أشرف الصباغ يكتب من موسكو: أمريكا نسيت أوكرانيا وتطالب الناتو وأوروبا بزيادة النفقات العسكرية

أشرف الصباغ يكتب من موسكو: أمريكا نسيت أوكرانيا وتطالب الناتو وأوروبا بزيادة النفقات العسكرية

منذ 10 سنوات

أشرف الصباغ يكتب من موسكو: أمريكا نسيت أوكرانيا وتطالب الناتو وأوروبا بزيادة النفقات العسكرية

اشتباكات في كييف بين "حراس الميدان" والقوى القومية المتطرفة والرئيس الأوكراني يعترف بعجز الأمن في شرق وجنوب البلاد\nيتحول المشهد الأوكراني من صراعات داخلية إلى احتكاكات دولية، وأصبحت الولايات المتحدة وأوروبا لا تريان فيه إلا عسكرة العالم من جديد والعودة إلى شكل من أشكال الحرب الباردة بهدف تجاوز الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تضرب الاقتصاد الأمريكي – الأوروأطلسي تباعا.\nفإذا كان هناك رأي يقول بأن سياسات الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تكشف يوما يعد يوم أن الأزمة الأوكرانية، التي شاركت هذه الدول في صنعها، تهدف أساسا إلى تقليص الدور الروسي وإيجاد مبرر لتوسيع الناتو، فقد ظهرت آراء أخرى من بينها أن الموقف الأمريكي والأوروبي له خلفية سياسية تعود لبداية الأزمة الأوكرانية ودعمهم للمظاهرات التي كانت تحدث في أوكرانيا. بينما تقترب آراء أخرى من جوهر الأزمة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يقدما أية مساعدة ولو معنوية لكييف، وكل وعود الدول الغربية كانت حبرا على ورق، ولم يبق عمليا أمام السلطات في أوكرانيا إلا الدخول في حوار مع موسكو ومع المعارضين في جنوب وشرق أوكرانيا. وبالتالي لم يعد أمام كييف الجديدة أي بديل سوى الحوار مع المعارضة في شرق وجنوب البلاد.\nولكن الأمور تتفاقم على الجانب الآخر من المحيط في محاولة لعسكرة أوروبا من جديد. فوزير الخارجية الأمريكي جون كيري يطلق تصريحات من قبيل أن روسيا تحاول تغيير المشهد الأمني في أوروبا الشرقية والوسطى، داعيا حلفاء واشنطن في حلف الناتو إلى زيادة النفقات العسكرية لتعزيز قدرات الحلف. الأمر الذي يوضح أسباب الأزمة وجوهرها في آن واحد.\nوزير الخارجية الأمريكي قال أيضا، في خطاب في إحدى مؤسسات الأبحاث بواشنطن "إن الأزمة في أوكرانيا تدفعنا إلى لعب الدور الذي تشكل الحلف من أجله وهو حماية أراضي الحلف وتعزيز الأمن الأطلسي". وحدد كيري ٣ أهداف أساسية، أولها حمل حلفاء واشنطن في الناتو على زيادة النفقات العسكرية فعلا. وذكر أنه ليس كل أعضاء الحلف ينفقون 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الأهداف الدفاعية، ودعا هذه الدول الى الالتزام بزيادة النفقات في هذا المجال خلال الأعوام الخمس القادمة. والهدف الثاني، يتمثل في اتخاذ إجراءات فورية لوضع حد لتبعية الدول الأوروبية للنفط والغاز الروسي. أما الهدف الثاثلث فهو، حسب كيري، يكمن في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين أعضاء الحلف.\nهنا لا يمكن أن نتجاهل وصول٤ مقاتلات فرنسية إلى بولندا يوم الاثنين الماضي ٢٨ أبريل، فيما التحقت ٤ مقاتلات بريطانية بليتوانيا، في إطار مهمة لحلف الناتو تهدف إلى مراقبة الفضاء الجوي لدول البلطيق القريبة من حدود روسيا. وأكدت وزارة الدفاع الفرنسية أن المقاتلات الفرنسية من طراز "رافال" التحقت بقاعدة مالبروك الواقعة شمال بولندا، كما أفادت أن ٧٠ عسكريا فرنسيا قد توجهوا للقاعدة من أجل المشاركة في مهمة حماية الأجواء البولندية وتدريب أفراد من الجيش البولندي. فيما أكدت وزارة الدفاع البريطانية أنها أرسلت ٤ مقاتلات من طراز "تايفون" للقيام بدوريات جوية في كل من لاتفيا وليتوانيا وإستونيا، وهي الجمهوريات السوفيتية السابقة الواقعة على بحر البلطيق والتي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بمجرد تفكك الاتحاد السوفيتي.\nوكانت كل من لاتفيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا وإستونيا قد طلبت من الناتو والولايات المتحدة تعزيز الحضور العسكري على أراضيها على خلفية الأزمة الأوكرانية. ومنذ بدء هذه الأزمة بدأت طائرات الاستطلاع المتمركزة في قاعدة الناتو بألمانيا القيام بتحليقات يومية فوق جنوب رومانيا لإجراء استطلاع تجسسي لجنوب أوكرانيا ومولدافيا والقرم. كما أعلنت وزارة الدفاع الرومانية عن تحريك قطع عسكرية نحو الحدود الشرقية عبر العاصمة بوخاريست باتجاه مدينة كونستانتسا الواقعة على البحر الأسود حيث وصل قطار عسكري محمل بأسلحة الدفاع الجوي والشاحنات ومنظومات إطلاق صواريخ (أرض – جو). وأوضحت الوزارة أن هذه الأسلحة ضرورية لإجراء المناورات العسكرية بالاشتراك مع القوات الأمريكية والمقاتلات من طراز (إف – ١٦).\nهذه الخلفية تعيدنا مجددا إلى تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن بشكل واضح وحاسم، يكاد يكون لأول مرة، أن الولايات المتحدة كانت وراء الأحداث الحالية في أوكرانيا، وهي التي توجهها. وأن ما يحدث الآن في أوكرانيا يظهر من كان يوجه هذه العملية منذ البداية، لكن في المراحل الأولى كانت الولايات المتحدة تفضل البقاء في الظل. ولم ينس بوتين أيضا أن ينفى وجود أي قوات روسية أو مدربين عسكريين روس في أوكرانيا، مشيرا إلى أن الدول الغربية خلقت الأزمة الأوكرانية، والآن تبحث عن المذنبين وتفرض عقوبات على روسيا، مؤكدا أن لا علاقة لروسيا بالأحداث في أوكرانيا، ومشيرا في الوقت نفسه إلى أن الدول الغربية خلقت هذا الوضع بنفسها وتريد الآن تسويته بأيدي روسيا.\nفي نفس هذا السياق أيضا رفض مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين كل الاتهامات الموجهة إلى روسيا بأنها تعزز تواجدها العسكري بالقرب من الحدود الأوكرانية. وقال: قواتنا المسلحة موجودة داخل الأراضي الروسية. في حين يتسكّع الجنود الأمريكيون خارج ديارهم. في أستراليا وليتوانيا وبولندا. وفي حين آخر توجد سفينة عسكرية أمريكية في البحر الأسود لمدة أطول مما يسمح به القانون الدولي. نعم، القوات الروسية تجري مناورات دورية. لكن أعمالها شفافة وتتفق مع كل الاتفاقيات الدولية القائمة. لا توجد لدينا أية أفكار عدوانية ضد أوكرانيا". كما اتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنهما بدلا من "العمل المشترك النزيه بهدف إخراج أوكرانيا من الأزمة" " يفضلان نشر إشاعات بشأن السياسة الروسية والكيد لروسيا عن طريق اختراع العقوبات التي لا معنى لها".\nأما نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف فقد أكد مجددا إن الولايات المتحدة لا تنفذ اتفاقية جنيف حول أوكرانيا، وبدلا من ذلك تتهم روسيا بعدم التنفيذ. وأوضح أن "المسألة تنحصر فيما إذا كانت سلطات كييف وممولوها، أو "محركوا الدمى"، في واشنطن وبعض العواصم الأوروبية يتمسكون بهذه الاتفاقية وينفذونها. إنهم يوجهون اتهامات إلى روسيا بأنها لا تعمل في هذا المجال. وفي حقيقة الأمر لا تتوفر لديهم أية أدلة ثابتة على تنفيذ اتفاقية جنيف. وأكد ريابكوف أن البند الرئيسي لهذه الاتفاقية هو نزع سلاح "القطاع الأيمن" القومي المتطرف وتحرير الشوارع والميادين المحتلة. وأكد ريابكوف، من جهة أخرى، أن روسيا لا تنوي تكرار "سيناريو القرم" في جنوب شرق أوكرانيا، مشيرا إلى أنه يعرف جيدا أن ما حدث في القرم وقرار الانضمام إلى روسيا كان صدمة ضخمة للغرب جعلته لا يقبل الواقع. وبالتالي فهم يرون في الاحتجاجات العفوية الجارية جنوب شرق أوكرانيا نذيرا لوقوع شيء مشابه.\nفي هذا الصدد تحديدا، قال جيفري فيلتمان نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية (وهو مستشار سابق لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وأحد مهندسي تمكين التيارات اليمينية الدينية المتطرفة في الشرق الأوسط) أن عدد الجماعات المسلحة جنوب شرق أوكرانيا يتزايد. وخص في هذا الصدد المعارضة في شرق وجنوب أوكرانيا بالتأكيد على أن "جماعات قوات الدفاع الذاتي والموطنين حملة السلاح في ازدياد وهم يستولون على المباني ويقومون ببناء الحواجز في الطرق وقطع التجمعات السكنية من سائر أراضي البلاد. وهناك أنباء متزايدة حول أعمال التعذيب والاختطاف والمعارك الشديدة". كما أكد أن الوضع في بعض الأقاليم جنوب شرق أوكرانيا لا يزال متدهورا في ضوء عدم تنفيذ الاتفاقية التي تم التوصل إليها في اللقاء الرباعي في جنيف.\nوشدد على أن تنفيذ اتفاقية جنيف وصل إلى طريق مسدود بسبب التفسيرات المختلفة لكل الأطراف. كما دعا باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أطراف النزاع إلى وقف المواجهة العسكرية وتسوية الخلافات بطرق سلمية. وأعلن فيلتمان أنه سيتوجه إلى أوكرانيا الأسبوع المقبل.\nمن الواضح أن فيلتمان يتجاهل تماما ما يجري على أرض الواقع في أوكرانيا. ولا يرى إطلاقا ما يجري في كييف نفسها من اشتباكات بين القوى اليمينية المتطرفة والنازيين الجدد من جهة وبين خليط من شباب خرج إلى الميدان ليعلن مطالبه ومجموعات ليبرالية موالية لمجموعة كييف التي وصلت إلى السلطة. بل ويعتبر سيطرة القطاع الأيمن الأوكراني المتطرف على المباني في كييف وغرب أوكرانيا أمرا طبيعيا بينما احتجاجات مواطني شرق وجنوب أوكرانيا غير مشروعة. ففي اليومين الأخيرين فقط، سقط عدد من الجرحى في اشتباكات جرت في "ميدان الاستقلال" بوسط كييف بين "قوات الدفاع عن الميدان" الموالية للسلطات الجديدة ومتطرفين قوميين. واستخدمت في الاشتباكات أسلحة نارية ومواد متفجرة، وذلك بعد أن حاول متطرفون من حركة "وطنيو أوكرانيا" اليمينية تنظيم مسيرة باتجاه ميدان الاستقلال الذي أصبح مركزا للتمرد ضد السلطات السابقة. لكن عناصر من "قوات الدفاع عن الميدان" وهي ميليشيات شاركت في التمرد المسلح ضد فيكتور يانوكوفيتش، قطعوا الطريق عليهم ومنعوهم من دخول الميدان، الأمر الذي أدى الى اشتباكات عنيفة بين الطرفين. في هذه الأثناء سادت حالة من الفوضى العاصمة كييف مساء الثلاثاء ٢٩ أبريل، وقام مسلحون تابعون لحركة "القطاع الأيمن" المتطرفة بإحراق عدد من المحال التجارية والمقاهي التي يملكها أجانب. كما قام مسلحون من "القطاعِ الأيمن" بمنع أفراد الشرطة من الدخول إلى مبنى إدارة مدينة كييف الذي يسيطرون عليه منذ أشهر.\nوفي جنوب وشرق أوكرانيا، لا يختلف المشهد كثيرا، إذ قال أليكسي تشميلينكو زعيم "الجبهة الشعبية" لمدينة لوجانسك شرق أوكرانيا أمس الأربعاء ٣٠ أبريل إن أنصار فدرلة أوكرانيا سيطروا على مبنى دائرة الشؤون الداخلية في المدينة. وأكد تشميلينكو أن أفراد الشرطة لم يحاولوا ردع المحتجين، مضيفا "بل كانوا يرغبون بتسليم سلاحهم لكنهم لم يعرفوا كيفية ذلك دون تعرضهم للمساءلة".\nووفقا للوضع الميداني في جنوب شرق أوكرانيا، فقد سيطر المحتجون لوجانسك يوم أول أمس الثلاثاء ٢٩ على مبنيي الإدارة والنيابة العامة للمقاطعة. ثم سيطر أنصار الفدرلة أمس الأربعاء على مبنى مجلس كيروف الإقليمي لمدينة دونيتسك، حيث تسلل نحو 200 شخص إلى "مبنى المجلس وأنزلوا علم أوكرانيا ورفعوا علم جمهورية دونيتسك الشعبية. ولم يقدموا أية مطالب". في الوقت نفسه سيطر أنصار الفدرلة في بلدة جورلوفكا الواقعة على بعض 40 كيلومترا على مبنى مجلس المدينة ومقر الشرطة المحلية. وهناك أنباء بأن من سيطروا على مجلس مدينة جورلوفسكا يصل عددهم إلى ٢٠ مسلحا.\nالخطير في الأمر أن الرئيس الأوكراني المعين من قبل البرلمان ألكسندر تورتشينوف اعترف بأن هيئات الأمن الأوكرانية عاجزة اليوم عن السيطرة على الأوضاع في مقاطعتي لوجانسك ودونيتسك شرق البلاد. وأكد في رسالة وجهها إلى الشعب الأوكراني أن عجز وخيانة موظفي هيئات الأمن في هاتين المقاطعتين يعدان سببين رئيسين لعدم فاعلية أجهزة الأمن الأوكرانية في مكافحة الإرهاب المنتشر في شرق وجنوب البلاد. وطلب من القائم بأعمال وزير الداخلية الأوكراني أرسين أفاكوف إقالة رؤساء الدوائر الإقليمية لوزارة الداخلية في مقاطعتي لوجانسك ودونيتسك واعدا بإقالة كل مسؤولي هيئات الأمن المحلية العاجزين عن تنفيذ واجباتهم.

الخبر من المصدر