المحتوى الرئيسى

ليز ميتنر.. امرأة اكتشفت الانشطار النووي ورفضت القنبلة فتجاهلتها نوبل

01/09 17:06

لن تجد غالبا افضل من "ليز ميتنر" كمثال علي انجاز علمي مهم حققته سيده وتجاهلته جائزه نوبل، رغم تكريم لجنه الجائزه نفسها لبعض من اعضاء فريقها من مكتشفي الانشطار النووي.

ولدت ليز ميتنر في النمسا، عام 1878، لاسره يهوديه من الطبقة الوسطى، لتعيش طفولتها في جيتو لليهود باحد احياء فيينا، ولتظهر تفوقا ملحوظا في الرياضيات والعلوم جعلها تطمح الي ما هو ابعد من مجرد وظيفه او امومه تقليديه، في وقت لم يكن متاحا للبنات قدر كبير من التعليم، ولم يكن مسموحا لهن الالتحاق بالجامعه.

في عام 1890، سمحت النمسا للبنات بدخول الجامعه بعد اجتياز اختبار للقبول، وفي اقسام  معينه، لم تكن الكيمياء من بينها "خوفا من ان تؤدي شعور البنات الطويله الي حرائق اذا ما لامستها النيران في معامل الكيمياء"، وقد كانت "ليز" احدي 4 طالبات نجحن في الحصول علي مقعد في جامعة فيينا، وهي في الـ 23 من عمرها، في عام 1901.

وقد استغرقتها دراسه الفيزياء، من بين ما درسته، وتاثرت باستاذها الفيزيائي لودفيج بولتزمان، لتحمل من بعده لواء "البحث عن الحقيقه المطلقه"، كما كان يصف علم الفيزياء دوما خلال محاضراته، وعندما انهت "ليز" دراستها الجامعيه، في عام 1905، كانت قد حسمت طريقها العلمي بالتخصص في الفيزياء، وعملت بالفعل مع بولتزمان علي اكتشاف طريقه تجريبيه لاثبات تشتت جسيمات الفا، كما اكتشفت ان الذرات هي مصادر لقوي كهربيه شديده، وسوف تستخدم تلك النتائج فيما بعد لاكتشاف وجود نواه للذره.

كانت "ليز" ثاني امراه تحصل علي درجه الدكتوراه في الفيزياء من جامعه فيينا، في 1906، لتنتقل في شتاء العام التالي الي برلين علي نفقتها الخاصه، وسط رفض "ماكس بلانك" لحضور النساء لمحاضراته، ورفض الكيميائي "اميل فيتشر" المشرف علي قسم الكيمياء انضمامها الي فريقه من الرجال، وقد كان عليها الانتظار لمده عام كامل قبل ان يسمح لها العمل بدون اجر مع الكيميائي الالماني "اوتو هان"، والموافقه علي تاسيس معمل خاص بها في الدور الارضي لقسم الكيمياء بجامعه برلين، في مكان يستخدم كمخزن للاخشاب، وقد استمر التعاون بين "ليز" و"هان" لاكثر من 30 عاما بعد ذلك في مجال الفيزياء النوويه والكشف عن فيزياء العناصر المشعه، ليكتشفا معا عنصرا جديدا اضيف الي الجدول الدوري تحت اسم "بروتواكتينيوم"، في 1918.

في السباق الي القنبلة النووية..

في عام 1921، سافرت "ليز" الي السويد، لتعمل استاذا زائرا في جامعه لوند، ومع عودتها في العام التالي الي برلين، اكتشفت "ليز" مع فريقها طيف الطاقه المستمر المصاحب لانحلال جسيمات بيتا، التي تصدر عن نواه الذره نتيجه تحول النيوترونات الي بروتونات، وهو ما سيقود الفيزيائي الالماني "فولفجانج باولي" الي افتراض وجود جسيمات نوويه اصغر غير مشحونه مصاحبه لانحلال بيتا تسمي "نيوترينو".

  وشهدت اواخر العشرينات من القرن الماضي اعترافا واسعا بدور "ليز" وتقديرا لانجازاتها، فمنحتها اكاديميه برلين للعلوم ميداليه لايبنتز، ثم كرمتها اكاديميه العلوم بفيينا في العام التالي، ثم منحتها جامعه برلين درجه بروفيسور، في عام 1926، لتصبح اول سيده تحصل علي درجه بروفيسور من جامعه برلين، ثم منحتها جمعيه مساعده العلماء النساء جائزه الين ريتشاردز، عام 1928.

في منتصف عام 1930، اجبرت "ليز" علي التوقف عن القاء محاضراتها، تحت حكم النازيه التي لم تكن تسمح لليهود بان يواصلوا مسيرتهم العلميه دون تهديد، في الوقت الذي استمرت في عملها بمشاركه "هان" و"فرتز ستراسمان" في تجاربهم حول نواتج قذف اليورانيوم بالنيوترونات، في سباق مع باحثين اخرين في فرنسا وبريطانيا وروسيا.

ومع احتلال المانيا النازيه للنمسا، اضطرت "ليز" للهرب الي هولندا، في صيف 1938، ثم الي السويد وهي في عمر الـ 60، لتلتحق بالعمل في معهد الفيزياء التجريبيه وسط تجاهل من المجتمع العلمي هناك وامكانيات علميه وبحثيه محدوده.

لم ينقطع التواصل بين "ليز" و"هان"، حيث التقيا سرا في كوبنهاجن بعد فتره قصيره من هروب ليز، وبناء علي اقتراح منها بدا هان تجارب جديده حول نواتج التفاعل النووي بين النيوترونات واليورانيوم، واكدت هذه التجارب ان ناتج التفاعل بين اليورانيوم والنيوترونات هو عنصر الباريوم، وليس الراديوم كما كان هان وستراسمان يعتقدان، وليس الثوريوم كما اعتقدت ايرين كوري.

 في يناير 1939، قدم هان وستراسمان هذه النتائج في ورقه علميه نشرت دون اي اشاره لاسم ليز ميتنر، التي شاركتهم العمل لسنوات حول انقسام اليورانيوم، وقد كانت ورقه هان وستراسمان تؤكد حدوث انقسام لنواه اليورانيوم الي انويه اصغر ونيوترونات مصحوبه بطاقه هائله، لكن دون تفسير فيزيائي وتسميه دقيقه، في حين قدمت "ليز" و"فريش" ورقتهما البحثيه التي تصف نظريه الانشطار النووي، في فبراير 1939، بعد اقل من شهر.

كان ذلك الكشف ايذانا ببدء عصر جديد، ودخول البشريه الي عصر الطاقه النوويه، وبقيه القصه معروفه: رساله تنبيه من اينشتين الي الرئيس الامريكي فرانكلين روزفيلت، ثم قرار سريع ببدء ما عرف ب"مشروع مانهاتن"، وانتاج اول قنبلة نووية، ثم كارثتي هيروشيما ونجازاكي في اغسطس 1945.

تجاهل لجنه نوبل الذي لا يغتفر..

لقد شاركت ليز مع هان وستراسمان في البحث لسنوات طويله، وعندما حانت لحظه التكريم كان عليها ان تجلس في الصفوف الخلفيه، ربما لانها انثي، وربما لانها رفضت الاشتراك في مشروع مانهاتن وصنع القنبله النوويه، فقد منح هان وستراسمان جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1944، و تم تجاهل ليز ميتنر، ربما كان ذلك بسبب تجاهل هان نفسه لها بعدما تركت المانيا، وربما تم تجاهلها لاسباب اخري تتعلق بارائها السياسيه وتحولها للبروتستانتيه في مقتبل حياتها، وربما بسبب انحياز لجنه نوبل ضد النساء، وهو تجاهل وخطا لا يغتفر في كل الاحوال.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل