والدة شهيد سيارة رفح: "ابنى كان بطل بيدافع عن بلده"

والدة شهيد سيارة رفح: "ابنى كان بطل بيدافع عن بلده"

منذ 9 سنوات

والدة شهيد سيارة رفح: "ابنى كان بطل بيدافع عن بلده"

بلباس اسود لم يتغير لونه منذ عامين، ولهجة ريفية بسيطه، وقطرات دموع تنسال، تعجز السيده سليمان عن منعها، تتذكر ابنها محمد فرحان، شهيد حادث انقلاب سياره الجيش في منطقه رفح بصحراء شمال سيناء في اوائل مارس 2013، وتهنئته لها بمناسبه عيد الام، التي كانت قبل موعدها بثلاثه ايام، حدثها قائلاً: «كل سنه وانت طيبه يا حاجه، علشان انا هطلع بكره علي الجبل ومش عارف هرجع تاني امتي»، تشرح الام: «هو كان متعود يقول لي مش عارف هارجع امتي عشان الظروف اللي بتمر بيها البلد، بس في المره دي اصر انه يحضني، وما كنتش عارفه انه هيبقي اخر حضن».\nتعود الام بذاكرتها الي الفتره التي سبقت وفاه ابنها بثلاثه اشهر، وتحديداً مع مولد ابنه الثاني وحفيدها الذي كانت تحمل له مشاعر اكثر من ابنها الفقيد: «اعز الولد ولد الولد» كما تقول، وترجمه هذا الشعور باصرارها علي تسميه الحفيد «محمد» علي اسم ابيه، رغم ان والده الشهيد كان يريد تسميته علي اسمه جده، لكن الام اصرت وقتها علي تسميته باسم الاب، مبرره: «قلبي كان محروق علي ابني واصريت اني اسميه علي اسمه».\nتسترجع الام التهنئه الاخيره بعيد الام، وتقول انها اكبر عندها من اي هديه يمكن ان يقدمها اليها احد من ابنائها، فعلاقتها بابنها الاكبر الذي تعتبره الاقرب الي قلبها كانت وثيقه: «محمد كان حنين عليَّ، وعمره ما زعلني حتي بعد زواجه، كان دايماً بييجي علي مراته علشان خاطري، رغم اني ممكن اكون غلطانه، وتصرفاته دي كانت بتدفعني علي الحرص اثناء التعامل مع زوجته».\nتصمت الام المكلومه لبرهه، تقطعها بحديثها المشفوع بالدموع: «زي ما اكون لسه سامعه خبر وفاته الاسبوع اللي فات»، طرقات امين الشرطه علي البوابه الحديديه لمنزلهم الصغير القابع بشارع محمد فريد، بحي السوق بمدينه بلبيس بمحافظه الشرقيه، ما زالت تدوي في اذنها، كما تقول، دور امين الشرطه كان اخبار الاسره بوفاه ابنهم، وضروره تحركهم الي مطار الماظه لاستلام الجثمان، ليقوم عمه باجراء اتصال بوالده الذي كان في عمله باحدي الشركات الخاصه بمدينه العاشر من رمضان، ويتحركان معاً الي القاهره، بينما تظل الام في انتظار وصول الجثمان بعد رفض الاب اصطحابها معهم.\nتتذكر السيده اخر ليله قضاها ابنها في البيت، عندما جاء لها برفقه زملائه في الوحده العسكريه ليبيتوا ليلتهم الاخيره قبل التحرك الي سيناء فجر اليوم التالي، وقام بايقاظها من نومها ليسلم عليها قائلاً: «خدي بالك من ولادي احمد ومحمد ومراتي»، تطلب منه ان ينتظر يوم او اثنين ثم يسافر، يرد عليها بابتسامه هادئه: «مش بمزاجي يا حاجه»، وينتهي لقاء الوداع بينهما والام تقول: «ولادك في عيني يا ضنايا»، وبعد مرور يومين ياتيها خبر موته مع صديق في نفس الحادث.\nتشير السيده بيمينها الي برواز تتوسطه صوره الشهيد وابنه الاكبر احمد، تروي قصه الصوره: «دي كانت اخر صوره اتصورها في العيد»، يومها كان خارجاً بصحبه ابنه، وداعبته قائله: «انت بتحبني اكتر ولا ابنك احمد؟»، يبتسم: «انتي امي وهو ابني وبحبكم انتم الاتنين».\nتفتخر ام الشهيد بابنها الذي فقدته اثناء خدمته العسكريه بمنطقه رفح في سيناء: «عند ربنا وفداء للوطن»، مؤكده ان شقيقه حسين الاصغر كان مجنداً وقتها في الجيش، لكن ما يحزنها هو نزول ابنها 3 ايام فقط للعزاء في شقيقه، كانت تتمني ان تطول اجازه ابنها الثاني حتي يتم الانتهاء من مراسم العزاء، خصوصاً ان مراسم العزاء في بلدتهم تستغرق اكثر من اسبوع.\nويستمر تفاخر الام بخدمه ابنائها في القوات المسلحه: «بعد خروج حسين من الجيش دخل سليمان، وهو حالياً يقضي خدمته في القاهره»، تتمني السيده من الله ان يحفظه وينتهي من خدمه العسكريه ويعود الي بلدته.\nورقه عمله بخمسين جنيهاً تمسكها الام باصابعها: «دي كانت اخر خمسين جنيه اداها لي محمد قبل ما يسافر»، فرغم انه كان مجنداً، فانه كان يستغل ايام الاجازه في العمل باحدي وكالات الفاكهه لتوفير نفقاته الخاصه، وقبل سفره الي وحدته العسكريه كان يعطي زوجته مصروفها، ولا ينسي ان يعطي والدته، موضحه انها لن تصرف الخمسين جنيهاً، حتي لو لم يتبق في البيت كله غيرها.\nجميع متعلقات محمد جمعتها الام في غرفه مغلقه تفتحها بين الحين والاخر، كلما اشتاقت الي ابنها. تقبض الام باناملها علي قطعه من ملابس الابن وتروي حكايتها: «دي اللي رجع بيها بعد ما تعرضت النقطه الامنيه اللي مرتكز فيها لهجوم ارهابي، الارهابيين ضربوا عليهم نار، وولعوا في غرفه المبيت اللي كانوا بيناموا فيها، وكل هدومهم اتحرقت ما عدا اللي كانوا لابسينه علي جسمهم»، مشيره الي ان ابنها شاهد الموت بعينيه مرتين قبل سقوطه شهيداً، المره الاولي كانت اثناء وجوده بنقطه الارتكاز الحدوديه واحترقت فيها جميع ملابسه، بينما المره الثانيه اطلق فيها مسلحون النيران عليهم اثناء وجوده في المعسكر برفح.\nتدعي ام الشهيد محمد فرحان علي من تسببوا في موت ابنها: «يا رب يشوفه في ولاده»، تحمد الله وتشكر المسئولين علي توفير معاش لزوجه ابنها واولاده، وتتمني من الله ان تعيش حتي يتربي ابناؤه وتطمئن عليهم. وتقول انها حريصه علي ان تصطحب احفادها اثناء زيارتها لقبر ابنها، وتقرا الفاتحه وهم يرددون وراءها، مؤكده لهم ان اباهم كان بطلاً يدافع عن الوطن، من اجل ان يحافظ عليهم، وان من قتلوه ارهابيون يريدون تدمير البلد.\nلم يعد لام الشهيد الا مطلب اخير، ان يخلد اسم ابنها الشهيد، كما حدث مع شهداء الجيش والشرطه، بعد 30 يونيو، بوضع اسمه علي المدرسه الحديثه التي تقبع علي ناصيه شارع محمد فريد بالقرب من منزلهم.

الخبر من المصدر