كيدمان تؤدي آخر أدوار غريس كيلي في افتتاح مهرجان كان السينمائي

كيدمان تؤدي آخر أدوار غريس كيلي في افتتاح مهرجان كان السينمائي

منذ ما يقرب من 10 سنوات

كيدمان تؤدي آخر أدوار غريس كيلي في افتتاح مهرجان كان السينمائي

(من اليمين) المخرج اوليفييه دهان والممثل تيم روث ونيكول كيدمان والممثله باز فيغا لدي حضورهم عرض الفيلم\nبدت النجمة الاستراليه نيكول كيدمان نجمه حفل افتتاح مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته السابعه والستين بلا منازع عبر حضورها المباشر علي السجاده الحمراء في حفل الافتتاح او تجسيدها لشخصيه الممثله غريس كيلي واميره موناكو لاحقا في فيلم المخرج الفرنسي اوليفييه دهان الذي افتتح به المهرجان مساء الاربعاء.\nوكما هي الحال مع هذا الحضور في حفل الافتتاح، بدا مخرج الفيلم مراهنا علي اداء كيدمان (الحاصله علي العديد من جوائز التمثيل وفي المقدمه منها الاوسكار عن ادائها لدور الكاتبه الانجليزيه فيرجينيا وولف في فيلم الساعات) في انقاذ فيلمه الذي حفل بالكثير من التناقضات وظل اسيرالحكايه الميلودراميه باسلوب الـ"سندريلا"، الفتاه وامير احلامها، وما يحيط بهما من مؤامرات.\nوراي البعض ان هذا الاختيار لم يكن متناسبا مع ما تحتشد فيه دوره المهرجان من حضور لاسماء لامعه ومؤثره في عالم الفن السينمائي في مسابقته الرسميه او في تظاهراته الاخري، امثال المخرجين جان لوك غودار ومايك لي ودافيد كروننبرغ وكين لوتش والاخوان داردين واوليفييه اسايس وغيرهم.\nتحتوي قصه الفيلم علي كل ما يغري المخرج والمنتج السينمائي الي نقلها الي الشاشه من شخصيه شهيره ساحره وحكايه مفعمه بالعواطف والرومانتيكيه ومشاهير ونجوم وقاده سياسيين، فضلا عن اجواء الريفيرا الفرنسيه وطبيعتها الساحره.\nولم يكن الممثل والمنتج الهندي اودي تشابرا، الذي يخوض في هذا الفيلم تجربته الانتاجيه الاولي في هوليود، بعيدا عن هذا الاحساس عندما تحدث في المؤتمر الصحفي عن ان ذلك ما جذبه الي الفيلم فضلا عن فكره شخصيه تواجه قدرها التي ستجعل الجمهور الهندي يحبه، في رد علي سؤال بهذا الشان.\nولعل اداره المهرجان في اختيارها الفيلم لعرض الافتتاح انطلقت من عده موازانات يحملها الفيلم، ففضلا عن احداثه التي تجري في الريفيرا الفرنسيه قريبا نسبيا من موقع المهرجان، فانه يحمل الكثير من المغريات لها، في عدد من الثنائيات كالصله بين الفن والسياسه وكواليسهما، والصله بين السينما والحياه الواقعيه، والعلاقه بين ضفتي المحيط الاطلسي والتباينات الثقافيه، فغريس كيلي امريكيه باتت اميره في اماره اوروبيه وفي قلب ارستقراطيه القاره الاوروبيه.\nاضف الي ذلك تجسيد تلك النخبه الواسعه من المشاهير والشخصيات السياسيه، فالي جانب غريس كيلي والامير رينييه(ادي دوره الممثل تيم روث) كان هناك الرئيس الفرنسي الراحل تشارل ديغول وهيتشكوك ومغنيه الاوبرا اليونانيه ماريا كالاس والثري اليوناني الشهير اوناسيس واخرون.\nكما انها في السياق السينمائي تضم الكثير من المواد البصريه التي يمكن اللجوء اليها من المشاهد الوثائقيه التي توثق حياه العائله المالكه في موناكو اوحياه الممثله غريس كيلي وقبل ذلك كله ادوارها في السينما.\nوقدرما تمثل هذه المنطقه المشتركه بين الفن والحياه عنصرا مساعدا في تجسيد الشكل الفني للفيلم، فانها تمثل في الوقت نفسه تحديا كبيرا في ما تفرضه من مقارنات وما تحتاجه من معالجه ابداعيه مميزه تظهر تفرد العمل الفني وعدم خضوعه لهيمنتها.\nفهل نجح المخرج اولييفيه دهان في تحقيق ذلك؟\nيقودنا داهان الي فيلمه بمشهد تمهيدي نري فيه غريس كيري في اجواء احتفائيه بعد تصويرها المشهد الاخير في احد افلامها ثم في لقطه متابعه مميزه وهي تخرج من الاستوديو وتقوم احدي مساعداتها بخلع الرداء عنها وهي تسير في الطريق وكانها خلعت حياه لتدخل اخري، وليقودنا الي زواجها من الامير رينييه امير موناكو.\nلقد كان مشهدا تمهيديا ناجحا اختصر فيه داهان حياتها السينمائيه الثريه تمهيدا لتصويرها في حياتها الجديده، ليبدا في مد خيوط حبكته الدراميه مع العرض الذي تقدم به المخرج البريطاني الشهير الفريد هيتشكوك لكيلي للعوده الي السينما في فيلمه "مارني" مقابل مبلغ مليون دولار.\nويجسد داهان ذلك في مشهد مفترض هو قدوم هيتشكوك لزيارتها في قصرها في موناكو لتقديم العرض اليها، والحقيقه انه لم يزرها بل اتصل بها تلفونيا.\nوهنا يبدا الصراع داخل كيلي بين رغبتها في العوده الي حياه التمثيل ونجوميتها كممثله ومغادره حياتها في بلاط اماره موناكو التي يلمح الفيلم الي انها لم تكن سعيده فيها وتعاني من المؤامرات ومشكلات التاقلم مع البيئه الجديده، وبين واجبها كاميره تجاه عائلتها وزوجها الذي تحبه وشعب الاماره.\nوحين تقرر الموافقه علي العوده الي السينما يثير ذلك توترا كبيرا داخل العائله ويترافق مع ازمه سياسيه كبيره عندما يهدد الرئيس الفرنسي ديغول بضم الاماره ما لم تعدل سياسيتها الضريبيه وتفرض ضرائب علي مواطنيها، بشكل يجعلها لا تشكل واحه امنه للاثرياء الفرنسيين للتهرب من النظام الضريبي في فرنسا، كما يترافق ذلك مع تصاعد ازمه الاستعمار الفرنسي للجزائر علي الحكومه الفرنسيه.\nويجمع المخرج خطي سرده بين العام (الازمه السياسيه) والخاص(الصراع الداخلي لغريس بين الفن والواجب العائلي) عبر سعي بطلته واصرارها علي لعب دور اكبر في الحياه السياسيه لبلادها، حيث ترفض عرض هيتشكوك الذي سبق ان وافقت عليه بعد ان بدات الصحافه في كتابه الاقاويل عن اسباب عودتها الي الفن.\nوتخوض التحدي عبر مساعده الاب فرانسيس تاكر (الذي ادي دوره بحضور مميز الممثل فرانك لانغيلا) والكونت فرناندو دولييغ (الممثل ديريك جاكوبي)، الذي يعلمها الكثير عن تاريخ الاماره وتقاليدها وبروتكولاتها، وتبدا بالتقرب اكثر من اهالي الاماره الذين كانت تشعر بعدم محبتهم لها.\nلا ينسي المخرج هنا ان ينثر بعض التفاصيل في الفروق الثقافيه بين تربيتها الامريكيه وثقل التقاليد الاوروبيه، لاسيما في اوساط الارستقراطيه الاوروبيه.\nويلجا المخرج، لخلق نوع من التشويق هنا، الي اختراع حدث خيالي من نوع مؤامرات البلاط، حيث تتوصل كيلي الي ان هناك من يتجسس داخل القصر لحساب فرنسا. ويصل هذا الخيط بعد عدد من المشاهد البوليسيه (الباهته) الي ان مؤامره ترتبط بشقيقه الامير رينيه وزوجها لانقلاب علي عرش الاماره بالاتفاق مع فرنسا.\nوتبدا كيلي في رعايه عدد من النشطات الخيريه والنزول الي الشارع بشكل مباشر للتقرب من الناس، كما تلجا الي نوع من الدبلوماسيه الناعمه فتقوم باخد الطعام بنفسها الي الجنود الفرنسيين الذين يفرضون الحصار علي الاماره، كما تذهب الي باريس لتدعو الرئيس ديغول لحضور حفل خيري تقيمه جمعيه الهلال الاحمر في الاماره التي تراسها.\nوهنا يصل الفيلم الي ذروته مع مشهد القائها لخطبه في الحفل الذي سبقه مشهد جميل لغناء مغنيه الاوبرا الشهيره ماريا كالاس في الحفل، في هذه الكلمه التي بدت مؤثره تتحدث عن حياتها وعن خيارها للسلام والحب ورفضها للحروب.\nولان الفيلم عن شخصيه محوريه هي غريس كيلي وعن لحظه متوتره اساسيه في حياتها، يكتفي الفيلم بهذه الذروه ليلجا في نهايه الفيلم الي وضع سطور تعليقيه توضح القضايا التي تركها مفتوحه كرفع فرنسا الحصار الاقتصادي الذي فرضته علي اماره موناكو في عام 1963.\nلقد عمد المخرج داهان الي تجنب تقديم سيره كامله لبطلته واختيار لحظه متوتره يمكنها ان تكون لحظه استقطاب اساسيه تلم خيوط مختلفه من سيرتها وما يحيطها.\nكما اختار التركيز علي شخصيته المحوريه وهي الممثله غريس كيلي او اميره موناكو وجعل كل ما يجري من تحديات واحداث خارجيه مجرد خلفيه لها، من هنا حفل الفيلم بعدد كبير من اللقطات القريبه لوجه الممثله كيدمان وهي تجسد مختلف المشاعر، وبدا هذا الاستخدام مبالغا فيه كما هي الحال في اللقطات التي بدت اقرب الي درس تعليمي في التمثيل بالوجه امام الشاشه ، فتبدو كيدمان وهي تقدم التعابير المختلفه مع قطع مكتوبه عن الشعور المجسد.\nوحرص داهان علي ان يخفف من ثقل هذه الماده المرجعيه، اعني السجل الصوري للممثله غريس كيلي والسجل البصري الوثائقي لها كاميره موناكو، فاقتصد في استخدام الماده الوثائقيه وجعلها مجرد ظلال في فيلمه يستفيد منها في اعاده بناء احداث فيلمه (مشاهد الشخصيات التاريخيه، الازياء... الخ) او عناصر توتر درامي كما هي الحال مع علاقه كيلي مع السينما وحنينها اليها.\nاما افلام غريس كيلي لا سيما مع المخرج القدير هيتشكوك الذي مثلت في ثلاثه من افلامه (تحدثت الممثله كيدمان في المؤتمر الصحفي عن اعجابها الكبير بفيلمها "النافذه الخلفيه" مع جيمس ستيوارت الذي اخرجه هيتشكوك) ومخرجين من امثال جون فورد وفريد زينمان وجورج سيتون الذي حصلت علي الاوسكار عن ادائها في فيلمه "فتاه الريف"، فبدت رصيدا بصريا ينهل منه لاعاده بناء اجواء مرحله الستينيات بل وفي استعاره بعض جماليات تلك المرحله وذلك ما اكد عليه مدير تصوير الفيلم اريك غوتيه ايضا.\nولعل المشكله الجوهريه التي واجهها الفيلم امام هذا التركيز علي شخصيته المحوريه هي ان الحبكات السانده التي حاول ان يقدمها بدت مفتعله ومجرد خلفيه لسلوك بطلته،لاغراض التشويق في خيط مؤامره البلاط، او استثمار توتر الحدث السياسي في خيط الازمه مع فرنسا. فلا تحتمل قضيه الدفاع عن حق مجموعه من الاثرياء المتهربين من الضرائب في خلق فردوس امن لثرواتهم ان تصبح قضيه (وطنيه) عادله يمكن الدفاع عنها.\nوبدا احتشاد الفيلم بهذا العدد الكبير من الشخصيات الشهيره مشكله اخري في مجال التعامل مع عنصر التمثيل في الفيلم، اذ بدا معظم هذه الشخصيات في سياق من النمطيه، ولم يصل معظم من ادوا ادوارها الي سقف توقعات المشاهد لهذه الشخصيات الحاصره في باله، كما هي الحال مع تجسيد الممثل روجر اشتون غريفثس لشخصيه هيتشكوك والممثل اندريه بينفيرن لدور الرئيس ديغول، وبدت الممثله باز فيغا استثناء في حضورها الواضح في دور مغنيه الاوبرا اليونانيه ماريا كالاس علي قصر هذا الدور.\nلقد كان داهان بعد تجربه ناجحه في تقديم افلام السيره، يطمح ان يحصل من كيدمان علي اداء بتلك الكثافه العاطفيه المؤثره التي قدمتها ماريان كوتيار، والتي توجتها بجائزه اوسكار افضل ممثله عن اداء دور المغنيه الفرنسيه اديث بياف في فيلمه الحياه الورديه. La Vie en Rose.\nلقد سارع النقاد الي مهاجمه الفيلم وبقسوه احيانا ملتقطين تفاصيل عدم قدره الفيلم علي الخروج بحبكه ناجحه من جمله العوالم التي حرص الخوض فيها، والتحدث عن شخصيات تاريخيه ما زالت حاضره وبقوه في الذاكره والتطرق الي احداث سياسيه رافقت سيرتها.\nوقد حرص المخرج وممثلو الفيلم في المؤتمر الصحفي الذي ترافق مع عرض النقاد في الافتتاح علي التاكيد علي انهم لا يقدمون فيلم سيره بل يقدمون سردا خياليا يستند الي هذه الشخصيات التاريخيه.\nوفي ذلك بعض الرد علي الانتقادات التي واجهت الفيلم من ابناء الاميره غريس والامير رينييه الذين اعترضوا بشده علي الصوره التي قدمها الفيلم لوالديهما.\nكما حرص المخرج داهان في مؤتمره الصحفي علي تجنب الاشاره الي الخلاف بينه وبين المنتج فاليري وينشتاين بشان نسخه العرض في الولايات المتحده، مؤكدا انهما سيصلان بالتوافق الي تقديم نسخه العرض، وهو ما اكدته لاحقا تقارير اشارت الي التوصل الي اتفاق يدفع فيه وينشتاين مبلغا اقل من المتفق عليه في حقوق توزيع الفيلم مقابل القبول بنسخه المخرج.\nاخيرا، لقد طرق المخرج اوليفييه داهان في هذا الفيلم باب العلاقه بين الفن والحياه في الحديث عن الادوار التي نؤديها في غريس كيلي الممثله واميره موناكو (كرر الفيلم علي لسان بعض شخصياته لكيلي ان عليها ان تجيد دورها كاميره)، لكنه بدلا من الحديث عن صدقيه ادوارنا في الحياه، غرق في خلق عالم مبهرج وفي لوي عنق الحقائق الواقعيه لتقديم حبكه مشوقه وحكايه ممتلئه بالعاطفه والتوتر والتشويق.

الخبر من المصدر