ما الذي يفكر به المرضى قبل موتهم؟

ما الذي يفكر به المرضى قبل موتهم؟

منذ 9 سنوات

ما الذي يفكر به المرضى قبل موتهم؟

كاتبه المقال: كيري ايغان، تعمل في رعايه المرضي في كارولاينا الجنوبية، وهي مؤلفه كتاب " Fumbling: A Pilgrimage Tale of Love, Grief" و" Spiritual Renewal on the Camino de Santiago".\n"اعلم بانه يفترض بان اكره جسدي"، تقول مريضه بلهجة جنوبية امريكيه، خلال ابعادها غذائها المكون من كتله بنيه اللون، وبعض البرتقال، ابنها انفق الكثير من الاموال لتحظي بطعام يقل من الدسم والسعرات الحرارية ويخلو من الصوديوم لتصل هذه الوجبات الي عتبه المنزل، خلال وجودها وحدها، ريثما ينهي ابنها عمله.\nبدت وكانها كومه من الحجاره المرصوفه فوق بعضها، تقول المريضه المصابه بالسرطان بتنهد: "ساموت سعيده لو سمح لي فقط بتناول قضمه من كيك الكراميل -- مريضه"، لقد كنت راعيتها، نظرت الي وسالتني: "لا افترض بانك تملكين بعضاً من ذلك الكيك؟"\nاجبتها: "كلا للاسف ليس لدي بعض منها، ولكن لم يتوجب عليك ان تكرهي جسدك؟"\nنظرت بعيداً ضاحكه قائله: "لانني سمينه يا كيري!"، مسحت بيديها الناعمتين علي صدرها وبطنها المتاكل بالسرطان، وقالت: "اعلم ذلك منذ ان كنت صغيره"، نطقت الجمله وهي تنظر الي البطانيه المجعده الممتده في حضنها.\n"لقد اخبرني الجميع بذلك، عائلتي ومدرستي وكنيستي، وعندما كبرت بالسن اخبرتني المجلات والبائعات والاحباء، حتي ولو لم ينطقوا بتلك العباره، فان العالم باسره استمر وعلي مدي 75 عاماً باخباري بمدي سوء جسدي، اولاً لكوني انثي، ثم لكوني سمينه ومن ثم لكوني مريضه."\nنظرت الي الاعلي، هذه المره امتلا جفناها السفليان بالدموع، "ان الامر الوحيد الذي دار في ذهني علي الدوام، كان تساؤلي حول السبب الذي يدفع الجميع علي اجباري لكره جسدي، لماذا يهمهم الامر لهذه الدرجه؟"\nلقد شاركني المرضي الذين رعيتهم العديد من الاحلام والاماني التي لم تتحقق، ولكن الوقت الذي امضوه وهم يكرهون اجسادهم او يسيؤون اليها او يسمحون لغيرهم بالاساءه اليها، تلك السنوات التي يقيضها الناس وهم غارقون في مراحل متقدمه من كره اجسادهم حتي يقترب الاوان لمغادرتها، هي اكثر الاوقات حزناً.\nوهو امر محزن اكثر لانها ليس مثل الاخطاء او الهفوات او الحوادث التي تجري في حياه المرء والتي يمكنه تغييرها، بل هو تصرف مقصود، انه تصرف ينجم عنه شعور يملي علي الشخص، وهو امر يرغب الغير بان تصدقه.\nوفي بعض الاحيان يبني هذا الشعور علي الاجساد التي يصفها الغير بانه غير جاذبه، قد يشعرون بالعار من وزنهم او من شعر اجسادهم او من شفاههم الصغيره او العينين الذابلتين.\nلكن يمكن لهذا الكره للجسد ان يتاصل من الدين، خاصه عند التفكير بالمعاصي التي يمكن ان يقدم عليها الانسان باستخدامه، فاللوم وحده قد لا يقع علي عاتق وسائل الاعلام او المحيطين بالشخص في توليد هذا الحس بالعار، قد ياتي هذا الشعور من قسيس في صلاه الاحد، او الدروس التي يتلقاها المرء في منزله منذ الولاده، وحتي بعد التخلص من حليب الام.\nبعض النساء يعتقدن بانه بمجرد تواجدهن في اجسام قد تكون جاذبه للجنس الاخر هو امر يدعو للعار، واخرون يشعرون بالذنب لتواجدهم في اجساد يمكنها ان ترتكب المعاصي.\nفي كلتا الحالتين فالرساله الناجمه هي ذاتها: انهم يعيشون حياتهم وهم يرون في اجسامهم مجرد امتحان يتوجب عليهم تحمله، ماده يتم انتقادها وكرهها، وفي اسوا الحالات يرون باجسادهم مشكله لن يتمكنوا من حلها علي الاطلاق.\nوفي اغلب الاحيان، فان المرء لا يتمكن من تقدير اهميه جسده الا عندما يقترب من مغادرته، خاصه في حالات المرض، اخبرتني مريضه انها ستشتاق لجسدها، رافعه ذراعيها عبر اشعه الشمس المتسلله عبر نافذه غرفتها، ونظرت اليهما كما لو كان اللقاء الاول.\nواضافت: "لن اخبر زوجي واطفالي بهذا، ولكن اكثر شيء سافتقده بعد رحيلي هو جسدي -- مريضه، انه من رقص واكل وسبح ومارس الحب واخرج الاطفال، انه لامر مدهش التفكير به، انه الجسد الذي انبثق منه اطفالي، وحملني في هذا العالم."\nانهت جملتها وانزلت ذراعيها، لتكمل: "وساضطر لتركه، لا املك الخيار في هذا، وافكر في السنوات التي قضيتها وانا انتقد مظهره، ولم اقدّر يوماً جماله، حتي اتي الوقت الذي لا يشعرني فيه هذه الجسد بالراحه."\nان الصحه ليست ما يتمني هؤلاء المرضي لو انهم قدّروه مبكراً، انها تجربه العيش في هذا الجسد، وهو امر ياخذه معظمنا من المسلمات، حتي يدرك بعضنا بانهم سيغادرون اجسادهم عما قريب، ومهما تعدد ايمانك بما يمكن ان يحصل لك بعد الموت، سواء كانت حياه اخره او العوده شكل اخر، او لم تؤمن بما بعد الموت، فان جميع هذه النتائج ستصب في حقيقه واحده: انك لن تتمكن من خوض تجربه الحياه في هذا العالم بهذا الجسد مجدداً، ومن منا يوشك علي الموت يواجه هذا الواقع كل يوم.\nويبدا المرضي بسرد افضل ذكرياتهم بهذه الاجساد، كيف كان طعم التفاح الذي سرقوه من حديقه الجيران، وكيف كان شعور الارجل والنفس عند الهروب من موقف او شخص ما، شعور المياه في السباحه، رائحه رؤوس مواليدهم، نسيم الهواء بعد ممارستهم الحب لاول مره.\nوالرقص، لقد سمعت الكثير من القصص حول الرقص: الرقص الهادئ خلال الحرب العالميه الثانيه، الترنح بين اكواخ الشاطئ في جنوب كارولاينا، والليالي الطويله من الرقص في مختلف الاماكن، قد لا اتمكن من عد الحالات التي قامها بها المرضي، الرجال اكثر من النساء، باغماض اعينهم والقول: "لو كنت اعلم بانني ساغادر، لرقصت اكثر."\nورغم ان هذه الاماني والماسي التي يشعر بها المريض بالحزن، الا انها تثير اسئله حول الحياه التي يعيشها البقيه، لمذا توجد هنالك الكثير من الاصوات التي تخبرنا بان اجسادنا هي شيء يجب علينا كرهه؟ لانها سمينه؟ بشعه؟ جاذبه؟ مسنه؟ بنيه؟ ولماذا يجب علينا ان نقنع بعضنا بالاف الطرق الهادئه والصامته بانه يجب علينا بان نشعر بالعار من اجسادنا؟ وانها مشاكل يمكن تخطيها ام بالشعور بالعار؟ او بالصبر والتحمل؟\nولماذا يتوجب علي هذه الاصوات بان تخبرنا الاثر الذي تحدثه اجسادنا وكيف تملي علينا كيفيه التعاطف مع المرضي وذوي الاحتياجات الخاصه والمسنين والاطفال والامهات والجنود والعمال والمهاجرين، نساء ورجالا؟ ان كيفيه معاملتنا لاجسادنا تؤثر علي معاملتنا الاخرين اجساداً واشخاصاً.\nسالتني مريضتي المولعه بالكيك خلال خروج ذراعيها من فتحه قميص النوم الصغير: "اتعلمين يا كيري؟ رغم اني كنت سمينه، ورغم اني كنت حاملاً بطفل عندما لم اكن متزوجه، ورغم اني صارعت السرطان لعشرين عاماً، وسقط شعري منذ سنوات عديده، فانني لا اكره جسدي، كانوا مخطئين، ولطالما سيخطئون بذلك."\nواضافت: "علمت باني ساموت ولمده طويله، عندها اكتشفت ما كنت افعله، وقررت بان اكون سعيده مهما حصل، ان همي الوحيد هو الان: كيف ساتمكن من تهريب بعض من كيك الكراميل الي هذا المنزل؟"

الخبر من المصدر