المحتوى الرئيسى

السيد يسين يكتب:الديموقراطية بين النظرية والتطبيق

07/27 18:28

الحديث النظري عن الديموقراطيه كنظام سياسي، والتفصيل في مختلف جوانبها ومفرداتها سهل. غير ان الصعوبه تبدو في الاعمال الدقيق للمبادئ النظرية موضع التطبيق. يصدق ذلك علي الدول المتقدمة والدول الناميه علي السواء.

غير انه يمكن القول ان الفجوه بين النظريه والتطبيق التي يمكن ملاحظتها في كل المجتمعات الديموقراطيه المعاصره بالغه الاتساع في الدول الناميه، اذا ما قورنت بالدول المتقدمه.

ويرد ذلك في الواقع الي عديد من العوامل السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه. وعلي راس العوامل السياسيه في المجتمعات الناميه سياده النظم الشموليه والسلطويه، وما تركته من اثار سلبيه عميقه في السلوك السياسي المعلن للجماعات والافراد، وفي اللاشعور السياسي ذاته.

واذا كان بعض النظم السلطويه يحاول الان – تحت تاثير مطالب الداخل وضغوط الخارج – الانتقال من السلطويه الي الديموقراطيه، فان عمليه الانتقال تقابلها صعوبات شتي من قبل الحاكمين والمحكومين علي السواء. بالنسبه للحاكمين يعز عليهم كثيراً التخلي عن سلطاتهم المطلقه التي تعودوا عليها، والتنازل عن نفوذهم المؤثر، ما من شانه ان يؤثر في مصالحهم الطبقيه الي حد كبير. ولذلك نجدهم يمانعون ويقاومون عمليه الانتقال الي الديموقراطيه باساليب مباشره وغير مباشره. وفيما يتعلق بالمحكومين الذين تعودوا عبر حقب تاريخيه ممتده ان يمارس اهل السلطه بكل مستوياتهم القهر المنظم لهم، ليس من السهوله بمكان ان يسلكوا سياسياً ويتصرفوا اجتماعياً باعتبارهم مواطنين احراراً من حقهم - في الانتخابات المختلفه – ان يقولوا نعم او يقولوا لا لانصار مرشحي الحزب الحاكم او الحزب المسيطر. وسيظل الطابع العام لسلوكهم لفتره تاريخيه مقبله هو اللامبالاه السياسيه التي تنعكس في عدم الاقبال علي الانضمام للاحزاب، والامتناع عن التصويت، ما يقلل الي حد كبير من عدد المشاركين في الانتخابات قياساً بالعدد الاجمالي لمن لهم حق التصويت. والواقع ان هذا السلوك السلبي من المحكومين انما يتضمن في الواقع ادانه جهيره للنظم السلطويه التي مارست القهر المنظم علي الجماهير، والتي لم تجد وسيله فعاله للاعتراض سوي هذا السلوك السلبي.

وهكذا يمكن القول ان السلطويه تقف علي راس قائمه العوامل السياسيه المؤديه الي اتساع الفجوه بين المبادئ النظريه للديموقراطيه وبين التطبيق، غير ان هذه الاوضاع قد تغيرت في الحقيقه بعد اندلاع ثورات الربيع العربي.

الا انه اضافه الي ذلك هناك عوامل سياسيه اخري، اهمها ضعف الأحزاب السياسية، وانعدام تاثير مؤسسات المجتمع المدني اذا وجدت في المجتمع.

ولا شك ان ضعف الاحزاب السياسيه يرد – في جانب منه – الي تاثير السلطويه القامعه التي حاربت التعدديه الحزبيه حتي تنفرد بالمسرح السياسى، وحتي اذا قبلت بها فانها تضع قيوداً متعدده علي حركه الاحزاب السياسيه المعارضه لحساب الحزب الحاكم او المسيطر حتي تفقدها فاعليتها، وتمنع تاثيرها في اتجاهات الناخبين السياسيه. واذا اضفنا الي ذلك الضعف الداخلي للاحزاب السياسيه ذاتها، من ناحيه عجزها عن التجدد الايديولوجي، وعدم قراءتها الدقيقه لتغيرات المجتمع العالمي، وافتقارها للديموقراطيه داخلها، وعدم قدرتها علي ضم مجموعات كبيره من الشباب اليها، لادركنا احد اسباب الفجوه بين النظريه والتطبيق.

غير ان هناك اسباباً اقتصاديه تؤثر بالسلب في تطبيق المثال الديموقراطي، ويتمثل ذلك في قوه راس المال، والتاثير السلبي لرجال الاعمال في سير العمليات الانتخابيه من ناحيه، والفقر الشديد لجماعات شتي من الناخبين من ناحيه اخري.

واذا كان نفوذ رجال الاعمال قد ارتفع بشده في بعض المجتمعات العربيه التي تنتقل ببطء من السلطويه الي الديموقراطيه، ومن الاشتراكيه الي الراسماليه في ظل ايديولوجيه الليبراليه الجديده، فلنا ان نتوقع التاثير السلبي لدخولهم حلبه السياسه مباشره او بالوكاله!

غير انه اضافه الي الاسباب السياسيه والاقتصاديه التي تحول دون التطبيق الكامل والفعال للمثال الديموقراطي، هناك اسباب اجتماعيه وثقافيه متعدده.

ولعل في مقدم هذه الاسباب الاجتماعيه ان القبليه تسود الي حد كبير في عديد من المجتمعات العربيه، سواء في المجتمعات الحضريه او الريفيه او البدويه.

والقبليه هنا لا تشير فقط الي انتشار وتعدد وصراع القبائل بالمعني التقليدي للكلمه، بما يتضمنه ذلك من التشيّع لابن «القبيله» في مواجهه ابناء القبائل الاخري، ولكنها تشير ايضاً الي الاسر الممتده والعائلات الكبيره حيث يتم الانحياز الي ابناء الاسر والعائلات في الانتخابات ايا كانت اتجاهاتهم السياسيه، وسواء كانوا ينتمون الي الحزب الحاكم او الحزب المسيطر او الي الاحزاب المعارضه! ومعني ذلك ان القبيله او العائله هي المحك، وليس البرنامج السياسي الذي يطرحه المرشحون.

واذا اضفنا الي ذلك شيوع البلطجه والارهاب اثناء سير العمليات الانتخابيه من قبل مرشحين ينتمون لمختلف الاحزاب السياسيه للتاثير في السلوك الانتخابي للناخبين، لادركنا ان في ذلك تهديداً لصميم القيم الديموقراطيه. وجدير بالاشاره ان هذه الظواهر السلبيه لا تتم الا في المجتمعات المتخلفه حيث يسود الجهل وتنعدم فاعليه اجهزه الامن، الذي يعجز عاده عن حمايه الناخبين واحياناً المرشحين من هذا العدوان الظاهر علي حريه الناس.

وهناك اضافه الي الاسباب الاجتماعيه اسباب ثقافيه احياناً ما تكون بالغه العمق في التاثير السلبي في سلوك الناس. وابرز هذه الاسباب الثقافيه شيوع الاتجاهات الاسلاميه السياسيه الرجعيه والمتطرفه، وتاثيرها في العقل الجمعي من خلال رفع شعارات اسلاميه جذابه في ذاتها، وان كانت خاويه من اي مضمون سياسي. وابرز مثال لذلك شعار «الاسلام هو الحل» الذي رفعته جماعه «الاخوان المسلمين» في مصر. وحين سئل احد اقطاب الجماعه عن المضمون الحقيقي لهذا الشعار الفضفاض زعم انهم يقصدون الاسلام لا بالمعني الديني ولكن بالمعني الثقافي، ويقصد الثقافه الاسلاميه. وهذا في الواقع مجرد تبرير لا معني له، وهروب واضح من تحديد المضمون السياسي لهذا الشعار.

وقد دفع هذا المسلك بعض المرشحين الاخرين الي الدخول في مزايده مع «الاخوان المسلمين» في مجال رفع الشعارات الدينيه، فرفع احد المرشحين في الانتخابات المصريه شعار «الله هو الحل»، ورفع مرشحون اخرون ايات قرانيه اخري.

وفي تقديرنا ان خلط الدين بالسياسه يعد عدواناً غير مبرر علي المثال الديموقراطي، ومن شانه ان يؤدي الي توترات اجتماعيه بالغه العنف. وهو ما تفعله باصرار جماعه «الاخوان المسلمين» في سعيها الدؤوب لتاسيس دولة دينية تقوم علي الفتوي ولا تقوم علي اساس التشريع الذي يتم في مجالس نيابيه منتخبه في انتخابات نزيهه وتحت رقابه الراي العام.

ويبدو صدق هذا التحليل من النتائج الكارثيه لحكم جماعه «الاخوان المسلمين» في مصر والتي حاولت ان تقيم دوله دينيه، غير ان الانقلاب الشعبي ضد حكمها قطع الطريق علي هذا المسار.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل