادي المستخدمه انذاك في شمال الهند التي يتخلّلها الكثير من الكلمات العربيه والفارسيه.\nواشهر كتب كبير هو بدون شك ديوان "بيجاك" (الكلمه تعني "بذره" و"مفتاح" معًا) الذي جمع نصوصه المدعو بجفان داس عام ١٦٠٠م وتُرجم الي لغات عديده بينها الترجمه البنغاليه التي وضعها كشيتي موهان سين في بدايه القرن الماضي واعتمدها الشاعر طاغور لنقل مائه نصّ منها الي اللغة الإنجليزية بمساعده ايفلين اندرهيل.\nومن هذه المختارات، نقل اندريه جيد ٢٢ نصّا الي الفرنسيه قبل ان تُقدِم مواطنته هنرييت ميرابو تورانس الي ترجمتها كاملهً عام ١٩٢٢. وتحتل هذه الترجمه الجزء الثاني من كتاب كبير الصادر حديثا.\nوتغوص هذه النصوص بقارئها في قلب الهند خلال القرون الوسطى التي لا تبدو مختلفه كثيرا عن الهند اليوم، حيث المقدّس ما زال حاضرا في كل مكان، يلفّ بهالته مختلف جوانب الحياه اليوميه ويشحن بقدسيته كل حركه او كلمه.\nوما يشدّنا في هذه النصوص هو حيويه لغتها ومفرداتها وحس صاحبها الفكاهي الكبير وعدم اكتراثه للمؤسّسات والمحظّرات وحماسته الصوفيه التي ترتقي بخطابه الي قمه التجلّي الشعري والروحي.\nلكن حداثه كبير التي لم تفقد شيئا من نضارتها تكمن خصوصا في مسعاه الفريد الذي يتجاوز التفرقه بين الاديان ويجعلنا نحلم باتّحادٍ واخوّه بين البشر في عالمٍ يمزّقه الحقد والمنافسه منذ فجر الخليقه.

الخبر من المصدر